تقرير: ياوز أجار
إسطنبول (زمان التركية) – يبدو أن تحالف الشعب المعارض نجح في إفشال جهود الرئيس رجب طيب أردوغان الرامية إلى “شيطنة” حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، من خلال تحميله مسؤولية مقتل الرهائن الأتراك في شمال العراق، بدعوى صلة الحزب بتنظيم “العمال الكردستاني الإرهابي”.
إعلان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عقب انتهاء عملية “مخلب النسر 2” سقوط الأتراك المختطفين لدى العمال الكردستاني شهداء بشمال العراق يشير إلى أن هناك مخططا لم ينجح، إذ إن أردوغان كان يخطط لإعلان نفسه بطلاً أنقذ مواطنيه الرهائن لدى منظمة إرهابية، لخطف دعم “القوميين”، ولكن لما فشلت العملية توجه إلى تنفيذ خطة بدلية وهي تقديم حزب الشعوب الديمقراطي “كبش فداء” وإعلانه مسؤولاً عن تلك الكارثة لهدم أحد أركان تحالف الشعب المعارض.
ومع أن بعض المحللين يرون أن الهدف النهائي لأردوغان هو استغلال هذه الأجواء المشحونة من أجل حل حزب الشعوب الديمقراطي والتوجه لانتخابات مبكرة، إلا أن زعيم حزب العدالة والتنمية لن يختار هذه الخطوة نظرًا لأنها لا تضمن توجه الأصوات الكردية إلى حزبه العدالة والتنمية، بل قد يدفع ذلك الأكراد، بمن فيهم من يصوتون اليوم لصالحه، إلى إبداء رد فعل سلبي ضد أردوغان والنفور منه تمامًا.
وهذه الحقيقة تقودنا إلى أن نتوقع من أردوغان أن يصر على إطلاق حملة إقصاء وتشويه ضد حزب الشعوب الديمقراطي تساوي بينه وبين حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وذلك بطريقة تجعل أي حزب تحت سقف البرلمان يتجنب الظهور معه في المربع ذاته مرة أخرى خشية مواجهة التهم التقليدية “الإرهاب والخيانة”.
وعلى الرغم من أن أردوغان يحاول الحصول على “هدية إلهية” جديدة من خلال توظيف الوضع الناتج من مقتل الأتراك المختطفين، لخلق أجواء “تضامن وطني” مشابهة لما كان بعد محاولة الانقلاب المزعومة في 2016، وجمع كل الأحزاب المعارضة تحت مظلته – ما عدا الحزب الكردي -، إلا أنه يبدو أن المعارضة التركية لن “تلدغ من جحر واحد مرتين”.
الكاتب الصحفي والنائب السابق من صفوف حزب الشعب الجمهوري باريش ياركاداش قال إن العنصرين الرئيسين في تحالف الشعب المعارض، أفشلا مخطط أردوغان.
وتدل تصريحات النائب السابق والمطلع على كواليس حزب الشعب الجمهوري باريش ياركاداش، في برنامج على قناة (KRT TV)، على أن حزبي الشعب الجمهوري والخير لم يسقطا هذه المرة في المكيدة التي نصبها أردوغان لهما، وأكد أنهما رفضا البيان المشترك الذي أعده فريق أردوغان لشرعنة إطلاق حملة “صيد الساحرات” ضد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي باعتباره “الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني” المسؤول عن مقتل المواطنين الأتراك، بحسب الرواية الرسمية.
ميرال أكشناء رئيسة حزب الخير القومي المعارض في تركيا، قالت بوضوح إن الرئيس رجب أردوغان هو الذي أعطى الأمر لعملية “مخلب النسر2″، وبالتالي هو المسئول عن مقتل 13 مواطنا كانوا رهينة لدى حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وذلك لأن “الرئيس هو القائد العام للقوات المسلحة ووزارة الداخلية والشرطة العسكرية والجمهورية التركية وجهاز المخابرات”.
ولا بد أن المعارضة التركية أدركت حجم الخطأ الذي ارتكبته بالدخول تحت راية أردوغان، انطلاقًا من مشاعر وطنية وقومية، بعد الانقلاب المزعوم، والذي أضفى الشرعية على حملات الفصل والاعتقال التعسفية، ولذلك نرى أنها هذه المرة التزمت الحيطة والحذر وأدلت بتصريحات موزونة من كل النواحي لم تترك لأردوغان ثغرات لتستغلها سياسيًّا.
بل تمكن زعيم المعارضة رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو من قلب الطاولة على رأس أردوغان عندما اتهمه بالمسئولية الكاملة عن حادث مقتل الأتراك، معتبرا تلميحه لعملية الإنقاذ تصرفًا غير مسؤول لا يليق برجل دولة.
كليجدار أوغلو عرى أردوغان في تصريحاته المذكورة قائلاً: “أردوغان صرح يوم الاثنين أنه سيعلن عن نبأ عظيم يوم الأربعاء القادم. فهو كان سيزفّ للشعب بشرى كبيرة. وفقًا لخطته، كان الجيش سينقذ إخوتنا المختطفين، وهو سيزفّ هذه البشرى لنا. لكن لا يمكن لرئيس الدولة أن يعلن مسبقًا أنه سيدلي بتصريح مهم للغاية يوم الأربعاء القادم في مثل هذه القضية الخطيرة. لأن مثل هذه العمليات تنفذ بشكل سري ولا يمكن الكشف والإعلان عنها لأحد”.
ومن ثم أعاد زعيم المعارضة للأذهان الخطة الناجحة التي ألقت خلالها حكومة رئيس الوزراء الأسبق بولند أجاويد القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان ونقلته إلى تركيا ولا يزال حاليا في السجن، حيث قال: “أجاويد الراحل ألقى القبض على زعيم المنظمة الإرهابية وجاء به إلى تركيا، لكنه لم يكشف العملية حتى لزوجته، هكذا تدار الدولة لا كما فعل أردوغان. دماء شهدائنا سالت بسبب هذا الخطأ”.
وأضاف كليجدار أوغلو: “كان بالإمكان إنقاذهم والإتيان بهم إلى تركيا دون أن تسيل قطرة دم واحدة حتى من أنوفهم، إلا أن أردوغان نفذ العملية بطريقة تليق به. فقد أعلن مسبقًا أنه سيطلق عملية لإنقاذ الرهائن، إلا أنها أسفرت عن مقتل جميع الرهائن! كان يعتقد أنه سينقذ الرهائن من يد المنظمة الإرهابية وسيأتي بهم إلى تركيا يوم الأربعاء ليظهر على الشاشات ويقول: نحن أبطال، فقد أنقذنا الرهائن! هذا كان الهدف.. بالله عليكم هل يمكن إنقاذ الرهائن برفقة الطبول والمزامير؟ رجب طيب أردوغان هو المسؤول عن شهدائنا الثلاثة عشر لا أي شخص آخر”.
مهما كان، فإن أردوغان سيتجه إلى توظيف التطورات في تصفية آخر ما تبقى من معارضيه في أجهزة الدولة، وعلى وجه الخصوص في المؤسسة العسكرية، وليس من المستبعد أن يطلق حملة فصل واعتقال موسعة مشابهة لما نفذها ضد حركة الخدمة يتخلص بفضلها من “القادة الأوراسيين” في الجيش وامتداداتهم في شتى المؤسسات، بتهمة تورطهم في تسريب معلومات استخباراتية عن عملية إنقاذ الرهائن الأتراك إلى المنظمة الإرهابية والتسبب في مقتل المختطفينن أو أي تهمة مناسبة تحقق النتيجة المطلوبة.
ومن المؤكد أن “الأوراسيين”، الذين يمثلون الدولة العميقة “الأوراسية”، ويتمتعون بنفوذ كبير في الجيش، سيبدون رد فعل على هذه الرغبة الأردوغانية، وعندئذ لا مفر من أن يكون الجيش ساحة لـ”ليّ الذراع” بين الطرفين مرة أخرى، ولا يمكن التوقع بالأضرار التي ستلحق بتركيا دولة وشعبًا.
–