بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية) – إن تحطيم المكان ، وهدم أبوابه ، والقاء أثاثه الى الشارع ، وتغيير اسمه ولونه وتشاطه ، وطرد طاقم العمل القائم على إدارة المكان شر طردة ، والدخول في مواجهات غير منصفة وقمعية مع الخصوم ومع رفقاء الأمس ، والوصول الى حافة الهاوية مع آخرين ، وإنكار اتفاقات الأمس ، والدعوة الى اتفاقات قد لا يصوغها العقل ، واجتياح ملك الآخرين والتأسيس للبقاء به دون وجه حق وعنوة هى مجموعة كبيرة من الأفعال والتصرفات الخطيرة والواعية وليست اقولها ولا تصريحات ولا تهديدات يمكن نسيانها في اليوم التالي .
ومن الصعب تصور أن تكون كل هذه التصرفات المشار إليها سابقا تصرفا واحدًا يحتمل الخطأ والصواب ، بحيث قد يجوز للمرء أن يقول : أعتذر عما بدر من خطأ ، وتعود الأمور الى ما كانت عليه . فمن يقدم على هذه التصرفات والأفعال الرامية إلى هدم الواقع ، هو في الأساس لا يريد الأمور أن تعود أبدا الى ما كانت عليه قبل أن يرهق نفسه في كل هذا الهدم والحفر واستعداء من حوله ومن صادقوه ومن جاوروه ومن سبق له أن خطب ودهم وما زال يرجو مودتهم وتعاملهم .
فمن يقدم على هذه الحروب وهذه المواجهات إنما هو يرى ما لا يرى آخرون ، ويتجاوز بصره الحدود والحواجز التي يتوقف عندها آخرون وربما يرونها تابوهات أو ” مناطق محرمة ” الى ما قد يراه هو صورة أو حالا أقضل وأعز وأكثر قربا مما كان أجمعين وأرقى مكانا مما قام هو بهدمه على رؤوس من حوله . وعندما يتوقف الفاعل عن التقدم في عملياته المختلفة من الهدم والحفر والإنشاء السريع ، فانه لا يتوقف لأنه أدرك ” خطأه ” أو عاد الى رشده أو شعر بسلامة منطق الآخرين الذين دهمهم ودعس حدودهم أو لأنه خاف على نفسه أو خاف من شىء ،
ولكنه يتوقف لأنه حقق ما أراد وشق الطريق إلى نقطة اللاعودة أو – على الأقل – الى جزء منها . فهذا الفاعل لا يأبه للخوف ، ولا يأبه لمنطق الآخرين ، ولا يأبه لما سبق أن كتب ، ولا يأبه لما هو جاسم على الأرض ، فكل هذه ” الجدران ” يمكن تجاوزها ، وقد تجاوزها بالفعل وقدماه تسوخ في دماء الغير وفي دموعهم السخينة ، بينما الجميع يصرخ ويمتعض ويتألم وبتوعد ، والفاعل وحده يبتسم في راحة وفي انتصار ويقهقه في داخله . وعندما يطرق الفاعل على أبواب الغير أو يتوقف أخيرا عن سيره في دماهم ويلتفت إليهم نصف التفاتة وابتسامته تزين وجهه المرهق برؤاه سامقة الطموح ، فهو لا يرتد عن مساره وعما حققه بالحق أو بغير الحق ، وإنما يتوقف هو ليدعو الغير الى قبول الواقع الجديد الذي قد يصعب على الغير تجاهله أو محوه بنحدياته الضخمة الآنية .
ماهر المهدي