القاهرة (زمان التركية) – من طريف التاريخ ، انه يحكى عن الملك الفرنسي لويس الرابع عشر أنه كان يخشى المؤامرات التي قد تحاك ضده للاستيلاء على سلطانه وملكه الذي ينعم فيه ، وذلك على خلفية حدوث بعض المؤمرات التي سمع عنها قبل توليه الحكم . فلما تولى لويس الرابع عشر الحكم في البلاد أدرك بحدسه الثاقب أن ملكه فعلا قد يصبح محلا للمؤمرات ربما من بعض حاشيته أو من بعض علية القوم الطامحين الى الملك والى الثروات .
فأعمل الملك ذهنه ليلا ونهارا في قلق وفي مثابرة ، ليصل الى وسيلة تتيح له السيطرة على من حوله طولل الوقت تقريبا ، ليكون في مأمن من مكرهم وليكون قريبا عليهم . وبعد صبر ولأي وضع لويس الرابع عشر يده على ضالته المنشودة .
فقد علم أن من حوله قد يدبرون المؤمرات وقد يتحاجون ويجرون البلاد الى ما لا يحب أو أسوأ ، ما دامت الأموال في أيديهم وما دام الوقت متاحا لهم بلا شاغل ولا مانع ، وما داموا بعيدا عن أعين الملك وعن رقابته . وكان مما وجد لويس الرابع عشر من العادات السائدة في ملكه أن الملك يعيش يومه في معزل عن حاشيته وعن النبلاء ، فلا يكاد أحد يخالطه خلال يومه ، احتراما لمكانة الملك . فأمر لويس الرابع عشر على الفور بأن تلغى كافة مراسم يومه المعتادة والقائمة على خصوصية الملك وترفعه عن سائر القوم .
ذهل بلاط الملك وتساءلوا عما يكون عليه الوضع اذا بدون خصوصية الملك .
وفي نهاية اليوم أخطر الملك البلاط جميعا وكبار الأعيان والشخصيات في البلاد أنهم مدعوون لمشاهدة مراسم استيقاظ الملك في الصباح . فحضر المدعوون جميعا وهم في دهشة مما دعوا إليه ، بينما شرع خدم الملك في إيقاظه برفق وفتح نوافذ الغرفة للنور والشمس وحلاقة ذقن الملك الى آخر طقوس الملك الصباحية ، والكل يكتم أنفاسه احتراما للملك حتى انتهت مراسم الاستيقاظ . فلما هم المدعوون بالانصراف تلقوا دعوة لمشاهدة مراسم إفطار الملك الذي طلب أن تسبق الإفطار مراسم فخمة ومطولة ، بعد أن كانت بلا مراسم وبلا مدعووبن أيضا .
وبدأت مراسم الافطار الباهية والمطولة في التوالى ، والمدعوون في انبهار من مظاهر العظمة غير المتوقعة ، وفي انبهار من مشاهدة الملك عن قرب وهو يتناول أفطاره . وقبل أن ينصرف المدعوون وجهت إليهم الدعوة لمشاهدة مراسم حفل غداء الملك .
فما أنقضى اليوم – بعد مشاهدة الملك في حفل عشائه – حتى انصرف المدعوون الى أحوالهم وهم يتندرون ويحكون للغير عما شاهدوا طوال اليوم من حياة الملك . ولم تمر أسابيع قليلة ، حتى أصبح علية القوم في فرنسا يتسايقون الى حفلات مشاهدة الملك في وقائع حياته اليومية ويتفاخرون بينهم بما حضروا من تلك الحفلات .
وزاد إقبال الناس والشخصيات على تلك الحفلات ، حتى باتوا يعرضون مئات القطع الذهبية مقابل حضور حفل واحد ، ولو كان لمشاهدة الملك يقضي حاجته .
جمع لويس الرابع عشر الفيادة العسكرية في البلاد في يده ورأس سلطات القضاء أيضا ورأس الحكومة ، وبذلك نجح لويس الرابع عشر في شغل من حوله به ، وجمع مالهم ، وقضى على شرهم وهو يضحك في نفسه . وبالإضافة إلى ذلك ، فان لويس الربع عشر لم يكتف بما تقدم ، بل جر فرنسا إلى حروب خارجية دفع الشعب ثمنها ، ليبقى هو ملكا سعيدا ، ولكنه لم يكن ولم تكن فرنسا سعيدة في عهده ولم يتركها سعيدة أو غنية .