بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – إن الأمثال القديمة التي ذكرها أجدادنا تختصر وقائع تعد بمثابة حقائق، وكثير من تلك الأمثال نراها شاخصة أمام أعيننا واقعا معاشا، فالمثل المصري الشهير يقول “ما شافوهمش وهما بيسرقوا شافوهم وهما بيختنقوا” هذا واقع تركيا اليوم والتصريحات التي يدلي بها زعيم المافيا التركي الهارب من تركيا والذي كان حليفا للحزب الحاكم وكان يلعب دورا كبيرا في دعم النظام التركي شعبيا منذ عام ٢٠١٤ وربما قبل ذلك الوقت بسنوات.
لكن حتى نفهم الوضع التركي علينا أن نعود بالزمن لعام ٢٠١٣ ، فهذا على وجه التحديد هو العام الذي بدأ يظهر فيه رئيس وزراء تركيا آنذاك رجب طيب أردوغان وجهه الحقيقي وتطلعاته الديكتاتورية التي يظهر لنا اليوم أنها تبوء بالفشل يوما بعد يوما وتضعف الدولة وتعيق تركيا عن التقدم.
كانت اللافتات في مدينة اسطنبول يعرض عليها صورة كبيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومكتوب عليها ” قائد العالم” ولكن الشرطة التركية في نهاية عام ٢٠١٣ أظهرت تحقيقات للشرطة استغرقت عامين أن مجموعة من الوزراء وأبنائهم متورطون في قضايا فساد مالي ضخم ذي أبعاد دولية ويتعلق بغسيل أموال بملايين الدولارات لصالح إيران، لتظهر أدلة على تورط نجل رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان، ورغم أن الحكومة التركية حاولت احتواء المسألة وتحويل الأنظار عن القضية باعتبارها مؤامرة “دولية” لزعزعة الاستقرار في تركيا، وتم فصل كل من شارك في هذا التحقيق من رجال الشرطة تقريبا.
ولسوء حظ تركيا فكلما حدثت مشكلة تظهر مدى تورط الحكومة التركية في الفساد المالي والأخلاقي كلما حاولت الحكومة أن تكون أكثر انتهاكا لحقوق المواطن التركي، ثم تمضي السنوات ليحدث في تركيا انقلاب لا يتجاوز عدة ساعات ويتضح بعد ذلك من خلال التقارير الاستخباراتية الدولية أنه لم يكن سوى مسرحية كتب السيناريو الخاص بها الحكومة التركية بالتعاون مع بعض قيادات الجيش والهدف هو القضاء على المعارضة التركية جميعها والسيطرة على كل المنافذ الإعلامية داخل تركيا وكذلك إذلال مؤسسة الجيش التركي لأنه كان يرفض الدخول في نزاعات خارجية لا سيما التدخل في الوضع السوري وهو التوجه الذي كان يدعمه الرئيس أردوغان.
كل هذا كان يفهمه المتابع الجيد للأحداث في تركيا وكيف تنهار الدولة التركية على المستوى الاقتصادي وغيره من القطاعات، لكن ما يعيدنا اليوم لأحداث نهاية عام ٢٠١٣ هو أن زعيم المافيا التركي سادات بكر كان قد تم الإفراج عنه لاحقا في عام ٢٠١٤ ليصبح للرجل وزنا داخل الدولة ويصرح مرارا وتكرارا بدعم الرئيس أردوغان ويعتبره أخا أكبر له !
وخلال الأسابيع الماضية بدأ زعيم المافيا الهارب من تركيا يصدر فيديوهات يتحدث فيها عن فساد مالي وأخلاقي وعمليات قتل عمد ضد بعض الأفراد منهم صحفي تم القيام بها بأمر من وزير الداخلية الأسبق واستخباراتي سابق. وهذا غيض من فيض، فتجارة المخدرات يشارك فيها بعض الوزراء وأبنائهم وبتنا نعرف أيضا أن الطائرة الروسية أسقطت بأمر مباشر من قيادة الجيش وليس فعل قام به أحد الأفراد دون تلقي أمر من القيادة العليا، وربما ستكشف الأيام القادمة عن الكثير من كواليس الواقع التركي المتدهور خلال الأعوام الماضية، وأعتقد أن المافيا التركية لعبت دورا في أحداث مسرحية الانقلاب عام ٢٠١٦، فما خفي كان أعظم.
ما بتنا نعرفه أيضا أن المافيا التركية كانت شريكا للحكومة في كل أعمال الفساد ورغم التغطية المستمرة على ذلك الفساد لكن المشتركين فيه الآن هم على اختلاف في كيفية توزيع الأرباح الناتجة من بيع النفط والمخدرات. إنه لوضع مأساوي تعيشه تركيا الدولة التي كانت تعتبر نموذجا يمكن أن يحتذى به في الشرق الأوسط. إن الوضع في تركيا يصبح أكثر صعوبة لا سيما على المستوى الاقتصادي فتشير التقارير الرسمية إلى أنه خلال الأشهر الأربعة الماضية وصلت ملفات الإعسار الاقتصادي إلى مليونين و ٧٥٤ ملفا، وهو ما يظهر أن الوضع الاقتصادي في تركيا وصل إلى حد خطير وبالطبع فتعامل الدولة مع فيروس كورونا أحد أهم الأسباب المؤدية إلى ذلك .
ستظهر الأيام القادمة الكثير من كواليس المشهد السياسي التركي على مدار السنوات الماضية، وثقة المواطن التركي في الحكومة الحالية يقل يوما بعد يوم. إن الوضع السياسي التركي يبشر بتغيرات كبيرة خلال السنوات القادمة ويبشر أيضا بأن المعارضة التركية ستكون هي الأقرب للفوز في أي انتخابات قادمة.. بالطبع إن لم يتم تزوير في عملية الانتخابات أو التلاعب في النتائج كما حدث سابقا.
فهل سنشهد دعوة لانتخابات مبكرة في تركيا خلال الشهور القادمة؟ سؤال يطرح نفسه على الواقع التركي بتعقيداته .