بقلم: ياوز أجار
بروكسل (زمان التركية) – تشير نتائج استطلاعات الرأي لعام 2020 إلى خسارة تحالف “الجمهور” الحاكم في تركيا أصواتا عديدة في حال عقد انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، إذا قارنا ذلك مع الوضع في عام 2018؛ بينما المعارضة تزداد شوكتها قوة بمرور الوقت، ولعل أبرز الأدلة على ذلك اكتساح تحالف “الشعب” المعارض البلديات الكبرى في انتخابات المحليات عام 2019.
نتائج آخر استطلاع رأي أجرته مؤسسة “متروبول” التركية للبحوث والدراسات في نهاية عام 2020 تشير إلى أن أصوات داعمي التحالف الحاكم لا تتجاوز 36.6% (العدالة والتنمية 30.6%؛ الحركة القومية 6%)، كما أظهرت أن رئيس بلدية أنقرة المعارض منصور يافاش يتقدم على الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بحوالي 3.5% في حال ترشحه لمنصب الرئاسة.
لا شكّ أن هذا المشهد يقضّ مضجع أردوغان ويدفعه إلى تطوير إستراتيجيات متعددة الخيارات ليضمن لحزبه العدالة والتنمية “الحكومة المنفردة”، ولنفسه “منصب الرئاسة” لفترة جديدة، ولو بدعم حلفائه من الخارج.
تحركات أردوغان في الأشهر الأخيرة تشير إلى أنه بنى إستراتيجيته لعام 2021 على أساس “تعزيز الصف الداخلي لتحالف الجمهور بحلفاء جدد” و”إحداث تصدعات في صفوف تحالف الشعب المعارض”، المكون من أحزاب “الشعب الجمهوري” و”الخير” و”الشعوب الديمقراطي” و”السعادة”، وكل ذلك من أجل الحفاظ على نظامه الذي تدل كل الأمارات على أنه أكمل عمره الطبيعي منذ زمن طويل.
حديث أردوغان عن تنفيذ إصلاحات قضائية واقتصادية في نهايات العام الماضي لم يكن عبثًا أبدًا، بل إنه حاول من خلاله بعث رسائل إلى “الغرب”، لجسّ نبضه للتثبت مما إذا كان سيوافق على رغبته في العودة إلى “البيت الأطلسي” مجددًا أم لا، لكن كل من واشنطن وبروكسل فرضت عقوبات على تركيا وأعلنتا اعتزامهما على توقيع مزيد من العقوبات في الفترة المقبلة.
ربما فكر أردوغان في التخلي عن حليفه الحالي حزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي والتوجه إلى التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي والعودة إلى مفاوضات السلام “الكردي” التي بدأت مع حزب العمال الكردستاني في 2011 ثم توقفت في أعقاب انتخابات عام 2015 لأغراض سياسية.
لكن بعدما أشهر الغرب “البطاقة الحمراء” في وجهه، قرر أردوغان الاحتفاظ بحليفه “القومي” منذ عام 2015، مع البحث عن حلفاء آخرين لتوسيع نطاق التحالف، حيث قام مؤخرا بزيارة بهجلي في “منزله” – بدلاً من دعوته إلى قصره – أربع أو خمس مرات لعرض إستراتيجيته الجديدة عليه والحصول على موافقته و”البؤرة” التي يمثلها في الدولة.
وقال أردوغان عن اجتماعه مع بهجلي إنهما يلتقيان من حين لآخر لبحث سبل تعزيز التحالف القائم بينهما، وتقديم تحليلات تتعلق بـ”المستقبل السياسي” في البلاد، وقضايا تتعلق بـ”مكافحة الإرهاب”، إلى جانب تبادل وجهات النظر حول التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة.
ثم أجرى أردوغان زيارة مفاجئة لرئيس اللجنة الاستشارية العليا لحزب السعادة ذي “التوجه الإسلامي” أوغوزهان أصيل ترك في منزله أيضًا، بعد فترة انقطاع بين الطرفين دامت أكثر من 18 عامًا، وهو يعتبر “الأب الروحي” للحزب، وكان ثاني أكبر شخصية في حزب الرفاه بعد قائده الراحل نجم الدين أربكان.
من الظاهر أن التفاف أردوغان على الرئيس العام لحزب السعادة تمل كرم الله أوغلو، الذي خطف الأضواء في الآونة الأخيرة بممارسة “معارضة نوعية” ضد سياسات الحكومة من خلال فيديوهات قصيرة نشرها على الإعلام الاجتماعي، والتقائه بأصيل ترك مباشرة له أهدافه.
كرم الله أوغلو انضمّ إلى تحالف الشعب المعارض في انتخابات 2019 البلدية، وما زال يوجه انتقادات لاذعة لسياسات أردوغان، في حين تقول الكواليس بأن أصيل ترك يميل إلى تحالف الجمهور الحاكم، ويلتزم الصمت أمام أخطاء الحكومة، ويبدو أن أردوغان يستثمر في هذا الخلاف، لذا يتغاضى عن الأول ويلتقي الثاني مباشرة اعتقادًا منه بأنه من يمسك بزمام الأمور في الحزب، في مسعىً لهدم أحد أركان التحالف المعارض.
ومع أن أصيل ترك قال “إنه من السابق لأوانه الحديث عن اتفاقية أو تحالف مع حزب العدالة والتنمية”، إلا أن أردوغان صرح أن زيارته لـ”السيد أوغوزهان أصيل ترك” كانت تهدف إلى بحث إمكانية اتفاقية انتخابية ووقوف حزب السعادة إلى جانبهم بينما يخوضون في غمار “مكافحة الإرهاب” من أجل المستقبل.
أردوغان، الذي سبق أن قال لرجاله ومستشاريه: “متى ما اتصل السيد أصيل ترك يجب عليكم التعامل معه بحساسية بالغة مثلما تعاملون معي دون أي تقصير”، يسعى من خلال استغلال أصيل ترك إلى إثارة بلبلة في حزب السعادة تسقطه في يده في نهاية المطاف.
ليس حزب السعادة هو الوحيد الذي يتعرض لـ”عملية” على يد أردوغان، بل إن الرئيس يقود عمليات مشابهة ضد كل الأحزاب المعارضة من أجل إضعافها، فهو سبق أن أجرى زيارات مشابهة لكل من قادة حزب الهدى، الذي يعتبر الجناح السياسي لحزب الله “الكردي”، الذي يسعى إلى توظيفه في منع توجه الأكراد إلى حزب الشعوب الديمقراطي، والحزب الديمقراطي اليساري الذي يأمل منه أن يسرق نسبة معينة من أصوات حزب الشعب الجمهوري.
وذلك فضلاً عن أن أردوغان يجري منذ فترة طويلة عملية داخل حزب الشعب الجمهوري أيضًا، حيث دفع عديدًا من “بيادقه” إلى الساحة، منهم مصطفى ساري جول، الرئيس الأسبق لبلدية شيشلي في إسطنبول التابعة للشعب الجمهوري، حيث كلفه بتأسيس “حزب التغيير” في عام 2020، إلى جانب محرم إنجي، المرشح الرئاسي السابق من الحزب نفسه، حيث أطلق حركة تحت مسمى “حركة الأناضول” قبيل تأسيسه حزبًا جديدًا يرفع “راية العصيان” ضد زعيم الحزب كمال كليجدار أوغلو.
على الرغم من أن إجمالي نسبة الدعم الشعبي الذي تحظى به أحزاب “السعادة” و”الهدى” و”التغيير” و”الديمقراطي اليساري” لا تتجاوز 4%، إلا أنه إذا وضعنا في الحسبان أن الفارق بين أردوغان وأقرب خصومه على منصب الرئاسة هو 3.5% فقط فإن زيارات أردوغان ولقاءاته مع الأحزاب الصغيرة تكتسب أهمية كبيرة.
من جانب آخر، يسلط أردوغان حليفه القومي دولت بهجلي على حزب الشعوب الديمقراطي، حيث يطالب بإغلاقه بتهمة “الإرهاب”، بدعوى صلته بحزب العمال الكردستاني “الإرهابي”، رغم أنه هو الشخص الذي عارض إعدام زعيم هذا الحزب عبد الله أوجلان في بديات الألفية الثالثة، كما أن المخابرات سبق أن استخدمته لتحقيق أهداف سياسية.
وهناك مؤشرات تدل على أن أردوغان يحاول ربط حزب الشعب الجمهوري بحزب جبهة التحرير الشعبية الثورية “الإرهابية”، لكي يتمكن من رفع دعاوى ضد قيادات الحزب بتهمة الصلة بالإرهاب أيضًا، وهذا هو السبب الذي يقف وراء وصفه رئيسة شعبة الشعب الجمهوري في إسطنبول جانان كفتانجي أوغلو، وكذلك طلاب جامعة البوسفور بـ”الإرهابيين”، زاعمًا وجود صلة بينهم وبين هذه الجبهة.
لكن إذا نظرنا إلى التصريحات التي أدلى بها أردوغان عن زعيم المعارضة كليجدار أوغلو قائلاً: “إرسال العقلية التي تتخذ من العداء أساسًا لسياساته إلى مزبلة التاريخ واجب تقع على عنقنا. إن شاء الله سننجح في إنشاء معارضة محلية ووطنية تعمل لصالح تركيا”، فإن ما يعده للشعب الجمهوري يبدو أكبر مما نتوقع.
كل هذه الاستعدادات سببها معروف، وهو أن أردوغان يخطط لعقد انتخابات مبكرة في منتصف العام، وغالبا في شهر يونيو، ليخرج أمام الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن وكذلك قادة دول الاتحاد الأوروبي كرئيس قوي جدد ثقته الشعبية، ويحبط مساعيهم الرامية إلى التخلص منه عن طريق الدعم الديمقراطي للمعارضة، كما سبق أن صرح بايدن أكثر من مرة.
فإذا نجحت إستراتيجية خلق تصدعات في صفوف التحالف المعارض، فإن أردوغان لن يتردد في عقد انتخابات مبكرة تثبت “قدرته”، لكن إذا جاءت نتائج هذه الانتخابات “بما لا تشتهيه سفنه”، فإنه سيستخدم كل الإمكانيات المشروعة وغير المشروعة للبقاء على رأس السلطة حتى عام 2023.
لذا نرى أن أردوغان توجه لاتخاذ تدابير “استثنائية” خشية أن تسفر الانتخابات عن نتائج سلبية؛ حيث أصدر مؤخرًا قرارًا يسمح لقوات الأمن والشرطة باستخدام أسلحة الجيش للتصدي لما سماه “القلاقل الشعبية”، القرار الذي يؤكد كل من المحللين التركيين المعروفين أمر الله أوسلو وجوهري جوفين أنه سوف يستخدمه في قمع احتجاجات المعارضة السياسية والمدنية التي من المؤكد أنها ستندلع إذا لم يعترف بنتائج الانتخابات في حال خسارته.
كل الأمارات تدل على أن تحالف الشعب المعارض سيواصل الصمود أمام هذه “الألاعيب” وسيكرر النجاح الذي حققه في انتخابات 2019 البلدية، إذا سارت الأمور في مجراها الطبيعي، وهو الأمر الذي قد يدفع أردوغان إلى البحث عن “هدية إلهية” جديدة تقدم له السلطة مجددًا في طبق من الذهب، كما وصف سابقا المحاولة الانقلابية في عام 2016، التي وظفها لتطبيق النظام الرئاسي المستفتى عليه في العام التالي.
–