أنقرة (زمان التركية) – اعتراف زعيم المافيا التركي، سادات بكر، بأنه نقل دون علمه أسلحة من شركة سادات الأمنية إلى تنظيم النصرة في سوريا عبر أسطول شاحناته، ليثبت العلاقة التي أنشأها حزب العدالة والتنمية مع المليشيات المسلحة خارج حدود تركيا.
كشفت اعترافات زعيم المافيا كذب الرواية الرسمية، وتعرض من فضحوا القضية للظلم.
كان نائب حزب العدالة والتنمية الحالي ونائب حزب الحركة القومية سابقا طغرل تركيش كذب تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو، بخصوص الأسلحة المضبوط عام 2014 في شاحنات تابعة للمخابرات، مفترض أنها تحمل مساعدات بينما كانت في طريقها إلى الجهاديين في سوريا.
داود أوغلو وأردوغان زعما عقب افتضاح الأمر أن شحنة الأسلحة كانت مرسلة إلى التركمان في سوريا.
لكن تركيش المنتمي إلى التيار القومي التركي صرح في برنامج تلفزيوني خاص شارك فيه قبل انضمامه إلى حزب العدالة والتنمية أن الأسلحة المرسلة بالشاحنات لم تكن مرسلة إلى تركمان بايربوجاك كما ادعى رئيس حزب العدالة والتنمية أردوغان ورئيس الوزراء -الأسبق- أحمد داوود أوغلو.
وتابع تركاش: “أقسم بالله، تلك الأسلحة لم تذهب إلى التركمان. أنا أقول بناء عن علم ومعرفة. لدينا اتصالات مع تلك المنطقة. لدينا علاقات مع تركمان بايربوجاك والناس في حلب، هذه الأسلحة لم ترسل إلى التركمان”.
وفيما يلي تفاصيل قضية شاحنات المخابرات التركية المحملة بالأسلحة التي كانت في طريقها إلى المجموعات الجهادية المقاتلة في سوريا كما ورد في كتاب (قصة تركيا بين أردوغان الأول والثاني):
في 19 يناير 2014 شهدت مدينة هاتاي الحدودية حادثة مدوية صادمة للشارع التركي والدولي، فقد أوقف أفراد من الشرطة العسكرية شاحنة كبيرة على الحدود التركية-السورية، وبعدما تبيّن أنها تخصّ جهاز المخابرات التركية رفع موظفو المخابرات المسؤولون عن الشاحنة السلاح على قوات الشرطة. ثم قامت قوات الدرك بتفتيش الشاحنة لتعثر على أسلحة وذخائر أسفل صناديق الأدوية التي استخدمت كأداة للتمويه، ثم سمحت لها بالعبور إلى سوريا بعدما تدخل مسؤولو الحكومة عقب تحرير محضر عن الحادثة.
وهذه كانت اللحظة التي كشفت رسميا خروج المخابرات عن دائرة القانون المحلي والدولي من جانب، وسعي المؤسسة العسكرية إلى منع خروج الدولة من هذا الإطار الشرعي تفاديًا لعقوبات دولية قد تتعرض لها تركيا في المستقبل من جانب آخر.
أمرت الحكومة على الفور بإقالة الضابط والمدعي العام اللذين أمرا بإيقاف الشاحنة واعتقالهما، معلنة أن الشاحنة كانت تحمل مساعدات إنسانية. ثم أغلقت الحكومة على وجه السرعة ملف هذه الحادثة التي تسببت في ظهور ادعاءات بأن أردوغان متورط في الحرب الدائرة في سوريا.
وقد حاول أردوغان في البداية التكتم على الموضوع، ونفى إيقاف الجيش لهذه الشاحنات، وكذب كونها تابعة للمخابرات، مدعيًا أنها شاحنات مساعدة تابعة لهيئة الإغاثة الإنسانية (IHH)، ثم اضطر إلى القبول عقب نشر الوثائق الخاصة بها، وزعم هذه المرة أن حمولة هذه الشاحنات كانت مساعدات إنسانية وليست أسلحة.
لكن بعد ثلاثة أيام (21 يناير) نشرت صحيفة “أيدينليك” الموالية لأرجنكون صورا فوتوغرافية لحمولة الشاحنات لتكشف أن “المساعدات” المزعومة ما هي إلا عبارة عن صواريخ. ثم نشرت صحيفة جمهوريت في 29 مايو 2014 مقطع فيديو يكشف ملابسات إيقاف شاحنات المخابرات والأسلحة بداخلها.
ساق أردوغان ومسئولون حكوميون مزاعم مختلفة بل متناقضة لما كانت تحويه تلك الشاحنات، حيث ادعى أردوغان في 24 يوليو 2014 أن الشاحنات كانت تحمل مساعدات إلى التركمان، وهذا كان رأي رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ووزير الداخلية الأسبق أفكان علاء أيضا. لكن ياسين أقطاي؛ نائب رئيس حزب العدالة والتنمية وأحد مستشاري أردوغان، صرّح بأن الشاحنات كانت محملة بالأسلحة ومتجهة إلى الجيش السوري الحر. بينما أنكر إبراهيم كالين؛ كبير مستشاري أردوغان والمتحدث باسم الرئاسة تلك التصريحات، زاعمًا أن المخابرات لم ترسل قط شاحنات أسلحة إلى أي مجموعة من المجموعات المعارضة المقاتلة ضد النظام السوري. ثم خرج عضو حزب الحركة القومية السابق الذي تسلم فيما بعد منصب نائب رئيس الوزراء طغرل توركيش نافيًا كل هذه المزاعم ومقسمًا: “والله إن تلك الشاحنات لم تُرسل إلى التركمان أبداً”. كما خرج نائب رئيس المجلس التركماني السوري حسين العبد الله لينفي صحة كل مزاعم أردوغان في تصريحات أدلى بها في 4 يناير/ كانون الثاني 2014 قائلاً: “لم نحصل من حكومة أنقرة على أي مساعدات مسلحة أو أي شكل من أشكال المساعدات”.
ورغم هذه التصريحات المتناقضة، ونشر صحيفتي أيدينليك وجمهوريت المعارضتين بشكل صارخ لحركة الخدمة لهذه الأخبار، فإن أردوغان المسيطر على معظم وسائل الإعلام سوّق هذه الحادثة باعتبارها دليلاً على تغلغل ما أسماه “الكيان الموازي” داخل المؤسسة العسكرية وانتهز هذه الفرصة لإعداد الرأي العام وتوجيهه إلى ضرورة إجراء التصفيات التي كان يخطط لها منذ زمن وإعادة هيكلة كافة الأجهزة لتتوافق مع المشاريع التي يريد تنفيذها على الأراضي السورية. ومن الغريب جدا اتهام أردوغان لجريدة “جمهوريت” المعروف عنها عداؤها الشديد لحركة الخدمة طوال تاريخها بالتبعية للكيان الموازي، والكشف عن أسرار الدولة، وعدم تعرضه لصحيفة أيدينليك التابعة لمجموعة دوغو برينجك رغم أنها كانت أول من نشر خبر الشاحنات قبل جمهوريت بنحو 5 أشهر.
وكان أردوغان اتهم رئيس تحرير الجريدة جان دوندار الذي نشر الفيديو الخاص بأسلحة المخابرات بالتجسس على مصالح الدولة التركية وإهانة هيبة الدولة أمام الرأي العام العالمي، مؤكدًا أنه لن يتركه حتى يدفع ثمن ذلك.
وقد تحدث دوندار في مقال لصحيفة “الجارديان” البريطانية في ديسمبر 2015 عن هذه الشاحنات، مؤكدًا أنها ليست “سر الدولة التركية بل سر أردوغان”. وأضاف: “أردوغان قال في قناة تلفزيونية “إن الشخص المسؤول عن نشر هذا الخبر سيدفع الثمن غالياً. هذه الصور أسرار الدولة وأن نشرها يعدّ تجسساً”.ومن ثم تقدم بشكوى شخصية إلى النيابة العامة كما لو أنه يؤيد أن هذا ليس سر دولة بل سره الشخصي. وتقدم بطلب سجن مؤبد بحقي بدعوى استيلائي على أخبار سرية ونشرها بهدف إهانة الدولة والتجسس. وكان هذا مؤشراً لاعتقالنا، إذ نعرف جيداً أن قضاة المحكمة الجنائية يتعاملون مع مطالب رئيس الجمهورية على أنها أوامر صادرة منه إليهم. وفي النهاية تم اعتقالي في 25 نوفمبر 2015 مع ممثل الصحيفة في أنقرة أردم جول الذي نشر الخبر”.
لكن المحكمة الدستورية أصدرت في فبراير 2016 قرارًا بإخلاء سبيل جان دوندار، معتبرة قرار المحكمة منتهكًا لحقوقه في التعبير عن الرأي وحرية التعبير، غير أن أردوغان اعترض على هذا القرار وأعلن قائلاً: “لن أقبل قرار المحكمة الدستورية، ولن أطبق القرار، ولا أحترم قراراتها”.
عقب الإفراج عنه بقرار من المحكمة الدستورية بعد اعتقال لمدة 3 أشهر، قال دوندار في اجتماع مع سفراء وصحفيين أجانب في مارس 2016، من بينهم رئيس منظمة صحفيين بلا حدود كريستوف ديلوار: “إن أوروبا تجد صعوبة كبيرة في فهم وتفسير موقف أردوغان. لم نشهد في تركيا حتى هذه اللحظة رئيسًا يقول إنه لن يمتثل لقرار المحكمة الدستورية، وهو الأمر الذي أدهش أوروبا أشد 5 أضعاف مما أدهشنا. فهم يتابعون مسار تركيا بقلق. موقف أردوغان سيتسبب في مواجهات بين جميع مؤسسات الدولة.. الدولة تتجه نحو أزمة. فنحن نشهد انهيار الترابط بين المحكمة الدستورية والرئاسة وبين الرئاسة والبرلمان وبين البرلمان والمعارضة وبين المعارضة واللقاءات الدستورية. والآن نرى وصول الأمر إلى صراع داخل الحكومة”.
ومع استمرار تهديدات أردوغان له، تعرض دوندار في مايو 2016 لهجومٍ مسلح أثناء انتظاره أمام محكمة إسطنبول في منطقة شاغليان، من قبل شخصٍ يُدعى محمد شاهين، الذي تم اعتقاله لمدة قصيرة ثم خرج من السجن في خطوة صادمة للرأي العام، إلا أنه نجا من الحادثة دون إصابة. ومع أن دوندار نجا من الهجوم دون إصابة إلا أنه لاحظ أن الخطر الذي ينتظره يتفاقم يوما بعد يىوم، لذا تمكن أخيرا من الفرار إلى ألمانيا تاركًا وراءه جميع أفراد أسرته. إلا أن السلطات التركية أصدرت هذه المرة نشرة حمراء بحق دوندار وصحفي وكاتب آخر يدعى إلهان تانير من موقع “أحوال تركية”.
أسقطت محكمة تركية الدعوى المقامة بحق صحيفة “أيدينليك” اليسارية بتهمة “الكشف عن وثائق سرية للدولة” بعد أن نشرت صورًا لشاحنات المخابرات التركية المحملة بالأسلحة، بينما كانت في طريقها إلى المجموعات الإرهابية في سوريا، لكن كان الأمر مختلفا بالنسبة لصحيفة “جمهوريت” التي نشرت عن القضية ذاتها وبعد 5 أشهر من الصحيفة الأولى.
وفي فبراير 2019 قضت الدائرة الرابعة عشر لمحكمة الصلح والجزاء في إسطنبول بتبرئة ساحة كل من رئيس تحرير صحيفة أيدينليك مصطفى إيلكار والمسؤول عن قسم الاستخبارات في الصحيفة أورهان جيحون من جريمة الكشف عن أسرار الدولة، عقب نشر صور عن شحنات الأسلحة التابعة للمخابرات، وذلك بسبب أن الدعوى أقيمت ضدهما بعد مضيّ أربعة أشهر على الفترة القانونية لفتح التحقيق معهما، أي بعد أربعة أشهر من وقوع الحادثة. إلا أن المحكمة قررت في الوقت ذاته أن تفتح النيابة العامة تحقيقا مع الصحفيين بسبب حيازتهما أوراقًا سرية تخص الدولة.
وقرار إسقاط الدعوى عن صحيفة أيدينليك كشف عن ازدواجية القضاء، حيث كانت المحكمة عاقبت في وقت سابق جان دوندار بالحبس بسبب التهمة عينها، مع أن نشره للصور ومقاطع فيديو شاحنات المخابرات جاء بعد خمسة أشهر من صحيفة أيدينليك.
وعزا مراقبون سبب هذه الازدواجية إلى أن صحيفة أيدينليك مملوكة لمجموعة دوغو برينجك، الذي كان محكومًا عليه في قضية أرجنكون ثم تحالف مع أردوغان وخرج من السجن، ويعتبر حاليًّا من أقوى داعمي أردوغان..
وهذا القرار لصالح مجموعة أيدينليك وأرجنكون أعاد للأذهان قول دوغو برينجك، حليف أردوغان الجديد: “جهاز القضاء ليس إلا كلب السلطة السياسية توجهه حيثما شاءت”، و”جهاز القضاء يعيش عصره الذهبي”، وذلك بعد قرار الإفراج عن جميع عناصر تنظيم أرجنكون المعتقلين وبدء حملة مضادة لاعتقال القضاة والنواب العامين والعسكريين وأعضاء المجتمع المدني بحجة أنهم كانوا يقفون وراء قضية وتحقيقات تنظيم أرجنكون.
وفي أكتوبر 2019، أي بعد 5 سنوات من الحادثة، قررت المحكمة الدستورية التركية أن حظر النشر المفروض على أخبار فضائح الفساد والرشوة في 2013 وشاحنات السلاح المضبوط عام 2014 بينما كانت متوجهة إلى سوريا انتهاك لحرية الصحافة والتعبير.
جان دوندار علق على قرار المحكمة الدستورية في حوار مع قناة “DW” الألمانية بأن الادعاءات التي يسوقها أردوغان في محاكمته بتهمة الكشف عن أسرار الدولة لم تعد أدلة إدانة ضده بعد قرار المحكمة الدستورية وأضاف: “لقد أيدتنا المحكمة الدستورية، وأكدت أن ما قمنا به هو عملنا الصحفي”.
بعد نحو ثلاثة أشهر من حادثة الكشف عن شحنات الأسلحة المرسلة إلى سوريا تسرب إلى وسائل الإعلام تسجيل خطير للغاية يكشف السر وراء هذه الأسلحة.
اختلاق ذريعة للدفع بالجيش إلى سوريا
في 24 من مارس عام 2014 اهتزت تركيا أيضًا إثر تسريب تسجيل صوتي رُفع على موقع يوتيوب من حسابٍ بعنوان “@secimgudumu”، تضمن المحادثات التي جرت في اجتماعٍ حضره كلٌّ من وزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو ومستشار وزارة الخارجية فريدون سنرلي أوغلو ورئيس المخابرات هاكان فيدان والقائد الثاني للأركان فريق أول ياشار جولر.
ومع أن إمكانية تعرض اجتماع مهم وسري إلى هذه الدرجة للتنصت وتسريبه إلى الإعلام الاجتماعي تشكّل بحد ذاتها فضيحة، إلا أن محتوى المحادثات التي تضمنها هذا الاجتماع كان أفدح وأخطر! فقد كشف داود أوغلو في التسجيل الصوتي عن رغبة أردوغان في تنفيذ عملية عسكرية في سوريا، بينما قال فيدان: “من الممكن أن نرسل أربعة من رجالنا إلى الجانب السوري، ليقوموا بإلقاء صواريخ من هناك على الجانب التركي، من أجل خلق الذريعة اللازمة للتدخل العسكري في سوريا إن تطلب الأمر ذلك”. وأكد أن الحدود التركية – السورية لا تفرض عليها رقابة صارمة، وأن تركيا من الممكن أن تشهد تفجيرات في أي مكان.
فيما كان الجنرال جولر يلفت الانتباه إلى ضرورة نقل أسلحة وذخائر إلى المعارضة السورية تحت إشراف المخابرات، موضحًا أن القطريين يبحثون عن ذخائر مقابل أموال، وأنه في حال إصدار وزراء معنيين تعليمات يمكنهم أن يطلبوا من مؤسسة الصناعات الميكانيكية والكيميائية التابعة للجيش تصنيع أسلحة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد اعترف فيدان بإرسال نحو ألفي شاحنة من الذخيرة إلى سوريا. وفي إطار بحثهم عن “ذريعة” للتدخل العسكري في سوريا، اقترح فيدان أيضًا “شنّ هجوم على ضريح سليمان شاه”؛ جد أول سلطان للدولة العثمانية، الموجود على الأراضي السورية، وهو ما تم لاحقا، ثم نقل الضريح إلى مكان قرب الحدود التركية.