بقلم/ زغلول النجار
والليل والنهار آيتان كونيتان عظيمتان من آيات الله في الخلق تشهدان على دقة بناء الكون، وعلى انتظام حركة الأرض حول محورها المائل بقدر محدد، وبدقة فائقة في مدار محدد حول الشمس، وما يستتبعه ذلك من تحديد لسنة الأرض، وتبادل للفصول المناخية، ومرور للشهور والأسابيع والأيام، وتعاقب الليل والنهار على نصفي الأرض.
التبادل المنتظم بين الليل والنهار
إن التبادل المنتظم بين الليل المظلم والنهار المنير على نصفي الكرة الأرضية هو من الضرورات اللازمة للحياة الأرضية، ولاستمرارية وجودها بصورها المختلفة حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. فبهذا التبادل بين الظلمة والنور يتم التحكم في توزيع ما يصل إلى الأرض من الطاقة الشمسية، وبالتالي يعين على التحكم في درجات الحرارة والرطوبة وكميات الضوء في مختلف البيئات الأرضية؛ كما يعين على التحكم في العديد من الأنشطة الحياتية وغير الحياتية من مثل التنفس والأيض في كل من الإنسان والحيوان، وعمليات النتح والتمثيل الضوئي في النباتات؛ ويتم ضبط التركيب الكيميائي للغلافين الغازي والمائي المحيطين بالأرض، وضبط الكثير من دورات النشاط الأرضي من مثل دورة الماء بين الأرض والطبقات الدنيا من غلافها الغازي، وحركات الرياح والسحاب في هذا الغلاف، وتوزيع نزول المطر منه (بتقدير من الله)؛ كما تتم دورة تعرية الصخور بتفتيتها، ونقل هذا الفتات أو إبقائه في مكانه من أجل تكوين التربة أو الرسوبيات والصخور الرسوبية وما بها من خيرات أرضية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن في اختلاف الليل المظلم والنهار المنير تقسيما لليوم الأرضي إلى فترة للحركة والعمل والنشاط، وفترة للراحة والاستجمام والسكون. فالإنسان محتاج إلى السكينة بالليل كي يخلد فيه إلى شيء من الراحة النفسية بالعبادة والتفكر، والراحة البدنية بالاسترخاء والنوم والإغفاء حتي يستعيد كلا من نشاطه البدني والذهني، ويستجمع قواه فيتهيأ للعمل بالنهار التالي وما يتطلبه ذلك من القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض. وقد ثبت علميا أن أفضل النوم يكون بالليل، وأقله فائدة هو نوم النهار (فيما عدا فترة القيلولة). كما ثبت أن كثرة النوم بالنهار تؤثر في نشاط الدورة الدموية في جسم الإنسان، وتتهدده بالتيبس في العضلات، وتؤدي إلى تراكم الدهون وزيادة الوزن، وإلى العديد من صور التوتر العصبي والقلق النفسي.
وربما كان من مبررات التوجيه الرباني بالنوم بالليل والنشاط بالنهار أن طبقات الحماية التي أوجدها ربنا تبارك وتعالى في الغلاف الغازي للأرض، ومن أهمها “النطق المتأينة” وما بها من “أحزمة الإشعاع” تتمدد بالنهار فتزداد قدراتها على حماية الحياة الأرضية مما يسمح للإنسان بالحركة والنشاط دون مخاطر. وهذه النطق تنكمش انكماشا ملحوظا بالليل، مما يقلل من قدراتها على الحماية؛ فينصح الإنسان بالركون إلى النوم والراحة حماية له من تلك المخاطر. وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ (النبأ:10-11). قال تبارك وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ (يونس:67).
من هنا كان التدبر في ظاهرة تعاقب الليل والنهار دعوة إلى الخلق كافة للإيمان بالله. ومن هنا أيضا جاءت الآيات التي تشير إلى تبادل الليل والنهار في صياغة معجزة. ومن جوانب ذلك الإعجاز إشارتها إلى أعداد من الحقائق الكونية التي لم تكن معروفة وقت تنـزل القرآن الكريم، ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك مما يجزم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة الحقة والرسالة الخاتمة.
الشواهد العلمية المستقاة من تبادل الليل والنهار
1- التأكيد على كروية الأرض
فإن تبادل الليل والنهار على نصفي الأرض وتعاقبهما وإيلاج كل منهما في الآخر، واختلافهما وتقليبهما، وإدبار أحدهما وسفور الآخر، وإغشاء نور النهار بحلكة الليل، وتجلية حلكة الليل بنور النهار، وتكوير الليل على النهار، وتكوير النهار على الليل، كل ذلك إشارات ضمنية رقيقة إلى كروية الأرض. فلو لم تكن الأرض كرة ما أمكن حدوث شيء من ذلك أبدا، وأبسطه تبادل الليل والنهار على نصفي الأرض.
هذه الحقيقة العلمية جاء بها القرآن الكريم من قبل ألف وأربعمائة من السنين في وقت ساد فيه الاعتقاد باستواء الأرض لدى كل الناس، على الرغم من إثبات عدد من قدامى المفكرين غير ذلك.
ونزول الآيات القرآنية العديدة بهذه الحقيقة الكونية الثابتة في الجزيرة العربية التي كانت في ذلك الوقت القديم بيئة بدوية بسيطة ليس لها أدنى حظ من المعرفة العلمية ومناهجها ولا بالكون ومكوناته، لمما يقطع بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته، والذي هو أدرى بصنعته من كل من هم سواه، وأن سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.
2- التأكيد على دوران الأرض حول محورها أمام الشمس
فلو لم تكن الأرض كروية، ولو لم تكن تلك الكرة تدور حول محورها أمام الشمس ما تبادل الليل والنهار. وهذا الدوران عبرت عنه الآيات القرآنية في أكثر من عشرين آية صريحة بتعبيرات ضمنية رقيقة، ولكنها مصاغة صياغة علمية دقيقة، تبلغ من الدقة والشمول والكمال مالم يبلغه العلم الحديث.
وقد أنزلت هذه الآيات مؤكدة حقيقة دوران الأرض حول محورها في وقت ساد فيه الاعتقاد بثبات الأرض ورسوخها، بمعني عدم دورانها أو تحركها، وهو أمر معجز للغاية.
3- التأكيد على أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس في المراحل الأولى لخلق الكون كانت أعلى من سرعتها الحالية
وهذه الحقيقة لم يتوصل العلم المكتسب من إدراكها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين، وقد سبقها القرآن الكريم بأكثر من أربعة عشر قرنا، وذلك بالإشارة إلى هذه الحقيقة في قول الحق تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف:54).
وإغشاء النهار بالليل جاء في القرآن الكريم أربع مرات (الأعراف:54، الرعد:3، الشمس:1-4، الليل:2،1). والمرة الوحيدة التي جاءت فيها الصفة ﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ أي سريعا، هي هذه الآية الرابعة والخمسون من سورة الأعراف، لأنها تتحدث عن بداية خلق السماوات والأرض؛ وهي حقيقة مدونة في هياكل الحيوانات وأخشاب النباتات بدقة بالغة، ولم يكن لأحد من الخلق إلمام بأية فكرة عنها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين حين اكتشف العلماء أن تبادل الليل والنهار كان يتم في العقود الجيولوجية القديمة بسرعة فائقة جعلت من عدد الأيام في السنة عند بدء الخلق أكثر من ألفي يوم، وجعلت من طول الليل والنهار معاً أقل من أربع ساعات. وكان إبطاء سرعة دوران الأرض حول محورها بمعدل جزء من الثانية في كل قرن من الزمان آية من آيات الله في إعداد الأرض لاستقبال الحياة، لأن صور الحياة -وفي مقدمتها الإنسان- ما كان ممكنا أن تتلاءم مع هذه السرعات الفائقة لدوران الأرض، وكذلك مع قصر أو طول كل من الليل والنهار.
4- التأكيد على سبح الأرض في مدارها حول الشمس
يعبر القرآن الكريم عن الأرض في عدد من آياته بالليل والنهار كما جاء في قول الحق تبارك وتعالي: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (الأنبياء:33)، وفي قوله عز من قائل: ﴿لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (يس:40).
وذلك لأن كلا من الليل والنهار عبارة عن ظرف زمان وليس جسما ماديا، ولابد للزمان من مكان يظهر فيه. والمكان في هذه الحالة هو كوكب الأرض الذي يقتسم الليل نصفه، والنهار النصف الآخر في حركة دائبة وتبادل مستمر. ولولم تكن الأرض كروية، ولو لم تكن تدور حول محورها أمام الشمس لما تبادل سطحها الليل والنهار في تعاقب مستمر. ولولا جري الأرض في مدارها حول الشمس ما تغيرت البروج. ولو لم تكن الأرض مائلة بمحور دورانها على دائرة البروج بزاوية مقدارها 66،5 درجة تقريبا ما تبادلت الفصول. ولولا علم الله بجهل الناس لتلك الحقائق في الأزمنة السابقة لأنزل الحقيقة الكونية بلغة صادعة قاطعة، ولكن لكي لا يفزع الخلق في وقت تنـزل القرآن الكريم أشار إلى جري الأرض في مدارها المحدد لها حول الشمس بسبح كل من الليل والنهار. والسبح لا يكون إلا للأجسام المادية في وسط أقل كثافة منها. فالسبح في اللغة هو الانتقال السريع للجسم المادي بحركة ذاتية فيه من مثل حركات كل من الأرض والقمر والشمس وغيرها من أجرام السماء، كل في مداره وحول جرم أكبر منه. ويؤكد هذا الاستنتاج صيغة الجمع “كل في فلك يسبحون” التي جاءت في الآيتين، لأنه لو كان المقصود بالسبح الشمس والقمر فحسب، لجاء التعبير بالتثنية و”كلاهما يسبحان”.
5- التأكيد على الرقة الشديدة لطبقة النهار في الغلاف الغازي لنصف الأرض المواجه للشمس
وهي حقيقة لم يدركها الإنسان إلا بعد ريادة الفضاء، في منتصف الخمسينات وأوائل الستينات من القرن العشرين. وقد سبق القرآن الكريم هذا الكشف العلمي بأربعة عشر قرنا وذلك في قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ (يس:37).
وهذه الآية الكريمة تؤكد أن الأصل في الكون الظلام، وأن طبقة النهار في الغلاف الغازي المحيط بنصف الأرض المواجه للشمس، والتي تتحرك باستمرار لتحل محل ظلام الليل بإشراق الفجر، هي طبقة بالغة الرقة لا يكاد سمكها أن يتعدى 200 كم فوق مستوى سطح البحر. وإذا نسبنا هذا السمك إلى المسافة بين الأرض والشمس، وهي مقدرة بحوالي المائة وخمسين مليون كم، كانت النسبة واحدا إلى سبعمائة وخمسين ألفا تقريبا. وإذا نسبناه إلى نصف قطر الجزء المدرك من الكون، والمقدر بأكثر من اثني عشر بليون (ألف مليون) سنة ضوئية اختفت هذه النسبة تماما أو كادت. ومن هنا تتضح ضآلة سمك الطبقة التي يعمها نور النهار، كما يتضح عدم استقرارها لانتقالها باستمرار من نقطة إلى أخرى على سطح الأرض مع دورانها حول محورها أمام الشمس؛ ويتضح كذلك أن تلك الطبقة الرقيقة من نور النهار تحجب عنا ظلام الكون الخارجي، لأن الذين تعدوا طبقة النهار من رواد الفضاء رأوا الشمس في منتصف النهار قرصا أزرق في صفحة سوداء. وبهذه المعلومات التي اكتشفت منذ أقل من نصف قرن تتضح روعة تشبيه القرآن الكريم انسلاخ نور النهار عن ظلمة كل من الليل والكون بسلخ جلد الذبيحة الرقيق عن كامل بدنها. وهذا يؤكد أن الظلمة هي الأصل في هذا الكون، وأن النهار ليس إلا ظاهرة نورانية عارضة رقيقة جدا، لا تظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي في نصفه المواجه للشمس؛ وبواسطة دوران الأرض حول محورها أمام ذلك النجم ينسلخ النهار تدريجيا أمام ظلمة ليل الأرض والتي تلتقي بظلمة السماء.
6- التأكيد على دقة الحساب الزمني بواسطة كل من الليل والنهار والشمس والقمر
من المعروف أن السنة الهجرية هي سنة شمسية/قمرية، لأن هذه السنة تحددها دورة الأرض حول الشمس دورة كاملة تتمها في 365.25 يوما تقريبا، وأن هذه السنة تقسم إلى اثني عشر شهرا بواسطة دوران القمر حول الأرض؛ كما يقسم الشهر إلى أسابيع وأيام وليال بنفس الواسطة. وقد تقسم الشهور بواسطة البروج التي تمر بها الأرض في أثناء جريها في مدارها حول الشمس، كما تدرك الأيام بتبادل كل من الليل والنهار، ويقسم النهار إلى وحدات أصغر بواسطة المزولة الشمسية؛ ومن هنا كان القسم القرآني بالليل والنهار والشمس والقمر في خمس آيات (الأنعام:96، إبراهيم:33، النحل:12، الأنبياء:33، فصلت:37).
7- الإشارة إلى أن ليل الأرض كان في بدء الخلق ينار بعدد من الظواهر الكونية
وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾ (الإسراء:12).
ويستشف من هذه الآية ظاهرة الشفق القطبي وأطيافه والتي تعرف أيضا باسم ظاهرة الأنوار القطبية أو باسم ظاهرة فجر الليل القطبي؛ وهي ظاهرة نورانية ترى بالليل في سماء المناطق القطبية وحول القطبية، وتتكون نتيجة لارتطام الأشعة الكونية الأولية التي تملأ فسحة الجزء المدرك من الكون على هيئة الجسيمات الأولية للمادة بالغلاف الغازي للأرض، مما يؤدي إلى تأينه وإصدار أشعة كونية ثانوية. ونتيجة لذلك تتصادم الأشعة بشحناتها الكهربية المختلفة مع كل من أحزمة الإشعاع ونطق التأين في الغلاف الغازي للأرض وتفريغ شحناتها فتوهجها. والجسيمات الأولية للمادة متناهية في الدقة، وتحمل شحنات كهربية عالية، وتتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء، ولم تكتشف إلا في سنة 1936. والأشعة الكونية تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض والتي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسيين فتؤدي إلى تأين الغلاف الغازي للأرض، ومن ثم إلى توهجه.
ومن الثابت علميا أن نطق الحماية المتعددة في الغلاف الغازي للأرض من مثل نطاق الأوزون، ونطق التأين، وأحزمة الإشعاع، والنطاق المغناطيسي للأرض لم تكن موجودة في بدء خلق الأرض. ولذلك فقد كانت الأشعة الكونية تصل إلى المستويات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض فتؤدي إلى توهجه ليلا حول كافة الأرض، وبعد تكون نطق الحماية المختلفة أخذت هذه الظاهرة في التضاؤل التدريجي حتى اختفت، فيما عدا مناطق محدودة حول القطبين، تبقي شاهدة على أن ليل الأرض في المراحل الأولى من خلقها كان يضاء بوهج لا يقل في شدته عن نور الفجر الصادقت.
فسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق على لسان نبيه الخاتم: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾ (الإسراء:12).
هذه الشواهد العلمية المستقاة من تبادل الليل والنهار بدء بتأكيد كروية الأرض، ثم دورانها حول محورها، وتباطؤ هذا الدوران مع الزمن، وجريها في مدارها المحدد حول الشمس، والرقة الشديدة لطبقة النهار، والدقة الفائقة لحساب الزمن بواسطة تتابع كل من الليل والنهار والشمس والقمر، وأن ليل الأرض كان يضاء في بدء الخلق بوهج لا يقل في شدته عن نور الفجر الصادق، وأن من بقايا هذا الوهج القديم ظاهرة الفجر القطبي…
هذه الشواهد لم يصل الإنسان إلى إدراكها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين. وورودها في كتاب الله الذي أنزل على نبي أميّ صلى الله عليه وسلم في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين، ومن قبل أربعة عشر قرنا لمما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخاتم والخالد، وأن النبي والرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض، ولذلك وصفه ربه سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ (النجم:3-5).