القاهرة (زمان التركية) – كلما أراد الإنسان أن يفهم حقيقة أي مشهد تاريخي يقع أمامه اليوم فعليه أن يعود إلى الماضي حتى يستطيع أن يقوم بعملية تحليل للمشهد بصورة صحيحة، والمشهد التركي اليوم مشهد متشابك والوضع يزداد تعقيدا على مرور السنوات الأخيرة، ولكن ما هي المقدمات التي أدت إلى تلك النتائج ؟ هذا هو السؤال الحقيقي وكيف يمكن للمجتمع التركي النجاة من تكرار هذا الواقع الأليم الذي يحياه اليوم.
ولكن قبل كل هذا سأقص عليكم موقفا حدث لي وكان دافعا لكتابة تلك المقالة، لقد أمضيت قرابة عامين في مدينة اسطنبول عام ١٠١٢ والمدينة تسحر كل زوارها وتمضي السنوات وتشاء الأقدار أن ألتقي بصديق تعرفت عليه حديثا فيحدثني أنه عاش في اسطنبول في نفس الفترة التي كنت بها هناك، ويدور الحديث بيننا حول أن تركيا في الفترة من ٢٠٠٨ – ٢٠١٢ كانت تعيش عصرا ذهبيا على جميع المستويات وذلك ما عايشه كل منا فالاقتصاد كان مزدهرا حتى أن الليرة التركية كان تعادل دولارا ونصف الدولار في ذلك الحين بينما اليوم ورغم الجهود الحكومية فإن الدولار الامريكي اليوم يساوي ثمانية ليرات ونصف وهو ما يمثل هبوط حادا، والمتابعون للاقتصاد التركي يرون كيف التخبط الذي تحياه تركيا في إدارة الملف الإقتصادي فخلال الستة أشهر الأخير تم تغيير رئيس البنك المركزي التركي أكثر من مرة، أضف إلى ذلك التدخلات الخارجية والتي هي بمثابة مغامرات سياسية للحكومة التركية تلك المغامرات الفاشلة كلفت جيب المواطن التركي الكثير لتصبح الدولة غير مستعدة لمواجهة جائحة كورونا. على كل تركت صديقي وبت أتسأل لماذ وكيف تحول الحلم التركي إلى كابوس مروع يعيشه المواطن التركي؟
أليست تركيا التي عايشتها كانت تعيش عصر حرية للكلمة والصحافة فتحولت لتكون سجنا كبيرا لحرية الرأي، ليس كل رأي بل كل رأي يخالف أو يعارض الرواية والرؤية التي تتبناها الحكومة.
وبحثا عن إجابة تساؤلاتي تلك تذكرت تركيا في ثمانينيات القرن الماضي وكيف كان التحزب والانقسام سائدا في تركيا البلد الذي كلما كاد أن يتعافى من انقلاب إذا بانقلاب عسكري أخر يطل برأسه وهو الأمر الذي أنهك المواطنون الأتراك لعقود، ولم يستطيعو التخلص منه إلا في حقبة الثمانينيات حيث عجزت الدولة أن تقوم بوظيفتها في بناء المدارس اللازمة وأصبحت تشوق المواطنون أن يقوموا ببناء المدارس لأولادهم وكان الاعلانات التي تبث في التلفاز تبث في التلفاز من أجل تشجيع بناء المدارس الخاصة، وانطلقت عمليات بناء المدارس وانطلق جيل جديد من الطلاب لديهم رؤى جديدة اكتسبوها من التعليم فبدأ الاقتصاد ينتعش مرة أخرى وشعر المواطن التركي أن مشارك في بناء وطنه فانطلقت الحركات الاجتماعية والجمعيات التعاونية المختلفة هذه الحركات ساهمت في تقليل حدة الصراعات الداخلية بين مختلف الاحزاب الايدلوجيات لتقل أيضا عمليات الاغتيال التي كانت سائدة في تلك الفترة.
نعم عزيزي القارئ إن التعليم هو الذي صنع الواقع التركي الذي كنا نراه باعتباره نموذجا وحلما يداعب أذهان مواطنيي الشرق الأوسط، ثم إذا ما سألتني فكيف تحول الحلم إلى كابوس؟ فالإجابة هي التعليم أيضا فقد أغلقت حكومة أردوغان في عام ٢٠١٣ المئات من المدارس التحضيرية التي كانت تساعد الطلاب على التجهز لامتحانات القبول بالجامعات، ومنذ ذلك ذلك العام وبدأ الوضع داخل تركيا يتراجع بصورة متسارعة ساعد فيها غلق المئات من المدارس الوقفية والاستيلاء عليها من قبل الحكومة وكذلك اغلاق بعض الجامعات الخاصة وهكذا خلال العشر السنوات الماضية بدأ الكابوس فحرية الرأي لا مكان لها والسجون التركية تضج بالمسجونين سياسيا ما استدعى إلى بناء سجون جديدة، والتعليم في تراجع فالمعلمون ذوي التجارب لسنوات عديدة تم تجريدهم من شهاداتهم التعليمية .
وهكذا هي الحكاية عزيزي القارئ إنه التعليم الذي كلما تطور تحققت الأحلام الأوطان وكلما واجه التعليم تعقيدات أكثر وأكثر تحول واقع الأوطان إلى كابوس وواقع تركيا على ذلك شاهد .