بقلم: د. أبوزيد عبد الرحيم
(زمان التركية)_ مصر تلك التي في خاطري وتجري في روحي ودمي، لم تكن يومًا إلا معادلة مهمًّة ورقمًا كبيرًا في النظام العالمي، وحضارتها التي بلغت سبعة آلاف عام وموقعها الاستراتيجي ومواردها وطاقتها البشرية شواهد على تلك المكانة العظيمة.
كانت ولا زالت القضية الفلسطينية حاضرة في ذهن الدولة المصرية ولم تغب يومًا ما؛ لذا فإن الموقف الذي اتخذته الدولة المصرية في اعتداءات الكيان الصهيوني الأخير على فلسطين ليس بغريب عليها، فمنذ مؤتمر فلسطين الذي انعقد عام 1938م على خلفية ثورة 1936م التي هزَّت فلسطين، وقادها مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، الذي استضافته مصر قلب العروبة بعد أن ظل مطاردًا في العراق ثم إيران فتركيا وإيطاليا ثم ألمانيا إلى أن عرض عليه سفير مصر في باريس محمود فخري باشا ترحيب الملك فاروق به ليقيم في مصر، وعندما وصل إلى الإسكندرية ونجا من محاولات الوكالة الصهيونية العالمية لاغتياله، أقام في فيلا الملك فاروق بأنشاص، والتي انعقدت فيها أول قمة عربية لمناصرة القضية الفلسطينية.
تلك هي الدولة المصرية، وهذه هي مواقفها النبيلة تجاه قضايا أمتها العربية والإسلامية. وفي الأحداث الأخيرة هبت الدولة المصرية قيادة ومؤسسات وشعبًا دافعها ألمها من إراقة دماء إخوانها الفلسطينيين، وإزهاق أرواح الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ.
فبعد أحد عشر يوما من النيران والدمار، ومنذ بدء عمليات تهجير الفلسطينيين من حي الشيخ جراح، سعت مصر بكل السبل لوقف إطلاق النار، والعمل على تقديم المساعدات الطبية والغذائية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني.
موقف القيادة السياسية
في قمة باريس التي جمعت الرئيس السيسي بالرئيس الفرنسي ماكرون والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، تبنَّى الرئيس السيسي طرح الأزمة، وأطلق مبادرة لتخصيص نصف مليار دولار إعمار غزة، ووجه بفتح المستشفيات المصرية، ومعبر رفح لنقل المصابين، كما أكد عقب القمة أنه الحل الوحيد الذي يمكنه إنهاء الدائرة المفرغة من العنف المستمر في الأراضي الفلسطينية، إلا بإيجاد حل جذري عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية، يعيش ويتمتع بداخلها الشعب الفلسطيني بكامل حقوقه المشروعة كسائر شعوب العالم، مشددا على خطورة تداعيات محاولات تغيير الوضع الديموغرافي لمدينة القدس، وهي المحاولات التي تستوجب الوقف الفوري.
موقف الدبلوماسية المصرية
وفي كلمته عبر تقنية الفيديو كونفرانس يوم الأحد الموافق 16من الشهر الجاري، في الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن الدولي، لمناقشة التصعيد الأخير للصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني، أكَّد وزير الخارجية المصري السيد/ سامح شكري، أن ما تقوم سلطات الكيان الصهيوني من استفزازات بالمصلين من أهل القدس في المسجد الأقصى المبارك، بالتوازي مع عملية التهجير الممنهجة للفلسطينيين من حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، ما هو إلا انتهاكات صارخة للقانون الدولي والتعهدات التي يطلقها رعاة السلام في منطقة الشرق الأوسط.
كما أشار وزير الخارجية المصري إلى أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا عبر نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، واستقلال دولته على خطوط الرابع من يونيو عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
موقف الأجهزة الأمنية
منذ اندلاع المواجهات بين الطرفين سارع الرئيس السيسي بإرسال وفدين أمنيين ودبلوماسيين إل كل من غزة وتل أبيب، للعمل من أجل وقف إطلاق النار، وقد لعبت الوساطة المصرية التي استمرت أحد عشر يومًا دورًا كبيرًا في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار «متبادل ومتزامن» في قطاع غزة، اعتبارًا من الساعة الثانية فجر الجمعة 21 مايو بتوقيت فلسطين، بعد تصعيد عسكري هو الأعنف من نوعه بين الطرفين منذ عام 2014م.
موقف مجلس النواب المصري
منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهات بين الطرفين، أصدر مجلس النواب المصري باعتباره معبرًا عن ضمير الأمة بيانًا أدان فيه الاعتداءات الصارخة وترويع الركع السجود في المسجد الأقصى وهم يؤدون فروض الله، وحرمانهم من إقامة شعائرهم في هذا الشهر المبارك.
وأكد أن ما يحدث من تهجير لعائلات فلسطينية من منازلهم بحي الشيخ جراح، هي جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان، في انتهاك صريح لكل المواثيق الدولية وقرارات الشرعية الدولية.
وطالب مجلس النواب المجتمع الدولي وفى مقدمته الأمم المتحدة، بالتحرك العاجل لوقف هذه الاعتداءات والاستفزازات التي تنبئ بعواقب وخيمة، والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
كما ثمّن حزب الحرية المصري قرار الرئيس السيسي بفتح معبر رفح، وفتح مستشفيات سيناء أمام المصابين من أشقائنا الفلسطينيين، مؤكدا أن هذا القرار وما سبقه من دور مصري على الأرض يؤكد بشدة أن مصر كانت وستظل المدافع الأول عن القضية الفلسطينية.
موقف مؤسسة الأزهر الشريف
الأزهر الشريف باعتباره منبرًا مصريًّا وعربيًّا وإسلاميًّا وإنسانيًّا، جاء موقفه جزءًا لا يتجزأ من موقف الدولة المصرية، فعلى وجه السرعة أدان فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بقوله: “إنَّ اقتحام ساحات المسجد الأقصى المبارك، وانتهاك حرمات الله بالاعتداء السافر على المصلين الآمِنين، ومن قَبلِها الاعتداء بالسلاح على التظاهرات السلمية بحي الشيخ جراح بالقدس وتهجير أهله – إرهابٌ صهيوني غاشم في ظل صمت عالمي مخزٍ.
وأضاف عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك إن الأزهر الشريف، علماء وطلابا، يتضامن كليًّا مع الشعب الفلسطيني المظلوم في وجه استبداد الكيان الصهيوني وطغيانه، داعيًا الله أن يحفظهم بحفظه، وينصرهم بنصره فهم أصحاب الحق والأرض والقضية العادلة.
ثم وجه دعوة إلى شعوب العالم وقادته بخمسة عشر لغة من بينها اللغة العبرية لمساندة الشعب الفلسطيني المسالم في قضيته المشروعة لاسترداد أرضه ومقدساته.
كما وجَّه فضيلته قيادات الأزهر والإدارة المختصة بالقوافل، بسرعة اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتسيير قافلة إغاثية عاجلة إلى الأراضي الفلسطينية بقطاع غزة، تضامنًا مع القضية الفلسطينية، وتضميدًا لجراح أهالينا في غزة.
وفي خطبته التي رأى بعض المحللين أنها “مفاجئة ونارية”، وعلى منبر الأزهر الشريف، هاجم الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء الكيان الصهيوني، داعيًا الشعب الفلسطيني للاستمرار في صبره وصموده ورباطه، وإلى تشكيل قوة ردع عربية وإسلامية، وأن يكون العرب والمسلمون صفًّا واحدًا”.
واستكمالا لجهود الأزهر الشريف، قامت وزارة الأوقاف المصرية بالتبرع بـ50 مليون جنيه من أجل المساهمة في إعمار غزة.
كما أكد الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، مساندة مصر لحقوق الفلسطينيين في اتصال هاتفي مع مفتي القدس.
نقابة الأطباء تفتح باب التطوع لعلاج المصابين
عقب فتح باب التطوع لعلاج المصابين من أشقائنا الفلسطينيين، سجل للتطوع عبر موقع النقابة 1200 طبيبًا. من جانبها أكدت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، تجهيز 11 مستشفى بمحافظات شمال سيناء والإسماعيلية والقاهرة، ودعم شمال سيناء بـ 37 فريقا طبيا في مختلف التخصصات الطبية لعلاج المصابين من أشقائنا الفلسطينيين.
من الشعب المصري لإخوانه في فلسطين
لم يتوقف دعم مصر للشعب الفلسطيني عند المساعدات الطبية فحسب، بل قامت الحافلات المصرية بنقل المساعدات الغذائية والطبية إلى معبر رفح تمهيدا لدخولها قطاع غزة، بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتقرر إدخال الحافلات التي كتب عليها: «من الشعب المصري للشعب الفلسطيني، كل الدعم والتأييد»، وذلك بالتنسيق مع المسؤولين الفلسطينيين لتوزيعها على السكان وسد احتياجات المستشفيات والمؤسسات الطبية بالقطاع.
إشادات دولية بالموقف المصري
عقب اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم بوساطة مصرية، تصدرت مصر المشهد العالمي، وانهالت الإشادات من قادة وملوك ورؤساء العلماء ومن المؤسسات الدولية والأممية المختلفة مثمنة جهود مصر المخلصة في إحلال السلام العالمي، ورغبتها في ضرورة إيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
فقد أثنى الرئيس الأمريكي جو بايدن على الدور المصري في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار مؤكدًا على دعم أمريكا لجهود الوصول إلى سلام دائم.
كما أثني الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالدور المصري قائلا: “إن هذا الموقف القومي والتاريخي المصري، يعبر عن حقيقة مصر ودورها العروبي في دعم الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه وأرضه حتى قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.