بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – إن إنجازات الحضارة المصرية القديمة هي إنجازات البشر وقوة الضمير، نعم إن الضمير هو ما يبني الحضارة، فالعامل الذي كان ضميره يؤرقه إذا تهاون في عمله لأنه كان يؤمن بأن قلبه سوف يوزن وأن كل ما يعمله سيلقاه في الآخرة ويحاسب عليه أمام جمع عظيم فإما يمر عبر بوابات الخلود والنعيم أو أنه سيصبح فريسة تلتهمه وحوش أبدية كما سمح لنفسه أن تظلم الآخرين وتلتهم حقوقهم.
والإنسان الذي يقيم الحضارة هو إنسان الضمير الذي يؤمن من أعماقه بأنه يجب عليه أن يصلح في العالم لا يفسد، وأن يسعد الآخرين فلا يكون سببا لأذية أحد من الخلق، كان المصريون القدماء يؤمنون بأنهم سيسألون هل أبكوا عين إنسان أم لا خلال حياتهم، فالذي أبكى العيون هذا الشخص كان يعد من بشر الخلق وبالتالي فكانت عاقبته وخيمة، فهل يمكن لمجتمع يؤمن بذلك أن يظلم الآخرين ويعتدي على حقوقهم.
الحضارة لا تولد صدفة ولكنها التزام وأخلاقيات وضمائر حية وعمل مستمر من أجل إعمار الأرض ومساعدة الغير والتزام العدالة مع البشر ومع الحيوانات ومع البيئة، كان المصري القديم يعرف أن النظافة جزء من الحضارة فكان يؤمن بأن من يلوث ماء النيل سيحاسب حسابا عسيرا، هكذا هي تولد الحضارة ليست بعشوائية ولا بقيم مهترئة، ولكنها تولد بوعي جمعي وضمير حي.
الحضارة هي ضمير ولد ورعي وتناقلته أجيال وحافظت عليه، ضمير أرضعته لأولادها ولأجيالها اللاحقة، فكرت تلك الأجيال تعمر في الأرض وتلتزم بمعاييرها الذاتية لتحصد احترام أجيال من البشر، هكذا كانت مصر في عصورها الذهبية تهتم بتعليم الأدب والأخلاق قبل أن تنشىء الأهرام وتشيد المعابد والقصور وذلك لأنه من غير أخلاق الحضارة لن يكتب لها الاستمرار.
وهذا بالضبط ما حدث عندما عاشت مصر عصورها المظلمة وليست الحضارة المصرية القديمة بل إنها سنة من السنن الكونية الحضارية، ولكن اليوم ومصر تعيد بناء نفسها من جديد وتستعيد أمجادها أعتقد أنه من الأهمية بمكان غرس القيم والأخلاق الإنسانية العالمية في نفوس الطلاب في مراحل عمرهم المبكرة لنضمن أنه لن يتفشى الغش والاحتيال والكذب وأن الأمانة والصدق ستكون هي الأخلاق المستقرة في ضمائر أجيال المستقبل التي سترفع علم الحضارة وتسير بالبشرية نحو بر الأمان.