بقلم/مصطفى عبده
وقد توقف التعبير الفني مؤقتا في صدر الإسلام للأسباب التالية:
أ-كان التلقي القرآني قويا حيث بهرهم النور القرآني وأوقفهم عن التعبير مؤقتاً. وهي فترة الدهشة التي تسبق الإنتاج الفني.
بـ-كان الرصيد الثقافي رصيدا جاهليا، وهذا الرصيد لا يصلح للدين الجديد والحياة الإيمانية الجديدة، فلا بد إذن من وقت لاستجماع رصيد جديد يصلح للحياة الجديدة لبعث أمة جديدة لها رسالة حضارية.
جـ-لم يزاول العرب الفن التشكيلي من نحت وتصوير بحكم مواده الجامدة في المكان. وبحكم ترحلهم الدائم كان فنهم زمانيا، فمارسوا فن الشعر والفنون التشكيلية الأخرى التي تنسجم مع طبيعتهم البدوية. ولهذا لم يمارسوا فن النحت والتصوير. وكل ما كان ينحت كان ينحت كصنم معبود.
د-أخرج الإسلام الفن من دُور العبادة إلى الطبيعة الرحبة والكون الفسيح، وحوّله من خدمة الآلهة إلى خدمة التدين في الإنسان؛ فكان تأثير التحريم قويا على الفن المستخدم كأداة لوثنية الآلهة المعبودة في تلك الدور التعبدية، فأوقف هذا النوع من الفن الذي يخدم العقيدة الوثنية.
هـ-انشغل المسلمون بالفتوحات الإسلامية ونشر الدعوة والتصدي للوثنية، وقد أسقط المسلمون انفعالاتهم النفسية في الدعوة والجهاد والاستشهاد.
و-كان الفن جنينا في رحم الأمة الإسلامية، فكان لابد من ولادة جديدة لفهم حضاري جديد من خلال التصور الإسلامي للوجود.
التوجهات الإيجابية للفن التشكيلي
1-الخط العربي: اهتم المسلمون بالكتابة وأكبروا القلم وقدسوا العلم. وأول آية نزلت في القرآن الكريم هي: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾(العلق:1). ويقسم الله بالقلم في قوله تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾(القلم:1). وكان الخط أول مظهر من مظاهر الفن والجمال الذي عني به العرب بعد إسلامهم حيث كان ذلك في تجميل وتجويد الخط العربي وتحريكه. وقد سما الخط إلى مرتبة عالية لتعامله مع حروف القرآن منذ نزوله، فتعاملوا مع الخط بقدسية حيث زينوا به المصاحف، وزينوا أماكن العبادة باللوحات الخطية. وقد أحيط الخط الكوفي بهالة من الإكبار، وقد ظلت الأغراض اليومية تكتب بالخط النسخي والرقعة، وبرز الخط الديواني للدواوين الحكومية تماما كالخطوط الهيروغلوفية في مصر القديمة.
كان الخط العربي وسيلة للعلم فأصبح مظهرا من مظاهر الجمال، وقد حرك الفنان المسلم الخطوط الجافة وأضاف إليها الزخارف حتى غدت لوحات فنية. وقد استخدمت الكتابة في قوالب زخرفية محل الصورة وعكست نوعا من التعبير له خصائصه التي تتيح له التعبير عن قيم جمالية ترتبط بقيم عقائدية.
ولقد ضمّن الفنان المسلم كل طاقاته عندما كتب الآيات القرآنية على الجدران والواجهات والعقود والأبواب والمنابر ليحمل في نفس الوقت شكلا فنيا على أسس جمالية رياضية. وقد تجاوز الخط العربي الديار العربية والديار الإسلامية. فقد استخدمه الفنان “جيوتو” في زخرفة لوحاته، واستخدمه الفنان الألماني “هانس هولبين”.
ونجد أن الخط العربي يأخذ مكانه اللائق في الفن من تجويد وتحسين، وفي استخدامه لأشكال تجريدية؛ فمثلا الخط عند “شبرين” معماري التكوين يتقبل كنمط مرئي ومصور، ويعبر عن أسلوب رمزي تجريدي عن الحالات العقلية والعاطفية. فالمدلولات الموسيقية النطقية ودرجات الحروف الصوتية للحرف الواحد وتركيبها تأتي في تناغم مع الأحاسيس الداخلية للنفس البشرية؛ فتنطق الحروف -ليس نطقا لغويا فقط- بل نطقاً إستاطيقيا من خلال تناسق وترابط الحروف العربية في تجريدات لانهائية.
2-الزخارف الإسلامية: فن الزخرفة فن قديم قدم الإنسان. إلا أن الفن الإسلامي أعطى لهذا اللون من الفن كينونة فحور الأشكال وجردها لإحداث الحركة التي تعطي طابع الاستمرارية وتوحي بلانهائية الأشكال المتكررة لتحقيق الانسيابية. وبتأثير التحريم على فن “النحت والتصوير” اتجه الفن الإسلامي نحو “الزخرفة”، فأنشأ زخارف قائمة بذاتها وزخارف تحتويها الأشكال.
والزخرفة الإسلامية عبارة عن وحدات هندسية أو قل إنها وحدات رياضية يراد بها التفكير الرياضي للوصول لحقيقة لا تتعلق بمكان معين ولا بزمان معين، فحقيقة المثلث أو المربع أو الدائرة تظل حقيقة عقلية لتصديقها للمعاني العقلية في تجردها وانطلاقها.
وقد أخذ الفنان المسلم من الطبيعة من شجيراتها وأوراقها وأزهارها وحيواناتها بعد تحويرها لتعطي الحركة الداخلية في تداخل الأشكال الهندسية، فتدرك العين تلك الحركة من خلال الخطوط المتداخلة. وتلك الموسيقى الصادرة عن الأشياء تعبر عنها الحركة الزمانية التي تمثل الديمومة والاستمرارية في حركاتها اللانهائية.
فليس الفن الإبداعي براعة في تصوير المناظر بالمحاكاة القائمة على الدقة والمقدرة على إيجاد الصلة بين العين والأشياء فقط، بل الإبداع الفني الذي يصل حد الروعة الجمالية، وليس الفن في نقل ما في الطبيعة فقط بل البحث عن طبيعة الأشياء.
وقد تميزت الزخرفة الإسلامية بجوانب تكمن في العلاقة القائمة بين الوحدات الزخرفية المتكررة والمتنوعة في تكاملها الهندسي واتساقها الفني. فالخطوط الهندسية والنظرة الرياضية لعالم الأشياء، هو تجريد ذهني للجزئي ليصبح كليا. ولهذا أمكن للوحدات الهندسية المتناهية لتكوين أشكال لانهائية، وبهذا يلتقي فن الأرابسك مع الفن التجريدي في مجال الانطلاق للتعبير عن المطلق.
3-العمارة الإسلامية: تأثرت العمارة الإسلامية بالحضارات التي احتكت بها والبلاد التي فتحتها، فتأثرت بالأساليب البيزنطية والهيلينية والساسانية والإيرانية، بالإضافة إلى الرصيد الحضاري للحضارة العربية في الجزيرة العربية. ورغم هذه التأثيرات تلحظ الوحدة في الفن الإسلامي على الرغم من تعدد المراكز وبعد المواقع. ويرجع ذلك لوحدة المنبع والأساس الفكري للحضارة الإسلامية.
والعمارة “فن”، والفن أصدق أنباء التاريخ، لأنه الكاشف عن حقائق التاريخ المنـزوي. والعمارة “إبداع”، والإبداع خصيصة إنسانية اختص الله به الإنسان دون سائر الكائنات، فبيوت العنكبوت والنمل وخلايا النحل صادرة عن عقل غريزي غير متطور من خلال ذاكرة لحظية، وهكذا ستظل تلك البيوت والخلايا كما كانت عليها خارجة عن دورة الزمن؛ إلا أن الإنسان له عقل “إبداعي” متطور من خلال ذاكرة منسابة لإبداع يسير مع الزمان. والعمارة “جمال”، لأن العمارة تحاول تجميل الفراغين الداخلي والخارجي ليصلح للحياة الحضارية. إذن العمارة، فن وإبداع وجمال. وبالعمارة بنى الإنسان حضارته بفضل ما استحدثه من عمران من خلال “عقله الإبداعي”.وقد تعامل المسلمون بذكاء حضاري مع الثقافات الجديدة، إذ أبقت عليها وأضافت إليها ولم تحاول طمس تلك الثقافات، بل سمت بها ووجهتها الوجهة الصحيحة من خلال أرضية قوية تتجه إلى هدف واحد. ولامتناع الصور والتماثيل في العمارة الإسلامية خاصة في المساجد، استخدم المهندس الإسلامي الأعمدة المتنوعة وأدخل الفسيفساء والزخارف النباتية والهندسية وحورها، واهتم بالتصميم المعماري. فالعمارة تعكس المحتوى الحضاري لأي تكتل حضاري، والعمارة قوة حضارية وهي كتاب مفتوح تسجل فيه الشعوب تاريخها.
وقد سجلت العمارة الإسلامية، مسيرتها الحضارية على العمائر الإسلامية من خلال طُرزها المختلفة، إذ نجد الوحدة الحضارية التي امتدت من أقصى بلاد المغرب العربي إلى أقصى بلاد الهند، من خليج البنغال إلى جزيرة إيبريا. فإن مئذنة جامع “الكتيبة” بمراكش ومئذنة جامع “قطب زادة” بدلهي تبدوان أمام المتتبع كبروج للحدود الإسلامية، وإن كانت هذه الحدود قد امتدت أبعد من ذلك. وحين نعلم أن هاتين المنارتين قد شيدتا في زمن واحد، فبإمكاننا أن نعتبرهما بمثابة رمزين جميلين لوحدة العالم الإسلامي.
والفنان المسلم لا يفرق بين العمائر الشاهقة والتحف الصغيرة، ويستوي في ذلك القصر المنيف والكوخ الحقير، وآنية الذهب والطين، ولم يفرق بين تحفة غني وسلعة فقير، هدفه هو تجميل الدنيا في شتى زواياها ومرافقها لتعطي جمالا ذاتيا يشيع في النفس الغبطة وفي القلب الرضى، ويشهد لمبدعيه بحس جمالي عميق وللمتذوقين بحس تذوقي نقدي، فتحول المتلقي السلبي إلى متذوق إيجابي يشارك في العملية الإبداعية في خدمة الإنسان.
وهكذا تحول الاهتمام بالفنون التطبيقية، وتحول الفن إلى خدمة الحياة الإنسانية، حيث كانت الروعة في الصناعات الدقيقة التي غدت تحفا فنية، مما جعلهم يبتكرون ويهتمون بالعمل اليدوي ويقدسونه. فقد كان تحريم استخدام آنية الذهب والفضة دافعا لاكتشاف الخزف ذي البريق المعدني. وكذلك كان تحريم لبس الحرير -للرجال- دافعا لاستخدام الزخرفة النسجية المسماة بـ”التابستري”. وهكذا فتح الباب واسعا أمام الفنانين لكي يبتكروا ويبدعوا، اعتمادا على العمل الفني المتقن المجود لتحقيق القيم الجمالية مع القيمة النفعية. وبهذا دخل الابتكار مجال التصنيع وتدخلت الصنعة في مجال الابتكارات.
من أهم المجالات التي أثرت في المسيرة الفنية للفن الإسلامي بصفة غير مباشرة، هي “النقابات الإسلامية” و”الحسبة” و”الوقف”. وذلك في مجال مراجعة الأحوال ومراقبتها وترشيدها. فتحسن الإنتاج الفني وترقى، وانحصر التنافس في الجودة والأصالة، وكان التعامل شريفا تبعا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “مَن غشَّنا فليس منَّا”، حديث شريف نُفّذ بدقة؛ فتحولت الأعمال النفعية والمشغولات اليومية إلى تحف جمالية ترضي الصانع والبائع والمشتري والمشاهد.
الإسلام يحرر الفن من القيود
يقرر بعض من علماء الفلسفة والتاريخ أن الفن قد تحرر من الأسر الكهنوتي بظهور فنون عصر النهضة في أوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي. إلا أن الحقيقة التاريخية تقول من خلال فلسفة التاريخ أن التحرر الذي كان، كان جزئيًّا وكان التكنيك الفني -وما زال- الموضوع الفني الذي عالجه عظماء عصر النهضة دينيا. ودليلنا على ذلك أعمال عظماء عصر النهضة أمثال “مايكل أنجلو” الذي يمثل “إرادة” عصر النهضة والذي نحت تمثال “داود وموسى” عليهما السلام، والفنان “ليوناردو دافنشي” الذي يمثل “روح” عصر النهضة والذي ظهرت عبقريته في رسم الشخصيات المقدسة. والمصور الشاب “رفائيل” الذي يمثل “أسلوب” عصر النهضة والذي لقب بـ”مصور مريم”.
وعليه يمكن أن نقرر أن التحرر الكامل للفن كان في القرن السابع الميلادي، عندما حطم الرسول صلى الله عليه وسلم الأصنام عند فتح مكة، فتحول الفن من خدمة الآلهة إلى خدمة التدين في الإنسان. وإذا ما تتبعنا تاريخ الفن نجد أن الفن تلازم مع الإنسان، وكان الفن يخدم العقائد المنحرفة الوثنية حيث كان يستمد مواضيعه من الدين واستمد الدين قوته بالفن، وهكذا كانت العقائد قبل الإسلام وكان الفن. هذا وقد نحت إنسان الكهوف تمثال “الأم المقدسة” وعبدها على أنها الخالقة -لأنها تلد فهي إذن خالقة-. وقد نحت فنانو العصر الذهبي الكلاسيكي الإغريقي تمثال “فينوس” آلهة الحب والجمال مركزين على مواطن الجمال في المرأة. وقد نحتت الشعوب تماثيل لآلهتهم في الأدوار المتأخرة لعقائدهم المنحرفة في تجسيدهم للآلهة. وهكذا كان الفن يخدم تلك العقائد في تجسيدها للآلهة وفي تكبيل تلك الشعوب وتأكيد هذه العبودية وتوثيق تلك القيود. وقد عبدت هذه الشعوب تلك الآلهة التي تجسدت في أصنام منحوتة، وعبدت عدة أشكال مجسمة تعبر عن رموز “طوطمية” اعتقادا منهم أن الأرواح حلّت بها؛ وعبدت الظواهر الطبيعية ونحتوا لها التماثيل ورمزوا لها بالرموز المجسمة.
وهكذا نجد أن العقائد المنحرفة نحتت التماثيل المجسمة وعبدوها في شكل أصنام تعبد وتقدس، وبقي الفن دليلاً على أنواع العقائد التي كانت تمارسه تلك الشعوب، وكشفت الفنون على مدى انحرافهم العقائدي والسلوكي. وهكذا تقيد الفن منذ أقدم العصور وحتى ظهور الإسلام الذي حرر الفن من تلك القيود التي كبلته وقيدته. وقد حاول الفنان الأوروبي التحرر من هذه القيود والخروج عن سيطرة الكنيسة، إلا أنه تقيد بالقيد الوثني عندما بعث التراث الكلاسيكي الوثني في عصر النهضة، فكانت المواضيع مقدسة وأساليبهم وثنية.
إن العقدية الإسلامية لم تأمر الناس باتخاذ صيغة فنية محددة كما هو الحال في العقائد والإيديولوجيات الأخرى، بل أوقف الإسلام الفن المنحرف عقائديا وسلوكيا ووضع الفن في دائرة الاختيار؛ فكان تحررا للفن وتحررا للفنان، ذلك الإنسان المختار الذي وضع في مكان الاختيار. ودائرة “لا تفعل” أوسع من دائرة “افعل”. وقد تحررت المساجد من الصور والتماثيل -إلا أنها كثيرة الزخرفة- وأصبح للعمارة كيانها الخاص. وكذلك تحرر الفن بابتعاده عن التجسيم واتجاهه نحو التجريد وانطلق نحو المطلق واللانهائي. وعمل الفنان المسلم من خلال العقيدة وليس من خلال القيد العقائدي. ولوجود التوازن بين الروحانيات والماديات، تعامل مع الكائنات وطبيعة الأشياء، ونفذ إلى الأشياء الكامنة من الأشياء الكائنة.
وهكذا كان الإسلام محرراً للفن من القيد الوثني والأسر الكهنوتي، ليسمو بالإنسان بتحقيق إنسانيته، ويعمل من خلال التصور الإسلامي للوجود لبناء حضارة جمالية حيث أصبح الفن الإسلامي فنا ذهنيا يحكمه المنطق، وفي نفس الوقت ينطلق إلى عوالم إبداعية سامية.
ولإيجاد فن من خلال التصور الإسلامي فأول الخطوات هو إحياء الفن الإسلامي، الكلاسيكي كأساس يعتمد عليه الفن التجريدي المعاصر لتحقيق الانسيابية من خلال حل مشكلة الزمن في الفن التشكيلي بإيجاد الحركة الداخلية للأشكال الساكنة، وذلك بإنتاج فنون لها موسيقى بصرية تحقق إيقاعات جمالية. فالموسيقى هندسة في الأنغام، والنحت هندسة في الأشكال، والألوان هندسة في الأضواء، والزخرفة هندسة في الوحدات، والخط هندسة في التركيب. وكل شيء قائم على هندسية الأشكال وتنظيم في تركيب الأشياء بنظام وتناسق. ومن هذا النظام المتناسق تتألف الموسيقى، وهي اللغة الفنية التي تبتغيها كل الفنون وتسعى إليها لتنسجم مع الموسيقى الكونية.
فيجب على الفنان المعاصر أن تكون له رؤية أشد وضوحا لما هو كائن لكي يغوص إلى كوامن الأشياء والكشف عن بواطنها، ليدرك الفنان أسرار التناغم والتناسق الكامنين في العالم المرئي وغير المرئي، والمحسوس وغير المحسوس، والمسموع وغير المسموع.
والفن من خلال التصور الإسلامي للوجود ومن خلال تصوره للكون، يحكي عن الموجودات الكونية “الكائنة والكامنة” ليرسمه في لانهائيته وفي ديمومته وفي انسيابه عبر الزمان ليكون فنا خالدا. والفن الخالد هو الذي يعبر تعبيرا صادقا لمعتقد الخلود، والخلود لا تمثله الجزئيات المتغيرة، إنما تمثله كليات الحركة والصيرورة الدائمة من خلال السيال المتدفق. فالذي يقصد الجزئيات ينتج فنا جزئيا متغيرا فانيا. ويكون الفن خالدا عندما يعبر عن قيم ومعتقدات صادقة، ويكون خالدا عندما يقبل الخلود في كلياته المتحركة لا في جزئياته وصفاته المتغيرة، بل في حركته الكلية اللامتناهية والذي يأتي تعبيرا عن عقيدة صادقة في اتصاله بالزمان لا المكان المتغير، وإن اتصل بالمكان فهو اتصال يوحي بخلود هذا المكان. يكون ذلك بتوسيع رقعة الفن ليشمل كل ما هو جميل من خلال قاعدة فسيحة تشمل كل الوجود، لأن الفن هو التعبير الجميل عن حقائق الوجود ليتحدث عن الكون، فيراه خلية حية متعاطفة ذات روح تسبّح وتخشع.
وبهذا تتوسع دائرة الفن من خلال توسيع دائرة الشوق حتى تشمل الأشواق العليا. وهكذا تنسجم رسالة الفن مع رسالة الإسلام الخالدة، في دعوتها للحق والخير والجمال والاستعلاء والاعتدال والنظام، فيكون الفنان مبدعا تقيا، وخاشعا نقيا.