تقرير: محمد عبيد الله
إسطنبول (زمان التركية) – فجر زعيم المافيا التركي سادات بكر قنبلة جديدة بتصريحاته وهجومه على أركان نظام الرئيس رجب أردوغان أحدثت جدلا في الساحة السياسية والرأي العام على حد سواء، حيث وجه اتهامات جديدة لكل من مجموعتي وزير الداخلية الأسبق محمد أغار المرتبط اسمه بـ”الدولة العميقة” ومجموعة “البجع” الإعلامية التابعة لبرات ألبيراق، صهر الرئيس رجب طيب أردوغان.
بعد اتهامه كلاً من مجموعتي أغار والبجع في مقطعي فيديو بالتآمر عليه في أعقاب عملية أمنية مؤخرًا ضد رجاله، تضمنت مداهمة الفيلا التابعة له في منطقة بيكوز بمدينة إسطنبول، وتهديده إياهما بالكشف عن “أعمالهما القذرة”، نشر بكر فيديو ثالثًا يحتوي المزيد من التصريحات الصادمة.
ما يلفت الأنظار في الفيديو المنشور عبر يوتيوب أن بكر سجل إحدى الملاحظات على ورقة كان ينظر إليها ولم يتحدث عنها.
وتشير تلك الملاحظة إلى أن حكومة أردوغان نقلت الأسلحة إلى المقاتلين في سوريا، وهو الأمر الذي فسره مراقبون أنه تهديد موجه مباشرة إلى أردوغان بالكشف عن أعماله غير القانونية في المنطقة.
زعيم المافيا التركي سادات بكر يهدد هذه المرة أردوغان بشكل مباشر بالكشف عن أسرار شحنات الأسلحة المرسلة إلى المقاتلين في سوريا
زعيم المافيا هذا كان يشرف على تجارة الأسلحة في المنطقة باسم نظام أردوغان لكن الأخير انقلب عليه مؤخرا لما توجه إلى التحرك بشكل مستقل في هذه التجارة pic.twitter.com/yjxlzXzz2M
— نبض تركيا NabdTurkey (@nabdturkey) May 10, 2021
سادات بكر أفاد خلال الفيديو الثالث أن صهيب أوكوت، أحد قادة مجموعة البجع، أرسل له شخصًا للتفاوض معه، بعد التصريحات التي أزاح الستار خلاله عن إقدام شبكة تضم كبار الموظفين في جهاز الأمن والنيابة العامة والجهاز البيروقراطي على تغطية جريمة اغتصاب واغتيال ضد طالبة قرغيزية تدرس في تركيا ارتكبها نائب حزب العدالة والتنمية تولغا أغار، ابن محمد أغار، من خلال تقديم الحاثة على أنها انتحار وإغلاق ملف القضية.
وأضاف بكر: “الوسيط الذي جاء للتفاوض معي زعم أن علاقة رئيس المخابرات هاكان فيدان مع محمد أغار ليست جيدة، واتهمني بالتواطؤ مع هاكان فيدان لاستهدافه. لكني لا أعرف هاكان فيدان ولم ألقه أبدا”.
وزعم بكر أن نظام أردوغان تعهد بمنح المغرب طائرات بدون طيار في مقابل ترحيله وتسليمه إلى تركيا، لكنه تمكن من مغادرتها إلى إمارة دبي، مؤكدًا أنه لن يعود إلى تركيا برغبته في ظل الظروف الحالية، داعيًا السلطات التركية إلى اختطافه من محل إقامته الحالي إن استطاعوا مثلما يحدث بالمعارضين المقيمين في الخارج.
زعيم المافيا هاجم أيضًا سرهاد ألبيراق، مالك مجموعة توركواز الإعلامية، وهو شقيق برات ألبيراق، صهر أردوغان، متهمًا إياه بتسخير وسائل إعلامه وقنواته التلفزيونية لتشويه سمعته، حيث خاطبه قائلا: “لقد كسرتُ عظام نائب حزب العدالة والتنمية فوزي إيشباشاران بالمخفر في عام 2014؛ لأنه أساء إلى زوجة رئيس الجمهورية، أي إلى والدة زوجة شقيقك.. وما زلت أفتخر بذلك، لكنك تستهدفني من خلال المسلسلات التلفزيونية وتغطي وسائل إعلامك توجيه الشرطة الأسلحة طويلة الماسورة إلى زوجتي وأولادي”، على حد تعبيره.
وأعلن بكر المقيم حاليا في إمارة دبي، بحسب تصريحاته، أن عناصر ما سماه الدولة العميقة، في إشارة منه إلى محمد أغار، وأصحاب البجع، ويقصد بهم فريق أردوغان، ويتهمهما بالتواطؤ في التآمر عليه، سوف يتعرضون لهزيمة نكراء أمام “كاميرة واحدة و ترايبود”، على حد تعبيره، مشيرًا بذلك إلى أنه عازم على المضي في الكشف عما وصفه بالأعمال القذرة لمجموعتي أغار والبجع.
وحُكم على بكر، وهو زعيم مافيا تركي مُدان معروف بآرائه اليمينية المتطرفة ودعمه للحكومة التركية، بالسجن 14 عامًا في عام 2007 بتهم تشكيل وقيادة منظمة إجرامية والسرقة والتزوير، وفي عام 2013 ، حُكم على بكر بالسجن لمدة عشر سنوات كجزء من محاكمات تنظيم أرجنكون ومع ذلك تم إطلاق سراحه.
وهرب سادات بكر البالغ من العمر 50 عامًا من تركيا في يناير 2020 في ظل ظروف غامضة، وقالت تقارير إن الحكومة كانت تخطط لفتح قضيته مجددا.
أصداء التصريحات
يقول زعماء الأحزاب السياسية المعارضة بأن تركيا تعيش حالة جدل كبيرة بعد التصريحات التي أدلى بها زعيم المافيا، مطالبين بفتح تحقيق عاجل شامل حول المزاعم التي ساقها خلال ثلاثة فيديوهات نشرها عبر يوتيوب.
ففي تصريحات أدلى بها لموقع تي 24 الإخباري، اعتبر زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو تهديدات سادات بكر “أزمة إدارة”، متهمًا أركان حكومة حزب العدالة والتنمية بالتسليم والخضوع لإملاءات بعض الأطراف.
في حين قالت زعيمة حزب الخير ميرال أكشنار فيما يتعلق بمزاعم سيطرة هاتين المجموعتين على تجارة المخدرات: “إن الادعاءت التي يسوقها سادات بكر فظيعة ووخيمة للغاية.. الفضائح التي ظهرت وصمة عار بكل معنى الكلمة، خاصة تلك التي تتعلق بالكوكايين والتداخل بين المسؤولين الحكوميين وزعماء المافيا.. لا يمكن أن تكون هناك دولة عميقة وأخرى ضحلة.. الدولة لا يمكن أن تخرج عن الإطار القانوني”.
بينما أكد زعيم حزب الديمقراطية والتدم على باباجان المنشق من حزب العدالة والتنمية أن المشهد الذي أظهرته تصريحات سادات بكر تذكر بتسعينات القرن المنصرم حيث كانت العلاقات بين الدولة والسياسة والمافيا متشابكة جدا، معلقًا بقوله: “تكرار هذه الأحداث بعد 4 عقود من الزمان أمر باعث على الحزب والأسى”.
وشدد باباجان في حواره مع قناة “خلق تي في” على ضرورة فتح النيابة العامة تحقيقا شاملا حول مزاعم سادات بكر: “انظروا إلى الادعاءات الواردة في الفيديوهات الثلاثة المنشورة، ففيها مصالح متبادلة وكذلك صراع القوى.. أمر مؤسف للغاية.. والأمر المؤسف الآخر هو عدم تحرك السلطات رغم ظهور هذه الفضائح..”.
أما وزارة الداخلية التركية فقد نشر بيانًا لتوضيح سبب العملية الأمنية ضد زعيم المافيا سادات بكر جاء فيه: “سادات بكر صرح من وقت لآخر أنه بات رجل أعمال وأنه تخلى عن أعماله السابقة، لكن السلطات الأمنية رصدت عودته لأنشطته المصنفة ضمن الجرائم المنظمة، وجاءت العملية الأمنية التي نفذت في أبريل الماضي في هذا الإطار”.
ووصفت الداخلية التركية تصريحات سادات بكر بالافتراءات والجريمة المنظمة التي تستهدف النيل من سمعة الدولة التركية وموظفيها، متعهدة بأنها سوف تواصل ملاحقته حتى إعادته إلى تركيا.
الرأي العام في تركيا لديه فضول الآن لمعرفة أسباب استلال السيوف بين ركائز النظام، فيرى بعض المراقبين، منهم المحلل التركي المعروف سعيد صفاء، أن سادات بكر تجاوز حدود مهمته في تجارة الأسلحة في مناطق النزاع والصراع، وعلى رأسها سوريا، وبدأ يتحرك بشكل مستقل عن النظام، لتحقيق أكبر قدر من الربح؛ الأمر الذي دفع ركائز النظام الأخرى (فريق أغار وأردوغان) إلى الانقلاب عليه وإفساد النسق الجديد الذي أسسه بمعزل عنهم في تجارة الأسلحة بالمنطقة.
بينما اعتبر الكاتب الصحفي والأستاذ السابق في الشرطة الأكاديمية أمر الله أوسلو أن الصراع يدور بين وزير الداخلية الحالي سليمان صويلو ومجموعة البجع التابعة لصهر أردوغان برات ألبيراق، زاعمًا أن سادات بكر ينفذ أجندة صيولو الذي يتعرض لعميلة منظمة منذ فترة لمنع زيادة نفوذه في البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية ووصوله إلى قوة تمكنّه من منافسة أردوغان في رئاسة الحزب والحكومة في آن واحد.
–