بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – صدر حديثا التقرير السنوي لأكثر ٥٠٠ شخصية مسلمة تأثيرا على مستوى العالم، وبالطبع أحببت أن أطالع التقرير لا سيما أنه يعد مؤشرًا مهمًا للتوجه العام للعالم الإسلامي على المستوى السياسي والاجتماعي والديني والقيمي.
فالمفترض أن هذه الشخصيات الأكثر تأثيرا تعد قدوات للأجيال الشابة والناشئة، ولقد ألقى فيروس كورونا بظلاله على التقرير، إذ يطالع القارئ تقريرًا مفصلًا عن إصابات كورونا حول العالم، لا سيما العالم الإسلامي، ثم ينتقل التقرير للتعريف بأهم ٥٠ شخصية على مستوى العالم الإسلامي، حيث يفرد التقرير صفحة كاملة لكل شخصية ملحقة بصورة لتلك الشخصية ونبذة عن حياته وإنجازاته أو أهم الأعمال التي من المفترض على القارئ أن يعرف من خلالها لماذا تم اختيار تلك الشخصية باعتبارها أحد أهم الشخصيات الإسلامية تأثيرا على مستوى العالم.
ثم كانت المفاجأة التى وقعت على قلبي وقعا موجعا ومؤلما أيما ألم بالطبع لم يكن في حسباني أن مطالعة التقرير السنوي ستكون لأهم الشخصيات الإسلامية ستستدعي مني كتابة مقالة أدعو فيها الرأي العام الإسلامي للوقوف والتأمل والمراجعة والنقد الذاتي الذي يلح على الضمير الإسلامي والإنساني، بل يستدعي أيضا للتساؤل ما هي النماذج التي نقدمها للأجيال الشابة والناشئة؟ وما هي القيم التي ندعوهم ليتخذوها في حياتهم؟ بل ما هي الأحلام التي نزرعها في عقولهم؟
نعم عزيزي القارئ، لا أكذبك الحديث، لقد كانت صدمة وقعها ثقيل على عقلي وقلبي أن يطالعني التقرير بأن أكثر شخصية إسلامية أكثر تأثيرا على مستوى العالم هي شخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان!!!
لا بد أنك تفاجأت عزيزي القارئ المطلع على مجريات الأحداث على مستوى العالم، وعلى مستوى الداخل التركي. نعم أردوغان الذي ساعد داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية بصورة مباشرة وغير مباشرة. والأمر لم يعد سرا على أحد هو أكثر شخصية إسلامية مؤثرة على مستوى العالم، فليستحِ العالم الإسلامي من تقديم هذا النموذج.
وبرغم أن التقرير يتحدث عن الانتهاكات التي مارسها أردوغان بحق أتباع حركة الخدمة والمنتسبين لفكر المفكر فتح الله كولن الذي يتهمه أردوغان بأنه هو العقل المدبر لانقلاب 15 يوليو 2016، إلا أن العالم بات يعرف أن هذا الانقلاب لم يكن سوى مسرحية قام بها أردوغان ليقضي على كل الأصوات التي تخالف آرائه وتصوراته الأيدلوجية كما في حالة كولن. بالطبع ليس هذا رأي ينبع عن هواي الشخصي، فقد أثبتت العديد من التقارير الدولية هذه الحقيقة لاسيما التقارير الاستخباراتية التي تؤكد أن لا علاقة لكولن من قريب أو من بعيد بتلك المسرحية، وإنما هي أكذوبة تما اختلاقها بالضبط كما فعل هتلر عندما أحرق مبني الرايخستاغ عام 1933، إلا أن أردوغان الذي هو صاحب تلك المسرحية وما بعدها من انتهاكات لحقوق الإنسان في تركيا واعتقالات يومية لآلاف الأشخاص بدون أي ذنب سوى أنهم لا يتفقون مع أيدلوجيته التي تدعو للعنف وترسيخه، أردوغان الذي حول تركيا إلى سجن عام لكل صاحب رأي ولكل صحفي حر، والذي قام بإغلاق تويتر أكثر من مرة ويقوم بملاحقة كل ذي رأي مخالف على وسائل التواصل الاجتماعى في تركيا، بل وفي العالم العربي عن طريق اللجان الإلكترونية التابعة له هو أكثر شخصية إسلامية تأثيرا على مستوى العالم! ! ! فليستحِ العالم الإسلامي ولتستحِي الإنسانية…
ثم يأتي التقرير ليذكر أنه أردوغان قام بإعادة فتح كنيسة أياصوفيا للصلاة مرة ثانية. والتساؤل هل كانت تركيا في حاجة لتحويل كنيسة إلى مسجد، بينما العارف بالوضع الديني في تركيا يعرف أن الجوامع التركية لا تمتلئ إلا في الجمع فقط… ونعلم جميعا أن إعادة استخدام كنيسة أيا صوفيا وتحويلها لمسجد لم يكن سوى استخدام قميء للدين داخل اللعبة السياسة التي يستخدمها أردوغان. والمطلع يعرف أن أردوغان علاقته بالدين تقتصر على اعتبار الدين أداة قمع لكل من يخالفه بترويجه وبمساندته لمن يرون فيه شخصا حاز على كل أوصاف الإله – حاشا لله – (كما زعم نائب سابق من حزبه). ثم يخبرك التقرير بأنه الشخصية الإسلامية الأكثر تأثيرا على مستوى العالم !!! فليستحِ العالم الإسلامي ثم فليستحِ العالم الإسلامي، ولنستحِ جميعا من اعتبار هذه الشخصية تمثل الإسلام أو العالم الإسلامي...
يقول التقرير لك إن تركيا اتخذت إجراءات حاسمة في مواجهة كورونا ليحاول أن يقنعك بأن القطاع الطبي في تركيا يقوم بأكثر من اللازم، بينما التقارير الموثقة لحقيقة الوضع الحقيقي على أرض الواقع ستخبرك بأن هناك عجزا كبيرا في القطاع الطبي في تركيا، لا سيما بعد أن قام أردوغان بتعريض قرابة 21 ألف ما بين دكاترة وممرضين وعاملين في القطاع الطبي لأنواع مختلفة من الاضطهاد ما بين اعتقال لأطباء وممرضين وإيقاف لهم وإغلاق لمستشفيات.. والقائمة طويلة بحيث لا يتسع لها هذه المقالة. والنتيجة هي أن عدد الاصابات بفيروس كورونا لا زالت تتزايد بل إن الاصابات في تركيا تتجاوز المليونين لتأتي تركيا في قائمة أكثر عشر دول ينتشر بها فيروس كورونا ووفيات تتجاوز 21 ألف شخص. بالطبع لا يمكن المزايدة في هذا الموضوع؛ لأن كل دول العالم تأثرت بصورة كبيرة جراء تفشي فيروس كورونا، ولكن ما يدعو للذهول والتعجب هو اعتبار الرئيس التركي أكثر شخصية إسلامية مؤثرة على مستوى العالم؛ لأنه اتخذ إجراءات جادة في مواجهة فيروس كورونا!!! فليستحِ العالم الإسلامي من هذا النموذج، ليستحِ العالم الإسلامي من أجل المرضى ولأجل شهداء كورونا…
إن الضمير الإنساني الحي يستحي من تقديم أردوغان كمثال يمثل الإنسانية، فلماذا لا يستحي العالم الإسلامي من تقديم شخصية استغلالية كاذبة مدعية بأنها تمثل أي شيء له علاقة بالإسلام. هل الإسلام يمثله شخص ينتهك حقوق الإنسان ويحمي ويدعم الإرهاب؟ تساؤل أوجهه لضمير المجتمعات الإسلامية؟ لعلنا يوما نستيقظ على نماذج إسلامية تستحق الإشادة والتقدير على المستوى الإنساني…