بقلم: اللواء الدكتور/ شوقي صلاح *
القاهرة (زمان التركية) – * التطرف ببساطة وبشكل عام هو البعد عن الوسطية في أي أمر.. ولعل أبرز أشكال التطرف الخطير هو التطرف الديني؛ خاصة عندما يصل المتطرف لمرحلة تكفير الآخر، ويرتب على التكفير استحلال الدماء والأعراض والأموال.. هنا نكون غالبا أمام فكر ساق صاحبه للدخول في دائرة الإرهاب؛ فالتطرف فيروس فكري يصيب المتطرف ويكون له انعكاساته الخطيرة على سلوكه.. .
* هذا ومن منطلق أن كلا منا يمكن أن يصادف في محيطه الإنساني شخصا متطرفا دينيا، ولأسباب مختلفة قد يهمك أمره؛ فقد يكون قريبا أو جارا أو صديقا.. ولأسبابه تحول فكريا نحو التطرف الديني.. وقد تدعوك الحاجة لإقامة حوار معه على أمل أن تنجح في معالجته فكريا.. لذا أطرح لقارئ هذه السطور حوارا مع متطرف ديني ساقتني الصدفة مؤخرا للحديث معه.
* أكدت في بداية لقائي مع هذا المتطرف ضرورة وضع ضابط أساسي للحديث؛ ألا وهو ابتعاد النقاش عن الطابع الديني؛ فقلت له إن ثقافتي الدينية لا تؤهلني للرد على الجوانب الدينية، فأنا أحترم التخصص، والمتطرف غالبا يحفظ عددا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ ويفهمها بطريقته الخاصة.. لذا حرصت على أن يرتكز الحوار على مناقشة يحكمها المنطق العقلي المجرد.
ولضرورات الحوار سأشير في عرضي لصاحب الكلمة في الحوار برمز (ش) لشخصي، وللمتطرف برمز (م).
وبعد الترحيب البروتوكولي بشخص “المتطرف جدا” بدأت حواري معه على النحو الآتي:
(ش) أخي.. أرجو أن تجيب بكل موضوعية وحيادية على سؤالي الآتي:
هل سلوك الدواعش أثر إيجابيا في صورة الإسلام أمام غير المسلمين على مستوى العالم؟ بمعنى أن غير المسلم الذي يتابع نشاط وأفعال هذا التنظيم يمكن بعدها أن يأخذه الفضول للقراءة عن الدين الإسلامي؟ أم سيصرف النظر تماما عن أي محاولة للتعرف على هذا الدين، بل ويستبعد مجرد التفكير في القراءة عنه، والسبب بالطبع سلوك أتباعه.. .
أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش السابق
(م) داعش تسعى لتطبيق شرع الله في الأرض بصرف النظر عن رأي الآخر.. فلا يهمنا إلا رضا المولى عز وجل.
(ش) آسف للمقاطعة، أخي لم تجبني على سؤالي، وأرجوك الإجابة بما يتفق والواقع الحقيقي للأمر، وإن كنت لا أريد المصادرة على الإجابة، ألا تتفق معي في أن سلوك الدواعش ضرب قضية الدعوة للإسلام في مقتل؟
(م) نعم ربما سلوك التنظيم كان أحيانا صادما للآخر.. ولكن لا شك أن التنظيم كان أيضا جاذبا لمسلمين كثر جاءوا من كافة أرجاء المعمورة ليلتحقوا بالتنظيم؛ تنظيم دولة الخلافة الإسلامية بإذن الله.
(ش) سأعرض عليك وجهة نظري بشأن ما ذكرته عن استقطاب التنظيم للكثير من الأتباع من كل بقاع الأرض؛ وهي حقيقة لا أنكرها؛ ولكني أرى من وجهة نظر تحليلية أن هذا الأمر كان مقصودا في ذاته؛ فأعداء الإسلام أرادوا أن يهاجموا الإسلام ويطعنوه على يد جانب من أتباعه؛ فهذا سيحقق هدفهم بامتياز، بل لا أذهب بعيدا إن قلت إن المخططين لميلاد تنظيم داعش الإرهابي قد أرادوا أن يتخلصوا من المتطرفين الموجودين في بلادهم، باعتبار أن هذا الأمر هدف استراتيجي.. فمن توجهوا من أبناء الغرب للانضمام للتنظيم بسوريا والعراق فستهلكم الحرب حتما، وهذا مقصود في ذاته، ولعل ما يؤكد وجهة نظري هذه هو موقف جميع دول أوربا مؤخرا؛ حيث رفضوا بالإجماع استلام مواطنيهم الدواعش ممن هم بالسجون في شمال سوريا والعراق، رغم دعوات ترامب المتكررة لهم باستلامهم.. فهم لا يريدون أن ينتقل الفكر المتطرف لبلادهم مرة أخرى؛ فقد تخلصوا منهم بخروجهم للالتحاق بالتنظيم، فكيف يقبلون رجوعهم مرة أخرى.
(ش) أخي.. طبعا المبدأ الذي يحكمنا في النقاش قائم على التأمل والتدبر لبعض جوانب مسألة الفكر الذي أراه متطرفا؛ والذي هو على شاكلة فكر داعش؛ ويقيني أنه قد أساء للإسلام كثيرا؛ فغير المسلمين يحكمون بشكل أساسي على أي دين من خلال سلوك أتباعه؛ وقد عشت فترة من حياتي بباريس أثناء جمع المادة العلمية لرسالتي للدكتوراه – ٩٧/ ١٩٩٨- وعندما تحدثت عن الإسلام ذات مرة مع بعض زملائي من الباحثين – غير المسلمين – المقيمين بالمدينة الجامعية، فكان أقوى أسانيدها لنقد الإسلام يأتي من خلال سلوك بعض أتباعه، وقد لخصوا وجهة نظرهم بقولهم: غالبية الشباب المسلم يريد أن يصاحب النساء ويعدد صداقاته بهن – خارج نطاق الزواج طبعا – رغم أن هذا الأمر يتعارض مع الدين الإسلامي! لكن إذا حاول شاب مصاحبة أم أو أخت أو ابنة هذا المسلم، فربما يفكر جديا في قتله!!! فهذا التباين في السلوك بما يحمل من معايير مزدوجة.. يرونه يسيء لدين هذا الشخص؛ فهم يحكمون دائما على الدين من خلال سلوك أتباعه.
القارئ الكريم،، انتقلت مع المتطرف الذي أحاوره لزاوية أخرى للحوار، فسألته: هل اطلعت على حوار محمد الظواهري؛ القيادي بتنظيم الجهاد – شقيق أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة – المنشور بجريدة المصري اليوم عام ٢٠١٣ بعد خروجه من السجن بعفو رئاسي؟
محمد الظواهري : قيادي بتنظيم الجهاد
(م) نعم حوار الشيخ محمد الظواهري.. سبق وقرأته ولكني لا أتذكر تفاصيله بدقة.
(ش) أخي بداية اعذرني فأنا لا أتفق مع من ينعتون محمد أو أيمن الظواهري بوصف الشيخ؛ فهذا الوصف رفيع المقام لا يستحقه من هم على شاكلتهما في فكرهم الديني، فالشيخ عندي هو صاحب علم في الدين الإسلامي إذا سئل أجاب.. واستأنفت كلامي معه، ودعوته لنبحث عن حوار محمد الظواهري من خلال أحد محركات البحث على الإنترنت.. وبالفعل أدركنا هدفنا، وقرأت معه تصريحات محمد الظواهري؛ حيث توقفت أمام قوله: نحن نرفض العملية الديمقراطية برمتها؛ وبالتالي نرفض الانتخابات؛ ولا نعترف بسيادة الشعب، فالسيادة لله وحده، وتطبيق الشريعة ليس اختيارا بل هو التزام على ولي الأمر أن يحقق. فسألته ما رأيك فيما ذهب إليه الظواهري؟
(م) لماذا يا أخي لا تقبلون تطبيق الشريعة الإسلامية؟؟؟ فحكم الله فيه الخير كل الخير.. ولماذا ترفضون فكرة إقامة دولة الخلافة الإسلامية؟ المشكلة عندكم.
(ش) أخي لنتفق أولا بأن الديمقراطية والانتخابات لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، فإذا لم يعرفها الإسلام بوضعها الراهن إلا أن في الأمر سعة.. فلم يعرف الإسلام الكثير من النظم الحديثة: علمية؛ اقتصادية؛ سياسية… ومع هذا فإنها لا تتصادم مع مبادئه، أنا أرى عوارا واضحا لا تخطئه عين في منطق محمد الظواهري.
(ش) ودعنا ننتقل لزاوية أخرى من حديث الظواهري، فعندما سئل: هل لا بد لأي تيار إسلامي أن يكون له جناح عسكري؟ فأجاب:
نعمل ما يأمرنا به الله؛ يأمرنا بالدعوة فندعو؛ ويأمرنا بالجهاد فنجاهد؛ بهذا يؤكد الرجل على ضرورة وجود جناح عسكري لكل تنظيم أو جماعة، ما رأيك؟؟؟
(م) نعم لكل تنظيم جناح عسكري حتى نتمكن في أرض الخلافة.. ويمكن بعدها أن يتم توحيد هذه الأجنحة تحت لواء واحد.. وهو ما يطلق عليه جيش الدولة الإسلامية أو جيش الخلافة.
(ش) أنت تعلم أن هناك اختلافات فكرية عميقة بين تلك التنظيمات.. وبالتالي عندما تتصارع على السلطة يستحيل توحيدها تحت لواء واحد؛ وسيظل كل تنظيم – داعش؛ الجماعة الإسلامية؛ القاعدة؛ الجهاد؛ لواء الثورة؛ حسم… – محتفظا بجناحه العسكري وسيرغب كل تنظيم في إخضاع الآخرين.. وسنصل بهذا حتما لحروب أهلية، تضيع معها الدولة وتتفكك؛ وهو عين ما يصبو إليه أعداء الإسلام.
(ش) أخي لتكن نقطة حوارنا الأخيرة في هذا النقاش حول وجهة نظر المدعو وجدي غنيم، وانتقاده لاحتفالية نقل المومياوات الملكية من متحف التحرير لمتحف الحضارة بالفسطاط، تلك الاحتفالية التي أبهرت العالم أجمع.. وذكرت البشرية بأن مصر ليست دولة عادية؛ بل هي من صنعت الحضارة وبدأ على أرضها التاريخ؛ هذه الاحتفالية نقلتها ٤٠٠ منصة إعلامية على الهواء مباشرة لكل أرجاء المعمورة، ثم ظهر هذا الرجل من خلال تسجيل على youtub ليوجه سهام النقد للاحتفالية الرائعة من باب أن الملكة “تي” شعرها يُعرض في المتحف وهو عورة.. ما رأيك في قول هذا الرجل المحسوب على جماعة إرهابية وفقا لأحكام القضاء المصري؟؟؟
وجدي غنيم إرهابي هارب ومطلوب القبض عليه
(م) أولا وجدي غنيم هذا لا نعتبره عالما أو فقيها في المسائل الشرعية.. فهو شخص حاقد وفظ وغبي.. أما عن المومياوات والاحتفالية التي تحدثت عنها؛ فإن لأجساد الموتى حرمة في شريعتنا الإسلامية؛ تتعارض بالطبع مع عرض جثثهم في معارض ليشاهدها الجمهور.. ومع هذا يمكن أن نستفيد من عرض الآثار الأخرى؛ أما الجثث فتكريمها بدفنها بدلا من عرضها في فترينات.. ولنبحث عن طريقة أفضل للتعامل معها بما يتفق وما لجسد الموتى من حرمة.
(ش) أخي في الإسلام والإنسانية، في نهاية حوارنا هذا أؤكد لك أنني لم أهدف منه سوى أن يقوم كل منا بتأمل وتدبر فكر الآخر.. ولدي وطيد الأمل في أن يهدينا الله للصواب من أمرنا؛ وأدعوك ونفسي أن نحرر فكرنا.. خاصة في رد الأمور الدنيوية لأحكام الشريعة الإسلامية؛ فالكثير منها محل خلاف بين علماء الإسلام.. ولننتبه إلى أن: غالب الأمور الدنيوية يدعونا الإسلام فيها إلى التدبر وإعمال العقل؛ وذلك بما تتحقق معه مصلحة البلاد والعباد.
* اللواء الدكتور/ شوقي صلاح أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة المصرية وخبير مكافحة الإرهاب، رئيس قسم العلوم الشرطية بالأكاديمية الملكية للشرطة بالبحرين “سابقا”