تقرير: محمد عبيد الله
واشنطن (زمان التركية) – تبعث الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس جو بايدن منذ اليوم الأول إشارات واضحة بأنها لن تتهاون مع الدول ذات السجل السيئ في حقوق الإنسان، وأن هذا سيكون معيار التعاون مع حكومات تلك الدول إن لم تصحح وضعها.
وزارة الخارجية الأمريكية نشرت حديثًا تقريرًا مفصلاً يتناول السجل السيئ لإدارة رجب طيب أردوغان في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة خلال العقد الأخير.
التقرير يتهم تركيا بتقييد الحريات وتعريض سيادة القانون للخطر، وسلط الضوء على جرائم مرتكبة بحق المعارضين وأصحاب الرأي والحقوقيين والمهاجرين في إطار قانون مكافحة الإرهاب الشامل الذي تم تبنيه في عام 2018.
أكد التقرير الأمريكي الشامل أن إدارة أردوغان أساءت استخدام قانون مكافحة الإرهاب، مما أسفر عن فصل أكثر من 60 ألف شرطي وعسكري، و125 ألف موظف عام، وثلث القضاة من أعمالهم، بالإضافة إلى اعتقال ما يزيد من 90 ألف شخص، وإغلاق أكثر من 1500 جمعية ومؤسسة وقفية.
ورصد التقرير أن حكومة حزب العدالة والتنمية لم تتخذ أي خطوات رسمية تجاه الموظفين الحكوميين الذين تورطوا في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بل حظي هؤلاء المجرمون بحماية وحصانة من السلطات.
التقرير أشار إلى أن السجون التركية شهدت بعد انقلاب 2016 المزعوم 49 حالة وفاة، وأن السلطات ادعت أن 15 منهم لقوا حتفهم جراء الانتحار. من بين هؤلاء ركز التقرير على واقعة وفاة الشرطي مصطفى كاباكجي أوغلو على كرسي بلاستيكي في سجنه بعد فصله من عمله واعتقاله بقرارات حالة الطوارئ الرئاسية.
وشدد تقرير الخارجية الأمركية على أن حماية الموظفين الاستخباراتيين من المساءلة القانونية، يشكل مشكلة كبيرة بحد ذاته، مذكرا بعمليات الاختطاف التي تورط فيها جهاز الاستخبارات داخل تركيا وخارجها.
قانون مثير
وكان البرلمان التركي أقر عام 2018 قانونا مثيرًا، حل محل حالة الطوارئ التي تم رفعها في العام ذاته بعد الإعلان عنها في عام 2016. قانون “مكافحة الإرهاب” الذي تم إقراره يحصن جميع من أسماهم “المتصدين للمحاولة الانقلابية” من أي ملاحقات قضائية عن أي أعمال ارتكبوها، دون أن يحدد فترة معينة، خاصة وأن محاولة الانقلاب كان قد مر عليها عامان، أي أن القانون يحمي جميع الإجراءات المتخذة ضد كل من تعتبره الدولة في أي زمن من الأزمنة مشاركا في المحاولة الانقلابية التي وقعت في عام 2016.
التقرير نوه بأعمال التعذيب والتهديد التي مارسها موظفون شرطيون واستخباراتيون على بعض المعتقلين بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة، منهم المواطن المدعو جوكهان توركمن الذي تعرض للاختطاف والتعذيب في مدينة أنطاليا في فبراير 2019.
وذكر التقرير أن أفراد حركة الخدمة والمواطنين الأكراد يأخذون النصيب الأكبر من ممارسات التعذيب وعمليات الاختطاف وسوء المعاملة في تركيا.
انتهاكات لا تتوقف
لفت التقرير كذلك إلى أن حوالي 100 شخص عاملين في الخارجية التركية تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة، لكن السلطات القضائية لم تفتح حتى تحقيقا في هذا الصدد.
ونقل تقرير الخارجية الأمريكية إحصائيات أعدتها جمعية حقوق الإنسان في تركيا، يشير إلى أن 573 شخصًا تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في هذه الفترة.
وقال التقرير الأمريكي إن “السلطات القضائية في تركيا ترفض فتح تحقيقات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الأكراد واليساريون وأفراد حركة الخدمة على وجه الخصوص”، مؤكدًا أن الحكومة التركية لا تنشر بيانات رسمية حول ادعاءات التعذيب في السجون ومراكز الأمن.
وأفاد كذلك أن السلطات التركية ترفض فتح تحقيق وإعطاء معلومات عن 18 ضابطا عسكريا لقوا حتفهم بصورة مثيرة للشبهات في الجيش وفق ما رصدته جمعيات حقوق الإنسان في البلاد.
أوضاع السجناء
تقرير الخارجية الأمريكية تطرق إلى أوضاع السجون في تركيا أيضًا، حيث أشار إلى بقاء 281 ألف شخص في سجن سعته القصوى 233 ألفًا، مؤكدًا أن الإصلاحات القضائية التي أفرجت عن نحو 90 ألف سجين لم تشمل معتقلي الرأي والفكر والصحفيين والمحامين.
وقال التقرير إن السجون التركية تضمّ 300 طفل تحت سنّ 6 مع أمهاتهم، وإن السلطات لم تخصص إلا 7 أطباء فقط لـ1606 مرضى، 604 منهم في حالة خطيرة.
وكشف التقرير أن الأطباء لا يستطيعون التوقيع على تقارير التعذيب وسوء المعاملة خوفًا من غضب السلطات، لافتًا إلى عدم السماح للمؤسسات والجمعيات المعنية المدنية بزيارة السجون ومراقبة أوضاع السجناء.
وأوضح أن لجنة حقوق الإنسان البرلمانية في تركيا استقبلت 3.363 شكوى عن التعرض لسوء المعالة أثناء التوقيف أو الاعتقال، إلا أن الحكومة تزعم أنه لم تثبت ولا واقعة واحدة من تلك الانتهاكات.
وبين التقرير أن مئات الآلاف من المواطنين تعرضوا للاعتقال تعسفيا أو بناء على أدلة ضعيفة للغاية بعد انقلاب 2016.
قمع حركة الخدمة
وفيما يخص الإحصائيات الخاصة بحركة الخدمة، قال تقرير الخارجية الأمريكية إن السلطات التركية بدأت بعد الانقلاب المزعوم بإجراءات قضائية بحق 597.783 شخصًا ينتمون إلى الخدمة، وتوقيف 282.790 شخصًا واعتقال 94.975 شخصًا، في حين تعرض خلال العام الأخير فقط 39.719 شخصا منهم لإجراءات قضائية و21.000 للتوقيف و3.688 للاعتقال.
وأضاف التقرير أن الداخلية التركية نفذت أكثر من 100 ألف عملية ضد حركة فتح الله كولن، مؤكدًا أن معظم عمليات التحقيق والاعتقال مفتقرة إلى الأدلة.
وأردف أن المحامين في تركيا يخشون تولي الدفاع في القضايا الخاصة بأفراد حركة كولن والمواطنين الأكراد، وأن أغلبية هؤلاء المحامين تعرضوا للاعتقال وفق تقرير لمؤسسة فريديم هاووس.
وكشف التقرير الأمريكي أن أكثر من 1500 محام خضعوا للتحقيق، وتم اعتقال 605 محامين، صدر بحق 441 منهم قرار سجن لمدد طويلة، بينهم 14 رئيس نقابة محاماة.
هذا ويشير متخصصون إلى أن تقرير الخارجية الأمريكية بمثابة وثيقة دولية ترصد بشكل مفصل انتهاكات حكومة حزب العدالة والتنمية وقد تشكل في المستقبل مستندًا مهما لقضايا التظلم والتعويض التي سيرفعها من تعرضوا لها سواء لدى المحاكم المحلية أو الدولية.
ولم تفلح حتى الآن جهود الرئيس رجب أردوغان وحكومته في استمالة رضا الرئيس جو بايدن، الذي يصر على عدم وجود أي تواصل مباشر مع تركيا حتى الآن رغم مرور أكثر من شهرين على توليه المنصب، وكأنه يريد إيصال رسالة مفادها سنتعامل معكم بقدر احترامكم لحقوق الإنسان في بلدكم.
–