بقلم: صالح القاضي
إن الإرادة تعد أهم مميز للنوع الإنساني؛ فالإنسان ليس كائنًا تحركه الغرائز وحدها، ولكنه كائن لديه المقدرة على أن يفعل أو لا يفعل. وهذا على وجه التحديد هو اختبار الحرية الذي يعيشه الإنسان الفرد والمجتمع. نعم أنه اختبار؛ لأن كل اختيار يوجه الإنسان إرادته إليه تكون له نتيجة على محيطه.
ووفقا لذلك، احتاجت المجتمعات البشرية منذ البداية إلى وضع معايير معينة لوضع أوصاف لأفعال على أنها مقبولة اجتماعيا أم أنها مرفوضة. ومع تطور المجتمعات تطورت هذه المعايير لتصبح قوانين. ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذي لعبته الأديان لتقويم تلك المعايير وتطويرها وتوضيحها. وفي ذلك السياق الديني نستطيع أن ندرك أن الإسلام يعيد تعريف الحرية، سواء على المستوى الاجتماعي؛ لأن الإسلام يعد ثورة تحريرية ضد العبودية والتمييز العنصري، ولم يقتصر دور الدين على مكان للعبادة، بل لم يفصل الدين عن المجتمع بداية من نية الإنسان وحتى إتمامه للفعل.
هناك معايير تستهدف دائمًا الخير الفردي والاجتماعي، وإذا دققنا النظر في الفكر الإسلامي سندرك أن الدين يستهدف وضع الإنسان في مكانه الحقيقي، وهو بحسب التعبير القرآني خليفة لله في الأرض، ولكن أي مسؤوليات تترتب على هذه الوظيفة العظيمة؟ إن خلافة الإنسان في الأرض تعني أنه بمثابة الراعي لمخلوقات الله من حوله، ويترتب على ذلك استخدامه لإرادته ولحريته بصورة تخدم الإنسان، وتخدم الكون من حوله، وتعمل على تحقيق الصالح في الكون. وعندما يتحقق ذلك يحدث التوازن الفردي؛ لأن الإنسان سيدرك موضعه في هذا الوجود المتسع، وسيعرف الإجابة على الأسئلة الوجودية التي تلح على عقل الإنسان. كما سيحقق التوازن الاجتماعي؛ لأن قيم الخير ستخدم نمو المجتمع، وأن المجتمع دائما سيتعقب الخير والنفع ليس فقط المادي ولكن النفسي لأفراده. وكذلك بالضرورة سيتحقق التوازن البيئي؛ لأن إنسان المجتمع المتوازن لن يسعى إلى تخريب النظام البيئي لمجرد جشع لا ينتهي، بل إن إنسان المجتمع المدرك لحقيقته الإنسانية سيبحث دائما عن طرق ترضي احتياجاته ولا تضر البيئية من حوله في نفس الوقت؛ لأنه يدرك أنه خليفة الخالق لهذه المخلوقات.
إنها مغالطة كبيرة أن يعتقد أحدهم أن الحرية هي عبودية الإنسان لذاته وملذاته وشهواته أو أنها إدمان للذة، إن الحرية مسؤولية على عاتق الإنسان، واختبار لإرادته، ومؤشر لمدى إدراك الإنسان لحقيقته.