من زاوية الجمال
والحقيقة أن لي وظائف عديدة أخرى غير وظيفة الإحساس. ولو قمت بتعدادها كلها لما وسعت صفحات المجلة لمثل هذا الشرح والتعداد. فلو نظرت إليّ من زاوية الجمال لعرفت مدى جمالي. وإذا أردت فهم ما أعنيه فادخل مع أحد طلاب كلية الطب إلى مختبر التشريح، وحاول النظر إلى جثة لم تُقطع بعد بل نُزع عنها جلدها فقط، وأمعن النظر فيها إن استطعت وتحملت. فلولا وجودي أنا لَفَقَد الجسد الذي يُعد آية في الفن كلَّ جماله ومنظره البديع، ولأصبح منظره قبيحاً ومرعباً، ولزال جمال كل عضو من الأعضاء التي شرحتْ نفسها لك عن مدى فائدتها وضرورتها وجمالها.
لقد خلقني الله تعالى لباساً ملائماً يغطي كلَّ مناطق جسدك. وأنا أغطي أخمص قدميك وكذلك راحة يديك بمادة متقرنة لأسهل عليك المشي واستعمال الآلات اليدوية العديدة. وفي مناطق المفاصل أكون قابلاً للطي مثل آلة أكورديون أو مثل المنفاخ لكي أسهل حركة أصابعك ويديك ورجليك.
أنا والشَّعر
ولكي أحافظ على رأسك من الشمس والبرد تغيرتْ بعض خلاياي هناك وتحولتْ إلى شعر وأُعطيتْ قابليةَ النمو على الدوام. ومن أجل المحافظة على عينيك وُهبت لك الرموشُ والحواجب مع تحديد لمدى طولهما، ولولا ذلك لاضطررت كل يوم إلى قصهما لكي تستطيع الرؤية. وحتى في مداخل ثقوب أنفك وأذنيك شعرات خاصة وضعت لالتقاط الأتربة ولمنع دخول الحشرات وما شابهها. وقد تقول في نفسك: وهل هذا شيء مهم؟ كل ما في الأمر بضع شعرات. ماذا لو كانت موجودة أو غير موجودة، إذ لا أهمية حيوية لها!؟ أجل، ولكن الحياة ليست البقاء “حيًّا” فقط، بل لها أبعاد جمالية أيضاً. وأنت تستطيع فهم هذا عندما تنظر إلى شخص تساقطت أهدابه وحواجبه. أجل، عندما خلق الله الإنسان خلقه جميلاً وأعطى أهمية لكل شعرة وجعل لها دوراً في الجمال. والله تعالى عندما يخلق شيئاً يخلقه بحكمة من جميع الجوانب.
نبذة عن مهامي الحيوية
إنني أحافظ على جسدك من عدة نواحٍ: إن أراد إنسان اعتيادي أن يلف جسده كما ألفه أنا فهو يحتاج إلى 1.8 م2-2 م2 من الغطاء. ومهمتي الحيوية هي قيامي بمنع سوائل الجسم من الانسياب إلى الخارج وضياعها، لأن كثافة سوائل الجسم الداخلية والأملاح المعدنية الموجودة فيها مهمة جداً للجسم، ولولاي لما استطاعت كليتاك وحدهما تنظيم كثافة هذه السوائل. لذا فإن الشخص الذي أصابت الحروقُ 3/2 من جلده بشكل عميق يموت بسبب ضياع سوائل جسده. وعلى الرغم من محاولات المراكز المختصة بعلاج الحروق وباستخدام أجهزة حساسة جداً للمحافظة على كثافة سوائل الجسم وعدم فقدها، إلا أنها لا تكون ناجحة في هذا الأمر عند الحروق الكبيرة.
ومن مهامي محافظة الجسم من دخول الفيروسات والبكتريات والفطريات وكل ما يضر به ويسبب له الأمراض. وأنت تعلم أنه إن دخلت شوكة صغيرة في يدك دخلت الجراثيم إليها والتهبت، فإن تعرضتُ إلى جروح في مساحة كبيرة تعرضتَ أنت إلى التهابات شديدة، لأنني عندما لا أكون موجوداً في منطقة دخلتْ إلى جسمك الملايين من الأحياء المجهرية ومرضتَ.
لقد خُلق جسمك حساساً للحر وللبرد، ويجب أن تكون حرارة جسمك في الداخل 36.7 درجة مئوية. ويجب ألا تتغير هذه الدرجة بسبب تغير الحرارة في الخارج، بل يجب أن تبقى ثابتة. فإن تعرضتَ للبرد مدة طويلة وانخفضتْ حرارة جسمك قليلاً تمرض العديد من أعضائك الداخلية وفي مقدمتها الرئتان والمعدة والكليتان، حيث لا تكون قادرة على إيفاء وظائفها على الوجه الصحيح. فإن استمرت درجة حرارة جسمك بالانخفاض توفيتَ. وبالمقابل إن تعرضتَ لحرارة شديدة مدة طويلة وبدأتْ حرارة جسمك بالارتفاع بدأت عوارض خطرة بالظهور في جهازك العصبي الحساس وفي مقدمته دماغك، ثم يبدأ الخلل بالظهور في أعضائك الأخرى وفي مقدمتها القلب، والموت هو المصير المحتوم أيضاً في هذه الحالة. هذا مع العلم أن الناس يعيشون في جميع المناطق في الأرض بدءاً من الصحارى وانتهاء إلى منطقة القطبين، ومع ذلك تضبط حرارة أجسامهم وتثبت في حوالي 37 درجة مئوية. وأنا من أهم أجزاء المنظومة التي تقوم بحفظ توازن حرارة جسم الإنسان في هذه الدرجة. ومع أن مركز السيطرة في هذه المنظومة هو الدماغ، إلا أنه يقوم بعملية التوازن هذه نتيجة للتنبيهات الصادرة مني.
بنيتي وتركيبتي العجيبة
وقبل أن أشرح لك مهامي المهمة أود أن أحدثك قليلاً عن بنيتي التي تبدو من الخارج وكأنها بُنية بسيطة؛ والحقيقة أنني لست كما تظن مثل غطاء بسيط من النايلون. فأنا أولاً عضو حيّ مرن ينمو ويتغذى، ويمكن تصليحه وتعميره، وبينما يطرح الأجزاء الميتة منه يعوضها بخلايا جديدة. وهو على اتصال بالعالم الخارجي. وإذا تركنا التفصيل أقول بأنني أبدو كطبقتين، والجزء الخارجي الذي تراه هو طبقة “البشرة” أو الأدمة، التي تكوّن الخلايا
المتقرنةُ الميتة التي أتمت أعمارها جزأها العلوي. وهذه الخلايا الميتة تتساقط كل يوم وهي التي تتساقط كوسخ عندما تستحم. كما تتخلص آنذاك من العديد من البكتريا والفطريات وغيرها من الطفيليات الملتصقة بي من الخارج. والقسم الأسفل من الطبقة العلوية من الجلد تملك خلايا لها قابلية كبيرة على الانقسام وعلى النمو وهي “الطبقة النامية”، وهي تنشئ على الدوام خلايا جديدة وتدفعها إلى الأعلى. وهذه الخلايا عند تكونها تكون أسطوانية الشكل وكلما ارتفعت إلى فوق أصبح شكلها مكعباً ثم تصبح مسطحة. ونظراً لتكون المواد المتقرنة في داخلها فهي تبدأ بالتصلب شيئاً فشيئاً وتفقد حياتها. وعندما تصل إلى فوق تكون قد ماتت تماماً. وقسم منها لا تتساقط بل تلتحم مع بعضها مكونة طبقة متقرنة مثل الأظافر. وتظهر كذلك في الأماكن المتعرضة للتآكل وذلك للحفاظ عليها. الحياة البيولوجية لهذه الطبقة حياة طويلة إلى درجة محيرة. فبعد موت الإنسان لا تموت طبقتي هذه يومين أوثلاثة أيام بل تستمر في الانقسام. لذا فإن مات شخص كان قد حلق لحيته وقص أظافره قبل الموت نرى أنه في حالة تأخر دفنه عدة أيام قد نبتت لحيته وطالت أظافره. وهذا يعود إلى استمرار نشاط الطبقة السفلى من الجلد.
تحت طبقة البشرة أو الأدمة توجد طبقة أكثرسمكا. في هذه الطبقة توجد العديد من آثار الصنعة والفن التي تكون وسيلة لحيويتي ولوني ولقوة التوتر عندي. وصلب هذه الطبقة مؤلف من نوع من البروتين يدعى “الكولاجين” يعمل على تكوين نسيج ليفي رابط. وكلما تقدم الإنسان في العمر بدأت هذه الطبقة بالجفاف والتيبس وبفقد بروتين الكولاجين. وكلما قلت الألياف قل توتري وظهرت التجاعيد عليّ. وفي داخل الطبقة السفلى من الجلد توجد الغدد العرقية بشكل خطوط ملتفة، وجذورُ الشعر، والغددُ الدهنية التي تغذي الشعر وتعطيه بريقه ولمعانه، و”الخلايا الصبغية” التي تعطي لون بشرتي، وكذلك العضلات الموجودة حول جذور الشعر والتي تستطيع إيقاف الشعر أو إعادته إلى حالته الطبيعية، وشعيرات الدم التي تغذيني، وأخيراً توجد أنواع عديدة من الخلايا العصبية التي تستقبل المنبهات كالألم والضغط.
دور الخلايا الصبغية في لوني
الأوصاف التي تطلقونها على بعضكم مثل: هذا أسمر أو أشقر أو أبيض تنبع من الخلايا الصبغية الموجودة في الطبقة السفلى مني والقريبة والمجاورة لطبقة البشرة. ولهذه الخلايا النجمية الشكل أذرع وامتدادات وتقوم بتحريك
هذه الامتدادات ببطء؛ فتارة تطولها وأخرى تقصرها وذلك حسب شدة الضوء. وكذلك تستطيع تجميع الجزيئات الصبغية (القتامين) في مركز الخلية أو توزيعها في داخلها. وهكذا يبدو لوني قاتماً أو فاتحاً، وذلك حسب المواسم وحسب طول أو قصر ساعات النهار. أي حسب شدة أشعة الشمس وطول المدة التي أتعرض فيها لهذه الأشعة. فكما تعلم فإن الذين يعيشون في شمالي أوروبا وفي أمريكا الشمالية يكونون شقراً وتكون بشرتهم بيضاء أكثر من الذين يعيشون في الجنوب، لأنهم يتعرضون لأشعة الشمس مدة أقل، فالجو هنا مغيم في أكثر الأحيان، بينما لأشعة الشمس دور مهم في تركيب فيتامين (D). فمادة الهيدروكلسترول التي تدخل إلى جسمك مع الغذاء لا تتحول إلى فيتامين (D) في جسدك إلا بأشعة الشمس. وهذا الفيتامين مهم جداً لعظامك ولتكوين الكالسيوم، ويذوب في الدهن. وبغياب أشعة الشمس لا يمكن صنع هذا الفيتامين. علما بأن نقص هذا الفيتامين يؤدي إلى العديد من أمراض العظام، وإلى تشوه في الهيكل العظمي.
ولكن أشعة الشمس سيف ذو حدين، لأن نقصها يؤدي إلى المرض، كما أن زيادتها أيضاً تؤدي إلى أمراض من أهمها سرطان الجلد وبعض أمراض العين. ولا شك أن ربنا الذي ملأ جميع أرجاء الأرض بالناس أعطى بحكمته وعلمه اللانهائيين للخلايا التي تحمل مادة القتامين خاصية بحيث يستطيع جميع الناس الاستفادة من أشعة الشمس في جميع أرجاء الأرض سواء أ كانوا يتعرضون لأشعة الشمس كثيراً أم قليلاً. ففي البلدان التي يقل فيها التعرض للشمس تقوم الخلايا الصبغية بصنع مادة القتامين بكمية قليلة. وتنتشر هذه المادة داخل الخلية أو تنـزل هذه الخلايا إلى عمق الجلد، لذا تبدو بشرتي بيضاء. وهكذا تنفذ من خلالي كمية أكبر من أشعة الشمس لاستعمالها في صنع فيتامين (D). أما في الأماكن المشمسة فيتعرض الناس إلى الأشعة فوق البنفسجية بشكل كثيف وإلى إشعاعات أخرى. لذا فهناك خطر تعرض خلاياي لطفرات ضارة ولخطر الإصابة بالسرطان.
لذا يتم تركيب كمية أكبر من مادة القتامين في جلود الذين يعيشون في هذه المناطق المشمسة وتتجمع في مركز الخلية، ولهذا السبب تبدو بشرتي قاتمة أو سمراء. ويتم امتصاص الكمية الزائدة من أشعة الشمس من قبل التركيب الخاص للمادة الملونة والخضاب الموجودة في الخلايا الصبغية لخلايا البشرة. وهكذا تتم الحيلولة دون إصابة الخلايا الأخرى الحساسة بالسرطان. فهل أدركت الآن الحكمة من خلق الخلايا الصبغية عندي؟
لكي لا تزداد الحرارة الداخلية للجسم في الأجواء الحارة تتوسع شرايين الدماء الآتية إليّ فأتزود بكمية كبيرة من الدماء. وأقوم بنقل الماء الموجود في الدم إلى الخارج عن طريق غددي العرقية. وينتشر هذا العرق الحار فوقي ويتبخر، وبذلك يتم نقل كمية كبيرة من الحرارة إلى الخارج، وهكذا لا ترتفع حرارة الجسم. كما يتم مع إفراز العرق طرد بعض الفضلات النتروجينية، وهذا يريح كلْيتيك. وعندما يكون الجو بارداً تقل عملية التعرق وتضيق شرايين الدماء الآتية إليّ فيقل الدم الوارد إليّ، إذ يتوجه إلى الأعضاء الداخلية الحيوية لكي لا تبرد. وتتقلص عضلات الشعر عندي فتقف ويزداد سمك الغطاء الشعري، كأنني غطيت ببطانية. فإن قلّت حرارة الجسم أكثر قامت الخلايا المنبهة عندي بتنبيه العضلات الموجودة تحتي فترتجف هذه العضلات مولدة الحرارة. وهذا هو السبب في الارتجاف عند الشعور بالبرد. وقد يخطر على بالك أن النساء مظلومات في هذا الصدد، لأنهن لا يملكن شعراً على أجسادهن كالرجال. كلا، أبداً، لأن أجسادهن تقوم بخزن مقدار كبير من الدهن في طبقتي التحتية. وهذه الطبقة الدهنية المخزونة تحت الجلد لدى النساء تقوم من جهة بحفظهن من البرد، ومن جهة أخرى تعمل كمخزن غذاء احتياطي للمرأة عندما تقوم بإرضاع طفلها. كما تقوم بحفظ عضلات المرأة وعظامها من الضربات أو الصدمات الخارجية أكثر من الرجل، فتقوم هذه الطبقة الدهنية بوظيفة العزل الحراري ووظيفة امتصاص الصدمات.
علاقتي بالأمراض الداخلية
النظرة التي تقول بأنني مرآة الجسد نظرة محقة نوعاً ما. لأنني بسبب كوني معروضاً أمام العين فإن الأمراض التي تصيبني تبدو أماراتها واضحة، وأعد أول عضو يتمتع بهذه الميزة. ومظاهر الخلل التي تبدو عندي تكون عادة إشارة إلى خلل في بعض عمليات الأيض في الجسم، وإشارة إلى حدوث أمراض خبيثة، أو أمراض تتعلق بالغدد في الجسم. فمثلاً إن كان الكبد يتعرض للتسمم من قبل مادة سامة ظهرت لطخ حمراء في اليد. كما أن الحالة النفسية والروحية تؤثر عليّ. والعكس صحيح أيضاً، فهناك أمراض خاصة تصيبني وهي تؤثر على أعضاء الجسم الأخرى.
لقد ذكرت في البداية أنني أملك قابلية كبيرة على ترميم نفسي. فأنا أستطيع بإذن الله ترميم وإصلاح الحروق والجروح التي تحدث عندي في الظروف الطبيعية. ولكن إن كان الجرح عميقاً ونفذ إلى طبقتي السفلى بقي له أثر طفيف. وعند الإصابة بمرض السكري تقل قابليتي على الترميم والتجديد مع الأسف، فلا أستطيع معالجة الجرح بسرعة. وفي هذه الحالة عليك الاعتناء بي وبنظافتي وبعدم إصابتي بأي التهاب.
لا أريد في الختام أن أحدثك كثيراً عن الأمراض التي تصيبني مثل أمراض الحساسية والحكة ومرض تناثر الجلد والالتهابات وعن مظاهرها وعلاماتها، ولكني أكتفي هنا بالقول بأن بعض هذه الأمراض وراثية، ويحدث بعضها بسبب نقص في المناعة وبعضها بسبب البكتريات أو الفطريات. وأنا أستطيع أن أعد لك مائة من أنواع الأمراض التي تصيبني، ولكني لا أريد أن أقلقك أو أن أسبب لك الوساوس. فكما ترى فإن معظم الناس يعيشون بصحة جيدة على الرغم من كل شيء. فالله تعالى قد خلق آلية المناعة والدفاع.
لقد أردت أن أشرح لك مدى الدقة والحكمة التي خلقني الله بها. والحقيقة أنك عندما تعيش حسب ما يرضاه الله لك صانك من العديد من الأمراض. وحتى إن مرضت -كنوع من الامتحان- فستتحمل المرض. وعندما تُشفى ستحمد الله أكثر. وإذا كنت واثقاً بأنك لن تفقد شهيتك ولن يضيق صدرك فانظر إلى صور مرضى الجلد في أي كتاب يتحدث عن هذه الأمراض، وعندها ستحمد الله أكثر وتدرك مدى قيمة نعمة الصحة التي تتمتع بها.
__________________
* الترجمة عن التركية: أورخان محمد علي.