بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – الشرق الأوسط ومنذ مائة عام تقريبا وهو في حلقة مفرغة لا تسمح لبلاد الشرق الأوسط بأن تتقدم، فما أن تنفست تلك الدول طعم الحرية وإخراج المستعمر الذي استنفذ فكر سكان تلك البلاد لسنوات طويلة حتى وقعت فريسة الأيدلوجيات وانقسم أبنائها بين معسكرات الأيدلوجيات المختلفة، والمضحك المبكي هي اللفتات التي كانت تروجها تلك الدول المستعمرة لاستعمارها الشرق الأوسط فكانت تروج أنها جاءت من أجل تنوير الشرق الأوسط لا للسيطرة على مقدراته لا سمح الله!
خرج المستعمر وقد زرع الفتن في تلك البلاد واستنفذ طاقات أهلها ومفكريها وهو ما أدى إلى تأخر دول الشرق الأوسط التي كانت يوما مهد الحضارة للعالم وبدأت التيارات الفكرية تعصف بالبلاد والعباد ما بين اشتراكية وشيوعية وغيرها من الأنظمة ولكن وسط كل هذا كانت القضايا الرئيسية لبلاد الشرق الأوسط يتم سرقتها، وظلت كثير من تلك البلاد رهينة بعض الأفكار فمثلا في تركيا تحولت إلى مركز للعلمانية المتسلطة فأصبحت القضية الرئيسية هي إلغاء الدين وكل ما يمت بالدين من صلة حتى إن كان هذا يعني تغيير اللغة والحرف، ولكن في المغرب العربي لم تكن قضية الدين فقط بل الهوية اللغوية هل المغرب يحتاج أن يستخدم اللغة العربية أم الفرنسية هل الهوية العربية للمغرب العربي حقيقية أم أنها هي الأخرى وافدة، تلك المناقشات شغلت فكر دول الشرق الأوسط فظلت تناقش القضايا الفلسفية وتحاول كل مدرسة القضاء على الأخرى باعتبارها العدو الأول.
إننا اليوم نعيش تغيرا في مشهد الشرق الأوسط، فجماعات الإسلام السياسي التي كانت تجتذب المواطن العادي فقدت شعبيتها تماما لعدم جدواها الحقيقية ولأنها ترفع الشعارات الدينية لاستخدامها في تحصيل مصالح شخصية، وأغلب سكان بلاد الشرق الأوسط أصبح يدرك ذلك أكثر من أي وقت مضى فكان السقوط المدوي لها في مصر وغيرها من دول المنطقة، والمثال التركي الذي كان يستخدم للترويج داخل حركات الإسلام السياسي ظهر وجهه الحقيقي خلال السنوات الماضية فرأينا تقلص الحريات في تركيا وبدلا من بناء المدارس أغلقت الكثير من المدارس وأصبحت الدولة تبني سجونا جديدة لأن عدد المسجونين في قضايا سياسية لم تعد تستوعبه السجون، أما في إيران ففيها أكبر سجون الشرق الأوسط وتعيش الحالة الثيوقراطية التي تسعى للانتشار في الشرق الأوسط. والمتابع يدرك أن المواطن التركي يرى اليوم أن النظام الحالي في تركيا ليس قادرا على بناء المستقبل، أما في إيران فالشعب يعيش حالة من الإرهاق للقيود المفروضة عليه وانتشار الفقر والبطالة بين أبنائه.
أما الدول العربية وعلى مقدمتها مصر فقد عانت هي الأخرى من التشتت الفكري وكانت الرؤى المستقبلية يسودها الضباب، حتى تغير الوضع خلال السنوات القليلة الماضية فاليوم مصر تستعيد توازنها وثقلها على المستوى الداخلي والخارجي وعلى يد أبنائها، والمشاريع الحضارية في دولة الإمارات العربية تبشر بالكثير من الأمل، المشهد في الشرق الأوسط يتغير وهناك حالة من المخاض التي تنبئ عن مستقبل مختلف.
إن القضية التي يجب أن يضعها كل الشرق الأوسط نصب عينيه هي بناء إنسان الحضارة القادر على توسيع الأفق الإنساني على المستوى الأخلاقي والتكنولوجي دون فصل بينهما، وفهم أننا يجب أن نعي أن القدرة على التعايش مع بعضنا البعض رغم اختلافاتنا هو سر النجاح والتقدم وأن أبناء الشرق الأوسط جميعهم تجمعهم الأخوة الإنسانية بجوار غيرها من الروابط، وبالتالي فالتواصل البناء بين أبناء الشرق الأوسط هو المسار الصحيح للعلاقات بين تلك الدول.
وكما قال أمير الشعراء يوما:
نَصَحْتُ ونحن مختلفون داراً
ولكنْ كلُّنا في الهمِّ شرق
إن أحداث اليوم تبشر بأن الشرق الأوسط يقلب صفحة الماضي وسيبدأ في كتابة صفحة جديدة من تاريخه.