بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – قالو لنا في الصغر “الأدب فضلوه على العلم”، وما كان فهمنا لهذه الجملة العظيمة يتجاوز حدود أنه نوع من أنواع الزجر حتى نقوم من سلوكياتنا سواء داخل الصفوف الدراسية أم في داخل البيت، ولكن بمرور السنوات والحديث المستمر عن التعليم ووجود أنظمة تعليمية ترسخ مفهوم الحفظ باعتباره أهم وسيلة لنجاح الطالب والتحاقه بجامعات “القمة”، تناسى المجتمع البعد التربوي في العملية التعليمية، وبينما تنازلت المدرسة عن مكانتها التربوية، وانشغل الآباء والأمهات بأعمالهم، ترك النشىء ليتربى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لتصبح لدينا شريحة عريضة من الشباب منعزلين بأنفسهم عن القيم التي تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل، فهل العملية التعليمية تنتهي عند حدود نقل المعلومة وإمطار الطلاب بواجبات مدرسية غزيرة؟
إن كلا من التربية والتعليم رفيقان لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، وعملية التربية والتعليم لا تنحصر في حدود سور المدرسة بل إنها عملية يشترك فيها جميع أفراد المجتمع من مدرسين يمثلون نماذج مشرفة لا يتعلم منهم الطلاب سرد المعلومات فحسب بل يتعلم منهم القيم والأخلاق. فالمفترض أنهم بأفعالهم وأقوالهم وأطوارهم يوجهون الطلاب تربويا وتعليميا، أما البيت فالأم والأب فعليهما مسؤلية عظيمة في تقويم سلوكيات الطلاب وترسيخ القيم والأخلاق التي تعلموها في المدرسة وكل من يقابلهم الطالب بين البيت والمدرسة هم يشاركون في تلك العملية التربوية التعليمية، فإذا كان لدى المجتمع وعي بأهمية النشء باعتبارهم مستقبلنا فعلينا أن نبذل المزيد من أجل أن يكون مستقبلنا صالحا للعيش. نعم إن مستقبل الأمم يصنع في مصانع المدرسة والبيت.
إن أفق تلك العملية التعليمية التربوية يجب ألا نضيق من حدودها بل علينا أن نوسع تلك الدائرة قدر المستطاع، فإن شعر كل فرد منا وهو يتعامل مع الشباب بأنه معلم وبأنه يقوم بدور نموذج أخلاقي وتربوي فحينها سيكون هذا الشعور بالمسؤولية مقوما لكل أفراد المجتمع، فالممثل والمغني وأصحاب القنوات على منصات التواصل الاجتماعي والعامل الذي يلتقي ويتعامل مع النشء في كل مكان جميعهم مشاركون في عملية صناعة المستقبل.
وكما يقول الشاعر:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
إن المستقبل نصنعه الآن نحن في حواراتنا وفي مناقشتنا وفي تعاملاتنا مع بعضنا البعض ومن دون أن ندرك، فأولادنا يطلعون علينا وننقل إليهم أحيانا صورة مشوهة عن القيم عن الدين والأخلاق، فعندما يرى الأب أو الأم يتحدثان عن أحدهم بالسوء نعلم أبناءنا أنه لا بأس من أن تغتاب الآخرين ومن أن تسيء الظن بهم، وعندما يقوم المدرس بالاشتراك مع بعض الطلاب في الاستهزاء بطالب آخر ومن دون أن يدري يرسخ هذا المدرس لمفاهيم التنمر على الغير وعدم اعتبار مشاعر الغير، من جهة أخرى عندما يتعامل المدرس مع طلابه برحمة حافظا حقوق مشاعرهم ومقوما إياهم بأسلوب لطيف يتربى على يديه الطلاب ليدركوا أهمية التعامل بلطف مع الآخرين وتتكون لديهم حساسية خاصة لعدم الإساءة للغير، وعندما يكون حديث الأم والأب دائما يسوده الاحترام والتقدير للغير والتغاضي عن عيوب الآخرين يتربى الأبناء على احترام حرمات الغير وسيشعر بأن الإساءة للغير شيء غير مقبول اجتماعيا. وهكذا وما ذكرناه يمكن القياس عليه.
حتى نستطيع تأمين مستقبل يطور فيه الإنسان على مستوى التكنولوجيا وعلى المستوى الأخلاقي والوجداني للإنسان علينا أن ننقل للأجيال الشابة خلاصة ما تعلمناه كمجتمعات احتمال أن يقعوا في نفس الأخطاء التي وقعنا فيها. ربما إذا استطعنا أن نرسخ لديهم القيم الإنسانية العالية سيشرق علينا غد يحقق فيه الإنسان التوازن والرخاء على الأرض، غد لا مكان فيه للاعتداء على حقوق الإنسان ولا مكان فيه للتوحش والتنمر، مجتمع الحوار وقبول الآخرين فيه طبيعي لا يشعر المختلف فيه بأنه منبوذ ولا أنه يجب عليه أن يظل مهمشا للأبد، مجتمع التضامن فيه وعي جمعي فلا مكان فيه للإقصاء أو إهمال الفئات الأكثر احتياجا.
إن صناعة المستقبل مسؤولية جميعنا فيها شركاء ويملأ قلبي أمل بغد يشرق فيه الحب والأمل على الإنسانية جمعاء.
دمتم والأمل يملأ قلوبكم