أنقرة (زمان التركية) – طالبت 43 منظمة دولية بالنظر في قضية مقتل نقيب المحامين في ديار بكر ذات الأغلبية الكردية، طاهر ألتشي، في محكمة مستقلة ومحايدة، وذلك بسبب مرور 5 سنوات على الواقعة دون إحراز أي تقدم في القضية.
مشروع دعم قضايا حقوق الإنسان في تركيا، جمع 43 توقيعا لمنظمات دولية من أوروبا وجنوب إفريقيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، وأصدورا بيانا مشتركات جاء فيه: “نحن قلقون من أن مكتب المدعي العام والمحكمة التي تنظر في قضية طاهر ألتشي، لا تحترم الحق في محاكمة عادلة”.
الحقوقيون عبروا في بيانهم عن أنهم غير مرتاحين؛ لأن المتهمين بقتل طاهر ألتشي، لا يحاكمون محاكمة فعالة من قبل محكمة محايدة ومستقلة، كما أنهم غير مرتاحين لعدم إجراء تحقيق سريع وفعال وحيادي ومستقل في وفاة أحد المواطنين.
وطُالبت الـ43 منظمة حقوقية دولية في البيان الذي أُدلي به بمناسبة الذكرى السنوية لمقتل طاهر ألتشي، السلطات التركية، باتخاذ خطوات عاجلة بخصوص القضية.
وشدد البيان على أنه ينبغي منح محامي عائلة ألتشي الفرص اللازمة للاستماع إليهم وتقديم طلباتهم فيما يتعلق بالإجراءات والأدلة، وفي الحالات التي يتم فيها رفض الطلبات، يجب أن تكون أسباب الرفض مبررة وفقًا للسوابق القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
موسسة أبحاث دولية تتهم الشرطة بمقتل ألتشي
وكانت مؤسسة الأبحاث الدولية (Forensic Architecture) للأبحاث الدولية ومقرها لندن، كشفت في فبراير 2019 عن تقرير أعدته حول مقتل طاهر ألتشي جراء إطلاق رصاصة في رقبته أثناء مؤتمر صحفي عقده في ديار بكر شرق تركيا.
الخبراء في المؤسسة المعروفة بإعدادها تقارير للمحاكم والمؤسسات الدولية أعلنوا التوصل إلى أن الرصاصة التي قتلت طاهر ألجي من الممكن أن تكون قد انطلقت من مسدس أحد ضباط الشرطة الذين كانوا في موقع الحادث.
في تصريحاته للنسخة التركية لموقع بي بي سي بعد الإعلان عن التقرير، طالب المحامي باريش يافوز باستجواب ضباط الشرطة الثلاثة، بصفتهم مشتبهين بهم، الاستماع إلى أقوالهم باعتبارهم شهودًا في إطار القضية. في حين أعلنت نقابة المحامين في ديار بكر عن النتائج التي توصل إليها التقرير الدولي خلال مؤتمر صحفيّ عقدته في فبراير 2019.
وبحسب التقرير الدولي الذي أعلنته نقابة المحامين في ديار بكر، فإن أيًّا من العضوين في حركة الشباب الوطنية الثورية التابعة لحزب العمال الكردستاني لم يطلق الرصاصة التي أدت إلى القتل، لكن الشرطيين الثلاثة كانوا يتمكنون من رؤية ألتشي بشكل مباشر، وكان الشرطي الموصوف في التقرير هو الوحيد الذي أطلق رصاصته، وكان ألتشي على مرمى نيرانه.
وعلى عكس تصريحات بعض ضباط الشرطة الذين أدلوا بشهاداتهم عقب الحادث، أكد التقرير أنه لم يتم العثور على أي دليل صوتي يشير إلى استخدام بندقية طويلة المدى في عملية القتل.
وكانت نقابة محامي ديار بكر دعت بعد هذا التقرير الصادم إلى اعتقال الشرطيين المشتبهين بهم.
طاهر ألتشي كان يدلي بتصريح صحفي أمام مسجد الشيخ مطهر التاريخي بديار بكر في 28 نوفمبر 2015، ليندلع في غضون ذلك فجأة اشتباكات في شارع غازي القريب من المسجد بين ضباط شرطة ومسلحين مزعوم انتمائهما إلى حركة الشباب الوطنية الثورية الكردية أسفر عن إصابة شرطيين بجروج، ومصرع أحدهم في وقت لاحق.
Diyarbakır'ın simgelerinden Dört Ayaklı Minarenin ayaklarına silahlı SUIKAST… pic.twitter.com/0SJVF1NFz8
— Tahir Elçi (@tahirelci) November 26, 2015
ثم تمكن المسلحين من الفرار من مكان الحادث متوجهين نحو شارع “ينيكابي”، حيث كان ألتشي يعقد مؤتمره الصحفي، ليقع تبادل لإطلاق النيران بينهما وبين ضباط شرطة مدنيين. وفي هذه الأثناء لقي ألتشي حتفه بصورة مثيرة للشبهات.
رئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو كان تعهد بإزاحة الستار عن كل ملابسات الحادثة مهما كلف الامر، وأعلن بعد عدة أيام أن حزب العمال الكردستاني هو المسؤول عن مقتل ألتشي، وأن الهدف كان تركيا كلها وليس ألتشي وحده.
على الرغم من مرور 5 سنوات على الحادث لم تستطع السلطات إلى اليوم تحديد هوية المشتبه بهم وإعداد مذكرة اتهام في القضية التي فرضت المحكمة سرية على التحقيقات الجارية في إطارها، وذلك مع أن نقابة محامي ديار بكر قدمت نتائج تقرير (Forensic Architecture)، إلى النيابة العامة في ديسمبر 2019 باعتباره “رأي الخبير” في القضية.
المحامي باريش يافوز كان أدلى بتصريحات فيما يتعلق بهذه التطورات قال فيها: “لم يتم العثور حتى اليوم على الرصاصة قتلت ألتشي، وكذلك لم يمكن تحديد لحظة وفاته. كانت كل الكاميرات في تلك الأثناء توجهت إلى عضوي حركة الشباب الوطنية الثورية الذين كانا يهربان من الشرطة. لذلك حاولنا تحديد أقرب وقت لِلَحظة وفاته من خلال الجمع بين الصور والأصوات والهيكل المادي للمكان باستخدام تقنية النمذجة ثلاثية الأبعاد (3D)، بالإضافة إلى أقوال الشهود والمعلومات والنتائج المتوفرة”.
ويستند تقرير شركة (Forensic Architecture) إلى الأدلة التي قدمتها نقابة محامي ديار بكر وشهادات الشهود والصور المأخوذة من أربع كاميرات منفصلة وتحاليل صوتية وبناء نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد لموقع الحادث مع مزامنة جميع تلك المعطيات.
ويقول المحامي يافوز فيما يتعلق بالتفاصيل الفنية: “بعد هذه المعطيات تم حصر الفترة الزمنية لوفاة ألتشي في 9 ثواني، انطلاقًا من تحديد اللحظة الأخيرة التي بدا فيها ألتشي واقفًا، واللحظة الأولى التي سقط فيها على الأرض، وسماع صوت آخر طلقة. ومن ثم تم وضع 40 طلقة سمعت في غضون هذه الفترة الزمنية على جدول زمني. جرى بعد ذلك بناء نموذج ثلاثي الأبعاد لموقع الجريمة على ضوء التخطيط المعماري وصور الأقمار الصناعية، ثم تحديدُ وضع ألتشي وموقعه أثناء إصابته بالرصاصة، في محاولة للكشف عن المسدسات أو البندقيات المصوّبة نحوه وعن مرمى النيران خلال الفترة الزمنية. وقد كشفت النتائج أن أحد المسلحين التابعين لحزب العمال الكردستاني قد غادر المكان وكان ألتشي لا يزال على قيد الحياة، أما الآخر فلم يصوب سلاحه نحو الهدف في البداية، وقد ألقاه على الأرض في وقت لاحق. وبالتالي فإن التقرير انتهى إلى استحالة مقتل ألتشي بنيران عضوي العمال الكردستاني. كما أن التحاليل الصوتية أظهرت عدم استخدام بندقية طويلة المدى من مسافة بعيدة. وبحسب النتائج التي توصل إليها التقرير فإن مقتل ألتشي جرى على يد أحد ضباط الشرطة الثلاثة”، بحسب ما ورد في موقع “أحوال تركية”.
وقال إيال وايزمان، مدير شركة (Forensic Architecure) فيما يتعلق بنتائج التقرير: “نحن لا نتحدث إلا بناء على ما شاهدناها في المعطيات. إننا نرى إطلاق رصاصة ونرى اتجاهها، ومن ثم نقول بأنه من الممكن أن تكون تلك الرصاصة قتلت ألتشي انطلاقًا مما يوفره لنا النموذج الثلاثي الأبعاد لموقع الجريمة أم لا”.
وينوّه مراقبون أن هذا التقرير يؤيد المزاعم التي تتهم الحكومة بالوقوف وراء اغتيال الناشط الحقوقي الكردي طاهر ألتشي وأمثاله من الاغتيالات المشبوهة التي شهدتها تركيا قبيل إطاحة أردوغان بطاولة مفاوضات “السلام الكردي” التي كان يجريها مع العمال الكردستاني.
–