بقلم : ياوز أجار
برلين (زمان التركية) – بينما وعد الرئيس رجب أردوغان شعبه بـ”بشرى سارة”، بات الأتراك أمس السبت على وقع خبر مقتل 13 مواطنًا “مدنيًّا” على يد عناصر حزب العمال الكردستاني، بالتزامن مع العملية العسكرية التي تنفذتها القوات التركية في شمال العراق.
فقد أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن حزب العمال الكردستاني قتل 13 شخصا سبق اختطافهم في فترات مختلفة، حيث قال: “عثرنا على جثث 13 مواطنا اختطفهم حزب العمال الكردستاني الإرهابي.. استشهد 12 منهم برصاص في رؤوسهم، والأخير برصاصة في الكتف”، دون الكشف عن هوياتهم.
ومن المثير أن خبر مقتل الأتراك جاء بعد أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: “سأزفّ إلى شعبنا بشرى سارة يوم الأربعاء القادم خلال برنامج (خطاب إلى الأمة)”.
هذه التصريحات تبعتها عملية (مخلب النمر 2) العسكرية التي انطلقت في منطقة “قارا” و”دهوك” بشمال العراق، ضد عناصر حزب العمال الكردستاني، يوم الأربعاء الماضي، حيث كان من المفترض أن يعلن فيه أردوغان “بشراه السارة”.
ثم أعلن أكار أن هذه العملية العسكرية أسفرت عن قتل 48 عنصرا من حزب العمال الكردستاني، في حين زعم الأخير قتل أكثر من 30 عسكريا من الجيش التركي، لكن السلطات التركية لم تقر بذلك.
لكن يوم الأربعاء (العاشر من الشهر الحالي) جاء وولى دون أن يكشف أردوغان عن “البشرى السارة” التي تعهد بها، ليأتي بعد ذلك الخبر المؤلم حول مقتل 13 مواطنًا على يد حزب العمال الكردستاني بعدما خطفهم في وقت سابق، الأمر الذي يثير شبهات حول علاقات هذه الأحداث المتسلسلة مع بعضها البعض.
وعلى الرغم من أن خلوصي أكار قال بأن المقتولين “مدنيون”، غير أن الصحفيين والمحللين المعروفين آدم ياوز أرسلان وأمر الله أوسلو زعما أنهم كانوا مجموعة من الشرطيين والعسكريين والعناصر الاستخباراتية سبق أن اختطفهم العمال الكردستاني في السنوات السابقة.
وإذا أضفنا إلى ذلك الهجوم الإعلامي الذي شنّه ما يوصف في تركيا “الأوراسيون” المرتبطون بالدولة العميقة ضد خلوصي أكار بسبب إقدامه على تصفية عناصرهم من المناصب العسكرية في الجيش، وتخطيطه لإحالة مزيد منهم إلى التقاعد خلال مجلس الشورى العسكري القادم، فإن مقتل 13 مواطنًا قد يكون نوعًا من تصفية الحسابات بين القوى المتصارعة على القوة والنفوذ في تركيا من خلال ورقة الإرهاب.
بحسب رأي أمر الله أوسلو، المعروف بتحليلاته القريبة إلى الصواب حول تحركات وإسراتيجيات وأهداف حزب العمال الكردستاني، فإن خلوصي أكار قرر تنفيذ عملية لإنقاذ المحتجزين (العسكريين والاستخباراتيين والشرطيين) لدى العمال الكردستاني، إلا أن “جهة” داخل الجيش، لم يسمها الكاتب، كشفت لأردوغان مسبقًا عن العملية المخططة، ليعلن بدوره أنه سيزفّ إلى الشعب بشرى سارة يوم الأربعاء القادم (العاشر من الشهر)، ومن ثم توجهت هذه الجهة ذاتها إلى قصف أو قتل هؤلاء المحتجزين لدى العمال الكردستاني.
Gara neresi? 13 Vatandaş kim? Hemen söyleyelim, (PKK’nın kaçırdığı MİT, Polis, Asker) RTE’nin “Çarşamba müjdesi” için operasyon yapıldı, güya kurtarılacaklardı, birileri önce @RTErdogan’ye “müjdeyi” erkenden açıklayıp ardından kendi personelini bombalattı. Bir bakıma Roboski 2.0 pic.twitter.com/kzZffn3hyy
— Emre Uslu, PhD (@EmreUslu) February 14, 2021
في حين أن المحلل الآخر سعيد صفاء أعطى معلومات أكثر دقة حول هوية هذه “الجهة”، حيث لفت إلى أنه من المحتمل أن “القادة الأوراسيين” هم الذين كشفوا عن تفاصيل العملية المخططة لإنقاذ المختطفين من قبل العمال الكردستاني، من خلال وسائل الإعلام التابعة لهم، وذلك من أجل إحراج كل من خلوصي أكار وأردوغان الذيْن جهزا قائمة أسماء القادة والضباط الأوراسيين الواجب تصفيتهم في اجتماع الشورى العسكري القادم.
Çok büyük bir skandal bu.
Erdoğan ve Hulusi Akar tarafından önümüzdeki YAŞ’ta tasfiye edilecekler listesindeki Avrasyacı komutanlar, bu olayın ayrıntılarını ODATV veya Sözcü gibi kendilerine yakın kaynaklardan deşifre edebilirler.
Tabi kendileri de doğrudan işin içinde yoksa! https://t.co/BwIIApnU4Z
— Said Sefa (@sefa_said) February 14, 2021
والمثير أن المحلل أمر الله أوسلو وصف حادثة مقتل “13 مواطنًا” بـ”نسخة جديدة من حادثة روبوسكي” التي قصف فيها الجيش التركي “خطأ” مجموعة من المواطنين الأكراد على أنهم إرهابيون تابعون للعمال الكردستاني، في 28 ديسمبر 2011.
وقد حمّلت رئاسة هيئة الأركان العامة في ذلك الوقت جهاز المخابرات مسؤولية الغارة الجوية “الخاطئة” بسبب تقرير أرسله إليها حول استعداد فهمان حسين؛ أحد زعماء العمال الكردستاني، لهجوم إرهابي في المنطقة المذكورة.
وزير الداخلية الأسبق في حكومة حزب العدالة والتنمية في ذلك الوقت إدريس نعيم شاهين هو الآخر اتهم جهاز المخابرات، ووصف الحادثة بـ”مؤامرة مدبرة من قبل جهاز المخابرات ضد الجيش”، حيث أكد أن “مسؤولاً رفيع المستوى من جهاز المخابرات” أعطى معلومات للقوات المسلحة تفيد بأن باهوز أردال، أحد قياديي العمال الكردستاني البارزين، يعبر الحدود، وبناء على هذه المعلومة قصفت المقاتلات الجوية مجموعة من المهرّبين على أنهم مجموعة إرهابية، بينها باهوز أردال، تعبر الحدود من أجل الهجوم على أهداف تركية”.
وبأغلب الاحتمالات، فإن ما سمي “البؤرة الأوراسية” داخل الجيش والمخابرات، هي التي دبّرت هذه المؤامرة من خلال امتداداتها داخل العمال الكردستاني في وقت كانت الدولة تسعى للتخلص من بقايا الدولة العميقة “الأوراسية” عن طريق قضايا “تنظيم أرجنكون” التي بدأت في 2007 ووصلت إلى ذروتها في 2011 حيث وقعت حادثة القصف الخاطئ المذكورة.
وكانت “البؤرة الأوراسية” نجحت من خلال حادثة القصف الخاطئ عام 2011 في وضع حكومة أردوغان في موقف حرج بحيث اضطرت من جانب إلى اتخاذ قرار بوقف العمليات الأمنية والعسكرية ضد العمال الكردستاني، الذي تعتبر من أهم أوراق هذه البؤرة لتصميم السياسة الداخلية والخارجية، والشروع من جانب آخر في التحالف مع تلك البؤرة بحيث استطاع جميع المعتقلين المرتبطين بها في إطار قضية أرجنكون الخروج من السجن في عام 2014.
بحسب ما نشرته وكالة الفرات المعروفة بقربها من العمال الكردستاني، فإن قوات الدفاع الشعبي، التي تعتبر الجناح العسكري للعمال الكردستاني، زعمت في بيان أن “المقاتلات التركية قصفت المعسكر الذي كان يحتضن أسرى الحرب الأتراك”، في إشارة منها إلى أن الجيش التركي هو الذي قتل أفراده بالخطأ كما حدث قبل عشر سنوات بالضبط.
لذا من الممكن أن يكون هؤلاء “المدنيون” أو “الشرطيون والعسكريون والاستخباراتيون” ضحايا جدد لصراع القوى داخل الدولة، حيث استعجل أردوغان وأعلن عن خطة كان من المفروض أن تبقى سرًا لحين الانتهاء من تنفيذها، إلا أن هذا الاستعجال أيقظ خصومه المتربصين به، واطلعوا على الخطة، ومن ثم توجهوا إلى قتل هؤلاء المحتجزين من خلال أذرعهم الطويلة لدى العمال الكردستاني أو المقالات، ليجد كل من أردوغان وخلوصي أكار أمامهم “فضيحة كبيرة” من كل النواحي بدلا من عملية ناجحة من شأنها أن تملأ شراعهما بالرياح.
هذا ولا أستبعد أن يكون مقتل 13 مواطنًا امتدادًا لصراع أكبر وأوسع بين المعسكر الأطلسي والأوراسي (المحور الأمريكي الأوروبي والمحور الروسي الصيني)، حيث يسعى أردوغان للعودة إلى الحاضنة الأطلسية والمنتدى الأوروبي لإطالة عمر نظامه، إلا أن الأوراسيين يذكّرونه بالفاتورة الباهضة التي ستكلفه في حال محاولته الدخول إلى المدار الغربي مجددًا.