بقلم: هيثم السحماوي
“يفقد الأفراد والأمم فاعليتهم ويندثرون خلال أجل مسمي إذا سئموا من القديم، وفشلوا في التكيف مع الجديد، وأصبحوا إمعة للدول المنتصرة بعد الهزيمة والشعور باليأس وفقدان الثقة الذاتية. فالسطحية وعدم التعمق أو الاقتصار على ظاهرة الكلمات والمفاهيم دون الوصول إلى باطنها ولبها يؤدي إلى الشكلية والصورية في كل شيء ويورث الملل والسام، ويقود إلى البحث عن كلمات ومفاهيم جديدة، الأمر الذي يؤدي إلى صراع الأجيال بين الآباء والأبناء والأجداد والأحفاد والشيوخ والشباب”.
إنها كلمات تحتاج الي التأمل وتستحق الوقوف عندها وهي للكاتب والصحفي المرموق دمث الخلق ياوز أجار، ولقد قدم مؤلفه الأخير المتميز، الذي سميت المقال باسمه (قصة تركيا بين أرد وغان الأول والثاني)
ويتكون مؤلفه من جزئيين، يحاول مؤلفه تقديم رؤية موجزة لأهم الأحداث التي تركت بصماتها في صفحات التاريخ منذ أواخر العهد العثماني حتى بدايات حكم أردوغان، ثم يتبع الكاتب ذلك بتقديم رؤية تحليلية لأهم الأحداث التي شهدتها تركيا منذ وصول رجب طيب أرد وغان إلى سدة الحكم عام 2002 حتي الآن.
وعرض الأحداث وتحليلها في هذا الكتاب له طابعه وتميزه عن أي تحليل آخر، ففضلا عن كون كاتبه تركيًّا وعاش فترة حكم أردوغان، فهو أيضا التزم جانب الموضوعية في العرض والتحليل من أول الكتاب إلى آخره.
فالكاتب يوضح للقارئ أن أردوغان نجح في بداياته واستطاع أن يأخذ بتركيا إلى الصعود للتقدم بتحقيق العديد من الإنجازات، ولكن سرعان ما تحول الأمر وتبدل الصعود إلى هبوط، وتحول التقدم إلى تردٍّ في كل شيء، والسلام الذي يتمتع به المواطن التركي إلى اللا استقرار في كل شيء، وحروب داخلية وخارجية قادها أردوغان ليضمن بقاءه في السلطة أقحم فيها تركيا رغم أنها كانت في غني عنها، كان آخرها حروبه العلنية والسرية في كل من سوريا وليبيا وعموم المنطقة.
وهنا لا يترك الكاتب القارئ دون أن يوضح له العوامل والأسباب التي أدت إلى هذا التراجع والتردي في كل شيء.
وليس هذا وفقط وإنما يأخذنا كاتبنا وينتقل بنا من التحليل للماضي البعيد والقريب إلى النظر للمستقبل محاولا استشراق الآفاق والتطورات التي قد تشهدها الساحة السياسية في تركيا والمنطقة خاصة بعد الانشقاقات التي حدثت في حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ولأن قراءة التاريخ ليس هدفها معرفة ما حدث فقط وإنما أيضا الاستفادة منه في المستقبل، حيث إن أحداث التاريخ تتكرر وتتشابه إلى حد كبير، ومن لم يتعلم من تاريخه حتما عليه سيكرره.
ومن خلال هذا العرض والتحليل الموضوعي الذي يقدمه الكاتب يضع القارئ يده على العوامل والقوانين الموضوعية التي تتحول من خلالها الأمم والأفراد والرؤى والأفكار من مرحلة الازدهار والرقي إلى مرحلة الجمود ثم الانحسار والانحطاط، كما ذكر الكاتب في مدخل مؤلفه.
وفي النهاية استأذن القارئ الفاضل أن أقدم الشكر الجزيل، وكامل التقدير للكاتب اللامع ياوز أجار الذي يرافقه التميز ويتبعه الخلق الرفيع أينما كان، أشرف كثيرا بأنني أحد قرائه الذين يسعدون بكتاباته وينتظرونها، سواء كانت في مجال الأدب أو في إطار التحليل السياسي وصولا لعمله الصحفي.
دامت الأمة الإنسانية بكل حب وخير