بقلم: هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية) – “إن مستقبل كل إنسان مرتبط بما تأثر به وانطبع عليه في طفولته وشبابه، فإن كان قد قضى طفولته وشبابه في جو إيجابي تجيش فيه المشاعر العلوية، في الغالب يكون إنسانا يحتذى به من الناحية الفكرية والخلقية. فنحن ثمرة أعمال السابقين، والأجيال القادمة ستكون ثمرة أعمالنا، فبدلا من أن نشكو الزمان والعصر الذي نعيش فيه علينا أن ننظر إلى ما أهملناه فيه من عناصر تربوية فنستدركها في أولادنا حتى نحقق عملية انبعاث قلبية وروحية وشعورية لنا ولتاريخ الأجيال القادمة من بعدنا”.
هكذا تحدث العالم الجليل الأستاذ محمد فتح الله كولن، في كتابه الذي سميت المقال باسمه، صدر عن دار النيل للطباعة والنشر.
والموضوع لا يحتاج إلى التنويه بأهميته، ولا بمدى حاجتنا إليه في زمن أصبحت فيه التربية لا تقوم على أساس سليم، ولا تعطي الاهتمام الذي تستحقه، فضلا عن أن تربيتنا لأولادنا تقوم على ما ورثناه من أبائنا وأجدادنا، وفي ذلك أتذكر مقولة سيدنا الإمام علي ابن ابي طالب رضي الله عنه:
(ربوا أولادكم على غير ما ربيتم فلقد ولدوا في زمان غير زمانكم).
وعودة للكتاب المتميز، الذي صدر من عالم على قدر كافٍ من الاستيعاب لمسالة التربية، وطبيعتها، وخصوصيتها، وظروفنا، وطبيعة مجتمعنا بعاداته وتقاليده.
أوضح الأستاذ كولن أن الهدف من الكتاب هو المساهمة في مستقبل الأمة.
ويبدأ الحديث منوها ولافتا للأنظار إلى مسألة في غاية الأهمية، ويحتاج جميع المقبلين على الزواج إلى استيعابها وتفهمها بشكل واضح وسليم، بعيدا عن اللغط أو سوء الفهم، أو الآراء التي لا صلة لها بأصل الدين الصحيح، وهي مسالة عدد الأطفال.
فعلى الآباء والأمهات أن ينتبهوا وإلا وقعوا في ورطة الأرقام والحسابات، وإنما يكون الاهتمام بتربية الطفل تربية مثالية، وهنا يرد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يجب أن نقف عنده كثيرا ونتفكر ونتدبر فيه، حيث ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل … الخ الحديث الشريف)
ويشدد الأستاذ كولن على أنه يجب على الجميع باستيعاب مفهومنا الأخلاقي، وإدراك حقيقة وهي أن الأمم التي حافظت على وجودها وبقائها مدة طويلة دون أن يجافيها التاريخ كانت تحترم القيم الأخلاقية، وعلى الجانب الآخر يكون السبب الأول لانهيار الأمم هو الانحطاط الاخلاقي لأفرادها.
ويشير المؤلف أيضا إلى أن يكون الأساس سليما والمتمثل في اختيار الزوجة والزوج، حتى يكون البناء سليما والمتمثل في الأسرة والأبناء.
وكمبدأ عام في التربية أيضا ينبغي أن تراعي الدقة الشديدة، وإلا يترك جانب من جوانب الاهتمام بالطفل إن لا يتعامل معه بحكمة، ولا يترك شيئا للظروف أو الصدفة أو كما يكون، أو غير ذلك من المفاهيم الخاطئة التي للأسف تعاني من انتشارها أمتنا.
ومما يعتبر خطوة أولى في عملية تربية الأبناء أن يكون الانطلاق من فهم لكل من الأم والأب لدور كل واحد منهما في ذلك، متفاهمين، يحترم كل منهما الآخر، وأن يكونا قدوة لأبنائهما بسلوكهما قبل قولهما في كل ما يريدان أن يوصلاه من مفاهيم وآداب ومبادئ وقيم وسلوكيات، مع تهيئة المناخ التربوي في الأسرة والجو المناسب لذلك.
وهنا ترد أسئلة عديدة في هذا الموضوع منها: كيف يكون الأساس في عملية التربية؟ وماهي القيم الأساسية المطلوب أن يتحلى بها الطفل؟ وكيف يكون التعامل مع أسئلة الأطفال بكل أنواعها؟ كيفية تحصين الطفل ضد ما يقابله من قبح وشبهات ومساوئ في البيئة التي يعيش فيها ومن العالم الخارجي البعيد عن الأسرة؟
اسمح لي عزيزي القارئ الفاضل أن أعرض عل حضرتك ذلك بشيء من التوضيح في المقال القادم بإذن الله.
دامت الأمة الإنسانية بكل حب وخير