القاهرة (زمان التركية) – ناقشت الباحثة منى سليمان جاد المولي، رسالة الدكتوراه وحصلت عليها بتقدير امتياز من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، يوم الثلاثاء 5 يناير 2021.
وقد تكونت لجنة المناقشة من الأستاذ الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بالكلية، ومدير معهد البحوث العربية السابق، والاستاذة الدكتورة نورهان الشيخ، والسفير المصري السابق بتركيا الدكتور عبد الرحمن صلاح.
وجاءت الرسالة بعنوان “التدخل العسكري كأداة لتغيير السياسة الخارجية التركية تجاه المنطقة العربية منذ 2011″، وتناول موضوع الدراسة التحول في السياسة الخارجية التركية تجاه الدول العربية، حيث إنها كانت تعتمد على أدوات القوة الناعمة في التعامل مع الدول العربية خلال الفترة (2002-2011)، ثم تحولت للاعتماد على الأداة العسكرية والتدخلات العسكرية المباشرة في الدول العربية التي أدت لتنفيذ أنقرة 8 عمليات عسكرية مباشرة منذ 2011 أدت لاحتلال تركيا لأجزاء واسعة ومدن كاملة بشمال سوريا والعراق، كما كثفت أنقرة من انتشارها العسكري في عدد من الدول العربية وقامت بإنشاء قواعد عسكرية لها في قطر والصومال وليبيا، مما يعد اختراقًا مباشرًا للأمن القومي العربي ويتطلب صوغ موقف عربي موحد لمواجهة هذه التدخلات العسكرية التركية.
واعتمدت الرسالة في الإطار النظري لها على نظرية الواقعية الجديدة وتياراتها المختلفة، وكذلك اعتمدت على نموذج “تشارلز هيرمان” للتغير في السياسة الخارجية الذي يرجع التغير في السلوك الخارجي للدولة لأربع عوامل هي (القيادة السياسية، البيئة الإقليمية والدولية، تغير الجهاز الإداري للدولة، المجتمع الداخلي)، كما تناولت مفاهيم الدراسة مفهوم “المنطقة الآمنة” كمفهوم جديد على حقل العلاقات الدولية.
وجدير بالذكر أن أنقرة تسعى لانشاء منطقة آمنة تسيطر عليها شمال سوريا بعمق 30كم داخل الحدود السورية.
وقد تم تقسيم الرسالة لأربعة فصول تناول الأول محددات التغير في السياسة الخارجية التركية تجاه الدول العربية منذ 2011، وانقسم بدوره للمحددات الداخلية والخارجية للسياسة الخارجية التركية منذ 2011 ـ واهتم الفصل بالأطر الفكرية للسياسة الخارجية التركية، وتم التركيز فيها على الأطروحات الفكرية التي طرحها وزير الخارجية الأسبق “أحمد داوود أوغلو” نظرا لكونه أهم منظر للسياسة الخارجية التركية خلال العقدين الأخيرين، كما أن معظم الكتابات التركية والأجنبية تتناول كتابه بالنقد والتحليل. تطرق أيضًا للأطر الفكرية الجديدة المفسرة للتدخل العسكري التركي “كعقيدة الوطن الأزرق” و”عقيدة أردوغان”. ثم تناول الفصل الثاني تطور السياسة الخارجية التركية تجاه المنطقة العربية منذ 2011 وتحولها من القوة الناعمة وأدواتها للتعامل مع الدول العربية للقوة الصلبة والتدخلات العسكرية.
ثم تناولت الرسالة الحالات التطبيقية للتدخلات العسكرية التركية في الدول العربية منذ عام 2011، حيث تناول الفصل الثالث التدخلات العسكرية التركية المباشرة في العراق وسوريا، وتناول الفصل الرابع حالات الانتشار العسكري التركي في الدول العربية منذ 2011 من خلال إنشاء القواعد العسكرية التركية بقطر والصومال، وتقديم دعم عسكري مباشر لحكومة “الوفاق” الليبية.
وقد خلصت الدراسة إلي أن ..
–السياسة الخارجية التركية الحالية تحركها عقيدتان هما “الوطن الأزرق” الذي تسعى من خلاله للسيطرة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وبحر إيجه، وتكون أنقرة هي القوة البحرية الأولى في هذه السواحل. والعقيدة الثانية هي “عقيدة أردوغان” الذي ينتمي للتيار “الشعبوي” ويعمل على استخدام الأزمات السياسية لتأجيج الصراعات وحشد الأصوات الانتخابية. وكلتا العقيدتين تفضلان استخدام الأداة العسكرية في التحركات الخارجية، بيد أن ذلك ربما يتغير بفعل الضغط الإقليمي والدولي.
– “أردوغان” نفذ عدة أشكال من التدخلات العسكرية في الدول العربية، ومنها المباشرة من خلال العمليات العسكرية في شمال سوريا والعراق التي أسفرت عن احتلال تركي فعلي لعدة منها بتلك المنطقة، والغير مباشرة عبر دعم الميليشيات المسلحة كما حدث بليبيا، وتعزيز تواجده العسكري عن طريق إنشاء قواعد عسكرية كما حدث بقطر والصومال والسودان. كما أنه أول رئيس تركي يعتمد على المرتزقة والميليشيات المسلحة لمساندة جيش بلاده لتنفيذ عمليات عسكرية، وهذا لسيببين .. معالجة النقص في الكفاءات والمهارات بالجيش التركي عقب تسريح مئات الضباط بذريعة التورط في الانقلاب الفاشل عام 2016، وتقليل الخسائر البشرية بالجيش التركي، ثم استغلال هؤلاء المرتزقة في عمليات عسكرية أخرى لتهديد وابتزاز دول المنطقة العربية وجنوب أوروبا من خلال تواجدهم في سوريا وليبيا.
– منطقة شمال سوريا بالكامل شرقًا وغربًا ستخضع لتقاسم النفوذ بين ثلاثة فاعلين دوليين هم تركيا، و(روسيا وسوريا)، والولايات المتحدة الأمريكية. وسيكون للفاعلين من غير الدول تواجد مستمر في هذه المنطقة، حيث ستعتمد أنقرة وموسكو وواشنطن عليهم في القيام ببعض المهام الأمنية، وستتواجد عناصر الفصائل المعارضة المسلحة “الجيش الحر” المدعومة من تركيا، كما ستتواجد الميليشات التابعة للدولة السورية، وكذلك قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد)، مما ينذر باستمرار عملية ترسيم الحدود بين أصغر المدن والقرى في تلك المنطقة ليحقق كل فاعل دولي وإقليمي مصلحته فيها. كما سيستمر التواجد العسكري التركي على الشريط الحدودي العراقي حتى استقرار الدولة العراقية.
– إن هدف “أردوغان” الأخير هو تطبيق السيناريو القبرصي علي شمال سوريا والعراق، بمعنى السيطرة على عدة مدن بشمال سوريا والعراق بعد اجتياح عسكري ثم إدارتها سياسيًا بفعل حلفائه المحليين، و”تتريك” كافة تلك المدن والتعامل معها باعتبارها “مستعمرة” تابعة لتركيا. بيد أن قوات الجيش التركي المتواجدة هناك ستتعرض دوما لعمليات انتقامية مستمرة من قبل قوات “قسد”.
وقد أوصت الدراسة الدول العربية المؤثرة مثل مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بضرورة استمرار التنسيق والتعاون فيها بنيها لمواجهة السلوك التركي الخارجي الذي يمثل تدخلًا سافرًا في الشأن العربي الداخلي، فضلا عن احتلال تركيا لعدد من مدن شمال سوريا والعراق، وكذلك الانتشار العسكري التركي في عدد من الدول العربية من خلال إقامة قواعد عسكرية أو تقديم دعم لوجيستي لها.
وذلك من خلال وضع خطة عربية لإعادة الإعمار للعراق وسوريا، وإيجاد حل نهائي للقضية الكردية لإنهاء الذرائع التركية للتدخل العسكري في شمال سوريا والعراق.