لم يعرف التاريخ كتابا يسمى بـ”القرآن”، فهو اسم خاص بالكلام المنزل على الرسول صلى الله عله وسلم. وعمليا يعد مصطلح “قرآن” أول عنوان الحضارة الإسلامية. فرغم كونه اسم جنس دال على “الكلام المعجز المنـزل على النبي صلى الله عله وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته”(1) فقد وظف بدلالة عنوانية. والمتتبع لقصة كتابة القرآن يلاحظ أن الصحابة الذين اهتموا بتدوين القرآن كسيدنا عمر وأبي بكر وزيد بن ثابت وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يستعملون لفظة “قرآن” ببعد عنواني(2) للدلالة على هذا الخطاب المعجز.
وكان من الطبيعي أن تظهر للقرآن أسماء جديدة بعد أن جمع على عهد عمر رضي الله عنه، يقول صبحي الصالح: “ويبدو أن تسمية القرآن “بالمصحف” نشأت على عهد أبي بكر، فقد أخرج ابن أشته في كتاب “المصاحف” من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: لما جمعوا القرآن فكتبوه على الورق قال أبو بكر: التمسوا له اسما. فقال بعضهم “السفر” قال: ذلك اسم تسميه اليهود. فكرهوا ذلك وقال بعضهم: “المصحف” فإن الحبشة يسمون مثله. فاجتمع رأيهم على أن يسموه “المصحف”.(3) وبذلك صارت اللفظة عنوانا جديدا للقرآن في شكلها الجديدة، وأصبح القرآن يحمل عنوانين:
• الأول متصل بطبيعة المادة، وهو عنوان توقيفي.
• الثاني متصل بشكل المادة التي أصبح عليها، وهو عنوان تواضعي وعملي.
وبهذا فـ”القرآن” و”المصحف” هما أقدم العناوين في تاريخ الثقافة الإسلامية، ويتربعان على قمة العناوين في عصر التدوين.
ولقد أصبح القرآن الكريم مع توالي الزمن منطلقًا للعديد من المصنفات والمؤلفات والكتب التي تناولته بالشرح والتفسير، عارضة مختلف مواطن إعجازه، وكاشفة كنوزه المعرفية والدينية. والعنوان موطن يجلي المجهود الذي صرفه العقل الإسلامي في هذا المجال، كمّاً وكيفاً. وللمس هذا الجهد نشير إلى أن تدوين المعرفة الإسلامية قد مر إجرائيا بثلاث مراحل أساسية هي: مرحلة الجمع والنقل، ثم مرحلة التدوين، وأخيرا مرحلة الترتيب والتصنيف.
تعد المرحلة الأولى حاسمة لتركيزها على تحصيل ما في الصدور من معارف؛ وتطلب ذلك جهدا كبيرا تجسد في شدة الحرص على طلب كل ضروب المعرفة، ووضع الأسس الواقية من الوقوع في الزلل، والتثبت من صحة ما يجمع وينقل.
وأما المرحلة الثانية فكانت مرحلة التدبر فيما تم جمعه وتدوينه، تمهيدا للاستفادة منه في فهم القرآن والحديث في المقام الأول، والعلوم الأخرى التي نشأت على هامش الأصول الكبرى في المقام الثاني. وهي المرحلة التي صنفت فيها أمهات الكتب التي وضعت الثوابت المعرفية الأساسية للثقافة الإسلامية.
وأما المرحلة الثالثة فيمكن اعتبارها مرحلة إعادة التأمل فيما تم تدوينه من معارف بالشرح والتعليق والتفسير ووضع الحواشي.
ولكل مرحلة عناوينها المبرزة لطبيعة النشاط السائد. ويكفي العودة إلى المصنفات التي اهتمت بالتأريخ للمجهود الذهني كـ”الفهرست” لابن النديم و”تاريخ آداب العربية” لكارل بروكلمان و”تاريخ التراث العربي” لفؤاد سزكين، للوقوف على مدى التلاحم بين العنوان وطبيعة المرحلة تأليفا وتصنيفا والنشاط المعرفي السائد.
علوم القرآن ونشوء مدارس القراءات
فالنصف الثاني من القرن الهجري الأول كان هو البداية الفعلية للعنوان التخصيصي في علوم القرآن، ونشوء مدارس القراءات، التي تكونت حول عدد من التابعين الذين تلقوا القراءات عن الصحابة في المدينة والكوفة والبصرة. وأقدم كتاب معروف في الموضوع كتاب عنوانه “كتاب في القراءات” ليحيى بن يعمر (ت:89 هـ / 707م)، وهو أحد تلاميذ أبي الأسود الدؤلي؛ وكتاب آخر لعبد الله بن عامر اليحصبي (ت:118هـ / 736 م)، وعنوانه “اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق”. والراجح أن كتبا أخرى قد جرى تصنيفها في هذه المرحلة في ضوابط القراءة وقواعدها، وفي اختلاف المصاحف المستعملة في مختلف الأمصار، ولكن عناوينها لم تصل إلينا.
ويلاحظ في عناوين هذه المرحلة، على قلتها، إشارتها إلى المضمون إشارة مباشرة، زيادة على بساطة تركيبها، وأصالتها، وهي لا تعطي الانطباع بوجود تخصيص لمجال دون آخر.
لقد أصبح القرآن موضوعا للتأليف والتصنيف منذ زمن متقدم جدا، إذ لم تكد تصل نهاية القرن الأول الهجري حتى كانت تصانيف بعض علوم قد أخذت مكانتها، وبدأت شخصيتها تتبلور. وتميزت عناوين هذه المرحلة بمميزات أهمها:
1- البساطة، وتتجلى في الإحالة على طبيعة الجهد الذي لا يخرج في الغالب عن دائرة القراءة والتفسير.
2- الإحالة المباشرة على المضمون، والابتعاد عن التكلف اللغوي، والإطناب. ولذلك مبررات أهمها طبيعة المجال المشتغل فيه وهو القرآن الكريم الذي يحتم عدم التكلف؛ وطبيعة المرحلة التي تتميز بكونها بداية محتشمة ومسكونة بإعطاء فكرة صادقة عن المضمون دون زيادة.
3- سيطرة النـزعة التقريرية في بعض العناوين، وهو ما يفسر طول بعضها، كـ”كتاب اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق”.
4- تشابه عدد من العناوين في الصيغة كـ”كتاب المقطوع والموصول” الذي نجده عند عامر وعند حمزة الزيات، وكـ”كتاب القراءة” الذي نجده عند “ابن كثير” وعند “نافع”. ويرد ذلك إلى عدم نضج فكرة العنوان لدى المصنفين الأوائل. فغالبا ما يضاف مضمون الكتاب إلى مصنفه، وتلك ممارسة تجد تعليلها: في قلة المصنفات مقارنة بالمراحل الآتية، وفي الحرص على الرواية الصحيحة التي تستند على التأكد من هوية المصنف، وهو مرتكز أخلاقي وحضاري سيفتح الباب لظهور علم الجرح والتعديل.
5- الراجح أن عددا من الكتب والرسائل لم يصل إلينا في الشكل والصورة التي صيغ بها ويحتمل أن تكون العناوين الحقيقية لهذه المصنفات ضاعت وعوض بها عناوين تقريرية ومباشرة، وهو ما يرجح تناقلها مشافهة في أول الأمر، ثم تدوينها بعد ذلك.
6- وأخيرا فإن أصالة هذه العناوين ظاهرة وواضحة. فلا أثر فيها للمؤثرات الأجنبية الدخيلة، فهي من صميم الدين الجديد.
وعلى العموم ففكرة صياغة العنوان لم تكن واضحة وجلية نظرا للأسباب التي ذكرنا. فالإشارات الواردة في عناوين هذه المرحلة تعبر بشكل من الأشكال عن المدونة. فإذا قيل مثلا “كتاب ابن عباس”، فهذه العبارة عنوان على مدونة لابن عباس دوّن فيها ما فسره من آي القرآن الكريم وملاحظات أخرى.(4)
إن الغالب على عنوان هذه المرحلة هو الطابع التداولي الرامي إلى التسهيل على الراغب في التعرف على المضمون، مع ربطه بالمصدر المتمثل في اسم المؤلف. وإذا كان ضبط القراءة والتفسير هو عمق الجهد المطلوب في هذه المرحلة، فإن علة ذلك هي الحاجة إلى الفهم الصحيح للقرآن والمحافظة عليه.
وأما بخصوص الحديث فالمؤكد تاريخيا أن تدوينه كان بدأ على عهد الرسول صلى الله عله وسلم، فقد روى الإمام أحمد في مسنده أن عبد الله بن عمر كان يكتب الحديث عن رسول الله ويكتب كل ما يسمعه عنه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤيده في ذلك، وكان عبد الله يسمي الرقعة التي كتب عليها الحديث “الصادقة”(5) التي نعتبرها أول مدونة في الحديث وأول عنوان فيه. ويوازيها عنوانا آخر هو “الصحيفة الصحيحة” وأطلقه همام بن منبه على مجموع الأحاديث التي سمعها عن أبي هريرة رضي الله عنه. وتأثير العنوانين في المصنفات الحديثية سيظهر جليا في تصانيف كثيرة لاحقة. فقد عنونت الكثير من كتب الحديث بـ”الصحيح”، ولسنا هنا بصدد التأريخ لتدوين الحديث، ولكننا نرغب في تتبع التطورات التي عرفها عنوان المصنف الحديثي، لأنه يكشف عن قدر من التطور المنهجي والمعرفي الذي عرفه هذا المجال الذي توج في القرن الثالث الهجري بظهور أغلب المجامع الصحيحة التي تمثل عصارة جهود جمع الحديث ونقله من أفواه الرواة وصدور العلماء والمدونات المتفرقة.
العنونة وتدوين الحديث
وفيما يرجع إلى العنونة، فقد تطورت موازية لتدوين الحديث والتأليف فيه. يلمس ذلك من خلال بعض الكتب المصنفة خلال المراحل الثلاثة مثل “صحيفة” عبد الله بن عمرو بن العاص (الصادقة)، و”صحيفة” جابر بن عبد الله، و”الحديث” لنبيط بن شريط الأشحصي الكوفي وأمثالها من المصنفات.
الطابع الغالب على هذه العناوين هو عدم خروجها عن الإشارة إلى طبيعة المصنف، بالاكتفاء بالإحالة على المادة التي كتب عليها النص (صحيفة)، أو بنوعية المادة المكتوبة (حديث)، ونسبة ذلك إلى مدونها أو الذي وجدت عنده ساعة التصنيف والجمع، دون الاعتناء بموضوع المصنف أو محتواه. الأمر الذي يسمح بأن نتصور بنية العنوان على هذه الصيغة: الحالة (حديث أو صحيفة) + اسم المصنف.
ولا تعكس هذه العناوين وعي العقل خلال هذه المرحلة بأهمية العنوان، لأنه لم يكن غاية في ذاته؛ فقد ظل مجرد دال على شكل ومضمون المعنون. الأمر الذي يعكس انشغال علماء الحديث برغبة الإسراع في تدوينه مخافة موت حملته الذين مات عدد منهم في الفتوحات، وسيعرف هذا الجهد فيما بعد بمصطلح “تقييد الحديث”.
مهدت هذه مرحلة لظهور العلوم التي تهتم بـ”تصنيف الحديث”. وشكلت بعض هذه المصطلحات وغيرها على الأرجح اللبنات الأولى لظهور كتب كثيرة تحمل عناوينها عبارة: “مصنف”، و”سنن”، و”موطأ”، و”جامع”، و”صحيح”.
تتميز العناوين التي تمتد إلى حدود القرن الثالث الهجري بغلبة الطابع الموضوعاتي الذي يكشف عن وجود نزعة تقريرية في أغلب العناوين إن لم نقل كلها، إذ تحمل كل مدونة عنوانا يحيل على موضوعها (الأحاديث، كتاب الدعاء، كتاب الصلاة).
والمتنعم في الأسماء سيلاحظ أن العنوان ظل ميالا إلى البساطة إلى حدود القرن الثاني الهجري، ولم تخرج هذه البساطة في الغالب عن إطار كلمة أو كلمتين (كتاب السنن، أحاديث، المناسك…). وسيعرف النصف الأول من القرن الثالث تغييرا في بنية العنوان بميله إلى التركيب (كتاب الأمالي في آثار الصحابة – معرفة الرجال وسؤالات إبراهيم بن عبد الله الجنيد الختلي – كلام يحيى بن مصعب في الرجال “كتاب المجروحين”). كما تجسد هذه العناوين دخول الحديث وعلمه مرحلة جديدة تميزت بالرغبة في التجديد وتدقيق الإشارة إلى المحتوى وضبط المادة، مما يعد امتدادا لطبيعة العنوان في المرحلة السابقة، ولكن مع ميل إلى التعامل مع الحديث في إطار موضوعات دقيقة، ككتاب المناسك، وكتاب الجهاد، وكتاب الصلاة، وكتاب البر والصلة.
ونلمس في عدد من العناوين البواكر الأولى لاستقلال كل علم من علوم الحديث بشخصيته وتخصصه كـ”معرفة الرجال”، و”طبقات الرواة”، التي حملت في أحشائها بوادر بعض علوم الحديث الأساسية كعلم الرجال أو علم الجرح والتعديل أو طبقات المحدثين.
وتبدو هذه العناوين في الأخير أحادية الاتجاه لكونها مسكونة برغبة إخبار المتلقي بالمضمون في المقام الأول. الأمر الذي لا يترك مجالا للعناية بالعنوان من الناحية الفنية، نظرا لسيطرة النزعة النفعية في بعدها الأخلاقي الديني على كل العناوين.
على الرغم من عدم وجود حدود صارمة تفصل مرحلة سابقة عن أخرى لاحقة في مجال المعرفة، فإن المرحلة اللاحقة ستعرف دخول علم الحديث مرحلة جديدة شكلا ومضمونا. وقد عكس العنوان هذا التحول الذي تجسد في العطاء الكثير وظهور أئمة الحديث الكبار كالبخاري ومسلم والترمذي.
إن الملاحظة الأساسية التي تنطق بها مؤلفات هذا القرن هي غزارة التصنيف في هذه المرحلة، فهي كثيرة يمكن العودة إليها في الكتب التي تؤرخ للتراث. فالقرنان الثالث والرابع عرفا حركة فكرية نشيطة في كافة المجالات. وعلم الحديث أحد تلك المجالات التي تجسد فيها النضج الفكري والحضاري للثقافة. والمتأمل في هذه العناوين سيلاحظ توجهها إلى:
1- الموسوعية، وتتجلى في الدلالة على عمق الاستقصاء والجمع (الجامع الصحيح – التاريخ الكبيبر – كتاب الطبقات – كتاب السنن…).
2- التخصص، ويتمثل في تدقيق موضوع الكتاب (كتاب الضعفاء – كتاب الكنى – كتاب رفع اليدين في الصلاة – كتاب العلل – كتاب الجمعة…)، ويتمثل كذلك في بروز هوية أهم علوم الحديث كعلم الرجال المرتبط بعلم الجرح والتعديل، وعلم الرواة وطبقاتهم.
وإضافة إلى ذلك فإن الطابع التاريخي صار ميزة تسيطر على أغلب العناوين نظرا لارتباط علم الحديث بالتوثيق، وضرورة التيقن من سلامة رجال الحديث ونزاهتهم، إضافة إلى عامل المدة الفاصلة بين عصر هؤلاء المؤلفين وعصر الرسول صلى الله عله وسلم والصحابة والتابعين.
أسباب العنونة الطويلة
وعلى مستوى الصياغة بقي عنوان هذه المرحلة مشدودا إلى صورة الصياغة القديمة من حيث البساطة، وغلبة البنية الاسمية، وانعدام التركيب إلا نادرا، والارتباط المباشر بالمضمون، الذي أدى في بعض الأحيان إلى صياغة عناوين طويلة دون أن يصبح ذلك قاعدة كـ”تسمية الإخوان الذين روي عنهم الحديث” وكـ”معرفة المجروحين من الرجال”. ويجسد الطول النسبي لهذه العناوين التطور الذي عرفته مضامين المؤلفات والتي بدأت تجمع بين الجمع والشرح والتفسير. فصياغة العنوان أصبحت تتم في ضوء الحرص على تقديم صورة دقيقة عن المؤلف. ويلمس ذلك بالعودة إلى “الجامع الصحيح” للبخاري. فقد قسم إلى كتب، ويدل مصطلح كتاب على الجزء أو الفصل، ولا يتجاوز العنوان مصطلح “كتاب” مضافا إلى كلمة واحدة تدل على الموضوع المراد الوقوف عنده كـ”كتاب الإيمان، وكتاب العلم، وكتاب الوضوء…”. وهي بنية مركزية يجري تقسيمها إلى أبواب، ويحمل كل باب عنوانا قد يتسع طوله بحسب تشعب الموضوع كـ”باب الإيمان، وباب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام…”. وكان البخاري حريصا فيما يبدو على أن يكون للباب عنوان يدل على مضمونه دلالة واضحة وبسيطة تسهل على المتلقي الوصول إلى مبتغاه.
ومن هنا يمكن القول إن البخاري في جامعه قد كان معنيا بمتلقيه؛ فالبعد التداولي في بنية العنوان التي تنطلق من استكناه أفق انتظار المتلقي يتحكم فيها عاملان؛ عامل ديني يتمثل في تسهيل الوصول إلى القضية الدينية كما وردت عن الرسول صلى الله عله وسلم، وعامل موضوعي يتمثل في تنظيم المعرفة الدينية المتضمنة في الصحيح.
ونظرا لأهمية صحيح البخاري في حياة المسلمين الدينية، لقي عناية كبيرة جدا. والعناوين المصنفة على هامشه شرحا وتفسيرا وضبطا تجسد ذلك. وهي جهود بدأت مع تصنيفه واستمرت إلى حدود القرن السابق، بل وما تزال إلى اليوم. وأهم ما يسجله المتأمل فيما صنف على هامش هذه الموسوعة هو الكثرة والدقة والموسوعية والتنوع. وهي عناصر تحمل أكثر من دلالة، نتبينها من خلال تحليل بعض النماذج العنوانية مثل “منحة الباري في جميع روايات البخاري”، و”شرح مشكل البخاري”، و”العقل الجلي في حل إشكال الجامع”، و”الإفهام لما في الصحيح من الإبهام”، و”نفحة المسك الدّاري لقارئ صحيح البخاري”، و”المتجر الربيح على الجامع الصحيح…”.
تدل هذه العناوين دلالة مباشرة على مضامينها، وهي تحمل في طياتها بعدا دلاليا دقيقا يدل على حاجات المتلقي المتزايدة إلى الجامع الصحيح، تبعا لتغير أوضاع الحضارة؛ وتدل من جهة أخرى على تبعيتها إلى مصدر واحد ترفع من قيمته التداولية بين الناس مع عمق الإشارة إلى الموضوع المعالج.
ومن الخصائص المتصلة ببعض العناوين، تمثيلها لطبيعة المرحلة من الناحية الفنية. فابتداء من القرن الثامن أخذ العنوان يأخذ مسلكا غير معهود من قبل، وهو سيطرة الصنعة في بنائه من خلال التركيز على التناغم الموسيقي المتمثل في السجع والجناس والطباق. فالعنوان كغيره من ضروب المعرفة الأخرى عكس مستوى الضعف الذي عرفه العالم الإسلامي والذي تجسد في العناية بالأشكال قبل المضامين، وإن كانت هذه الصنعة تعكس عناية بالمتلقي.كما تعكس بعض العناوين صورة الحياة التي عاشها المسلمون على امتداد الرقعة الإسلامية، ويتجلى ذلك في الرياض والرياحين والأنهار والأزهار التي تضمنتها بعض العناوين مثل كتاب “روضة العقلاء ونزهة الفضلاء”.
وحسبنا في هذه العجالة أن ننبه المهتمين والباحثين إلى قيمة البحث في مجال العتبات التي يتحتم المرور منها قبل الولوج إلى النص.