بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – إن العملات الرقمية تعد واحدة من ظواهر القرن الذي نعيش فيه، فمنذ ظهور عملة البيتكوين الرقمية في عام ٢٠٠٩ والإقبال على شرائه في تزايد مستمر رغم الخسائر التي أصابت عددا كبيرا من المستثمرين بعدما انخفضت قيمة العملة الرقمية في عام ٢٠١٧ لكن أقبل الناس مرة أخرى على الشراء لترتفع قيمة البيتكوين مرة ثانية وتصل إلى قيمته الحالية المقاربة لـ ٥٨ ألف دولار أمريكي للبيتكوين الواحد.
وخلال السنوات القليلة الماضية انطلقت على إثر البيتكوين عملات رقمية عديدة وصل عددها إلى قرابة أربعة آلاف عملة رقمية تتنافس فيما بينها في جذب زبائن لشرائها لترتفع عملتها، وبالطبع فهذا السوق كبير للغاية وربحه السريع يجذب الكثير من الأشخاص العاديين حول العالم، وهو أيضا ما يعد ظاهرة اجتماعية غير صحية تغذيها القنوات الإعلامية التابعة لتلك العملات، إلا أن الداعي الحقيقي وراء هذا المقال هو الصعود المتسارع لأحد العملات الرقمية الحديثة وهي عملة الدوغ كوين التي ارتفعت قيمتها السوقية بسبب إقبال الأشخاص من حول العالم على شرائها وساهم في ذلك أيضا توجيه للرأي العام العالمي من خلال بعض الشخصيات المؤثرة الداعمة للعملة الرقمية الصاعدة مثل إيلون ماسك في تغريدته الشهيرة والتي قال فيها “دوغ كوين إلى القمر” وهو ما تلقاه المتابعون باعتباره مؤشرا على ارتفاع القيمة السوقية للعملة ودفع آلاف الأشخاص إلى الإقبال على الشراء لترتفع القيمة السوقية للعملة بنسبة ٤٠٪ خلال الأسبوع الماضي. اليوم نجد أن قيمتها تنخفض بصورة مدوية ثم تعاود الصعود ودون أدني تفسير أو تحليل للخبراء لما يحدث.
لكن دعونا ننتقل إلى بريطانيا ففي تصريح هام لاندرو بالي رئيس البنك المركزي البريطاني وتداولته المواقع الإخبارية خلال يوم الجمعة قال فيه “العملات الرقمية ليست لها قيمة حقيقة، وعلى كل المستثمرين فيها أن يستعدوا لخسارة أموالهم” وهو ما يمثل إشارة هامة وواضحة لحقيقة الأمر حتى لا ينخدع المواطنون على مستوى العالم، فهذه ليست وجهة نظر واحدة بل تؤيدها وجهات نظر اقتصادية أخرى مثل ما صرح به أيضا مايكل هارتنت كبير واضعي الاستراتيجيات الاستثمارية ببنك أوف أمريكا سيكيورتي بقوله “إن ارتفاع القيمة السوقية البيتكوين هو أم الفقاعات الهوائية ” في إشارة إلى أنه لا توجد قيمة حقيقة للعملات الرقمية بدءا من العملة الأعلى قيمة وهي البيتكوين.
لكن إن كنت مصرا على الإقبال لشراء العملات الرقمية أو يجذبك الحديث العالمي عن عملة الدوغ كوين فربما من المفيد أن تضع في اعتبارك الأمور الثلاثة التالية:
أولا: شكوك حول أن العملات الرقمية لن يساعدك، بمعنى كل من يقبل على شراء العملات الرقمية يدرك معنى احتمالية أنها فقاعة ولكن الشعور بأن الشخص قد يحقق مكاسب ويخرج من السوق قبل انفجار تلك الفقاعة هو في الحقيقة ما يغذي تلك الفقاعة ويزيد من حجمها، ويفسر دكتور الاقتصاد بجامعة روتجرز الدكتور بروس ميزارك بقوله “الكثير يقبلون على الشراء رغم علمهم بأن القيمة السوقية ليست هي القيمة الحقيقية لاعتقادهم بأن القيمة السوقية ستظل في تصاعد مستمر” وكما أوضح الدكتور كنت باكر بقوله “عندما يقوم المستثمرون بضخ استثمارات عالية يكون الأوان قد فات غالبا” وتكون الخسارة فادحة.
ثانيا: الشعور بالخوف من الضياع قد يأتي بنتائج عكسية، إن الشعور الذي تنقله وسائل الاعلام عن أشخاص أقبلوا على شراء العملات الرقمية وهاهم اليوم يعيشون مرفهين في بيوت فارهة وعربات حديثة والفضل يرجع إلى العملات الرقمية هذا الترويج يولد إحساس وشعورا بالضياع وهو أن الآخرين هاهم يستمتعون بحياتهم بينما أنا قابع على هامش الحياة، هذا الشعور يقود العديد إلى الإقبال على شراء العملات الرقمية آملين في الربح السريع رغم المخاطرة الكبيرة.
ثالثا: لا يمكنك الوقوف على القيمة الحقيقية للعملات الرقمية أو التنبؤ بصعودها وهبوطها، هذه حقيقة هامة، فقد يظن الإنسان أنه قادر على فهم ودراسة التقييم الأساسي للأصول الرقمية لكن الأمر كما يقول الخبراء “كثير الخدع”، فبينما يمكنك الاطلاع في سوق البورصات على تحركات الشركة التي تستثمر أموالك فيها وتستطيع أن تتنبأ بتحركات السوق وتوجهات الشركة، إلا أنك في حالة الدوغ كوين وغيرها من العملات الرقمية تمشي في الظلام التام حيث لا يوجد مؤشر تستطيع الاعتماد عليه ففي لحظة قد تربح وفي اللحظة التي تليها تخسر خسارة فادحة.