بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية) – بعيدا عن السياسة والفاعلين فيها وقادتها وزعمائها، أليس الإنسان إنسانا مهما ان كان ، أم أن الإنسان يتحول إلى شىء غير منظور، اذا كنا على خلاف أو على عداء معه أو زهدنا – لأي سبب كان – فيما لديه من مصلحة أو منفعة؟
ان الدين رحمة من عند الله – سبحانه تعالى – ليهون على الإنسان حياته التي خلق فيها في كد وتعب ما دام حيا ، وليستطيع السعى وتحقيق مآربه الانسانية المختلفة في اطمئنان وفي مثابرة . كما جعل الله – سبحانه تعالى – الدين صلة خير ونجاة بين الانسان وربه الذي يتوفاه بالليل ويحييه بالنهار ، ثم يتوفاه إليه اذا حل أجله وانتهى عمره . وقد شاء الله – سبحانه تعالى – إلا يعلم الإنسان كل شىء . فعلم الإنسان في كل منحى ضئيل محدود . ومنتهى علم الانسان أن يبذل الإنسان أفضل ما لديه من طاقة فكرية وجسدية وأن يحسن النية ثم يتوكل على الله ليسدد خطأه بالتوفيق والنجاح . وحتى في أمور الدين نفسه ، لا يعلم الانسان كل شىء ولا يفقه كل كبيرة وكل صغيرة فيه ، ولو كان أعظم العلماء . فكل يعلم قدرا كبيرا او صغيرا في فرع أو في بعض فروع من علوم الدين ، ولكن لا يوجد ولم يوجد ولن يوجد من يعلم كل شىء في الدين ، والله أعلم . وقد جاء الدين بالحرص على الحض على حب الناس وعلى ابتغاء محبتهم وعلى الإحسان إليهم ، بصرف النظر عن جنسياتهم وعن أيمانهم وعن أوضاعهم الاجتماعية ، وبصرف النظر عن كل شىء تقريبا . بل ان الدين حض الناس على الإحسان الى من عادانا وناصبنا العداء ، لا عن ضعف ، ولكن لأن المعاملة الحسنة قد تلين القلوب وتغير العداوة الى مودة والى أخوة ، فإن لم تأت المعاملة الحسنة بنتيجة مبهرة ولم تحدث تحولات درامية في علاقتنا بعدونا أو بأعدائنا ، فلن تضيف هذه المعاملة الحسنة إلى العداوة القآئمة مزيدا من العداء . بل سوف تظهر لأعدائنا رقينا الإنساني والحضاري وتؤكد سمو فهمنا لديننا الحنيف واستيعابنا الصحيح له وحرصنا على العمل بما جاء به.
فالإحسان رفعة وعلو، والغلظة ساءت مقتا وأوغرت القلوب وباعدت المسافات بين الناس وبين الشعوب ، وأغلقت المحال والمصانع وشردت الأسر ولا خير فيها ولا يحبها ولا يرضاها الله . ثم ان المعاملة الحسنة والإنسانية لا تفرق بين الناس. فكيف اذا يتأتى لنا – مثلا – أن نشهد مقتل العشرات من الناس في حادث في بلد ما، ولا ننبس بكلمة عزاء ، ولو كان من توفوا الى الله قوما بلا دين ؟ فالله وحده أعلم بالناس وأعلم بالمؤمنين وأعلم بالكافرين . والله وحده هو الحسيب صاحب الحساب، ولسنا – نحن البشر – أصحاب الحساب والعقاب ، ولا نحن أصحاب البت قي صلاح الناس وفي ايمانهم أو كفرهم . ذلك من فضل الله – سبحانه تعالى – الا يكلف الانسان فوق طاقته ، فلماذا يظهر بعضنا وكأنه نسى هذا ؟ والله أعلم بتقلب القلوب وأعلم باخلاصها .
إننا بشر ولسنا مفوضين من قبل الله – عز وجل – لنحساب الناس ، وما كنا لنستطيع . وينبغي علينا أن تتعامل مع بعضنا البعض كبشر ، وأن نتجاوز العداوة والخلافات – مهما ان كانت – أحيانا . فما أصاب الغير اليوم قد يصيبنا غدا ، ومن كان يرفل في النعمة اليوم ونحن نهرول إليه ، قد يعاني غدا الفاقة أو يبتعد عنا لمصلحة يراها . فلا ينبغى أن تحكم المصلحة فقط سياستنا وتصرفاتنا ، ولكن الإنسانية من الدين القيم ، والانسانية تعلو ولا يعلى عليها وهى أولى بالأتباع ، لصالح الدين ولصالح الشعوب . ففي النهاية ، الله هو رب الناس ورب الخلق أجمعين