بقلم: ياوز أجار
عاد أبو بكر إلى المنزل بعد التسوُّق مع أولاده، فأوقف سيارته في مكان تحت ظلال وارفة لشجرة قرب مسجد الحارة. ولما ألقى نظرة على سيارته بعد النزول منها لاحظ وضعها وحالها، فقال لأولاده:
– سيارتي تنطق بلسان حالها “إني قد اتسخت كثيراً، فاغسلوني”
أدرك الأولاد مرمى كلام والدهم، فوعدوه بغسلها عقب تناول الفطور.
وأخيراً دخلوا جميعاً إلى البيت؛ فانزوى بكر إلى مكانه المعتاد من المكتبة ليخوض في عالم الكتب، في حين توجهت جميلة وحبيبة إلى الصالة لتشاهدا الفيلم الكرتوني المفضل لديهما الذي يتناول قصة حياة طفلة جميلة ذكية تدعى “هايدي” وتعيش حياة فطرية مع جدها في قرية صغيرة تقليدية.
وما مضى وقت حتى دعتهما والدتهما للمساعدة في إعداد الفطور. أما أبو بكر فمضى يطلُّ من النافذة على سيارته، واستطاع أن يقرأ من هنالك الكتابة المسطورة على الشباك الخلفي للسيارة:
“بالله عليكم، اغسلوني!”
رأى أبو بكر أنه ربما كتبها أطفال الحارة لعبًا ولهوًا متحدثين باسم السيارة.
ثم أرسل أبو بكر عينيه لتتفقدا داخل البيت وخارجه وتجدا ضالّته. فأدار رأسه صوب الشُرْفة، ليقع بصره أخيرًا على أصص الزهر هناك. ثم راح ليفتِّشها، فوجدها قد اصفرَّت واحترقت تحت حرارة الشمس، لذا بدأ يصيح بصوت عال:
– يا جماعة! تعالوا إلى هنا!
اتجه أفراد الأسرة، بمن فيهم الوالدة، مسرعين نحو مصدر الصوت ليتفقّدوا أباهم ويروا ما حدث. وعندما عاينوه في الشرفة قالوا:
– ماذا حدث يا أبانا، لماذا هذه الصيحة، هل من أمر نقوم به؟
رد أبوهم لافتًا انتباههم إلى الأزهار:
– ألا ترون – مشيراً بيده إلى الأزهار- ماذا تنطق هذه الأزهار بلسان حالها؟
بدأ الجميع يتضاحكون بصوت خافت، ثم قال فريد وهو أصغرهم:
– تنطق الأزهار بلسان الحال “إننا عطشى جدًّا، فاسقونا بماء”.
فتدخل أبوهم قائلًا:
– إذن هاتوا زجاجة ماء، لنصبّه في جذور الأشجار، حتى تنتعش وتشتدَّ.
وبعد قليل، لبّى الأولاد طلب والدهم، وعلى إثر ذلك، تقدّم الوالد بالشكر إليهم، مطالبًا إياهم بسقيها عند الحاجة.
بينما قال أوسطهم بلال الذي يتمتّع بروح المداعبة:
– ألا تسمعون صوتاً آخر؟!
تسمَّر الجميع في أماكنهم مذهولين.
– بطني يصيح (واضعًا يده على بطنه)، بل يصرخ بلسان الحال: إني جوعى، فأطعموني!
اقتنع أبو بكر بأن جميع أفراد الأسرة بدأوا يألفون ويعهدون بالحديث عن لسان الحال، وهذا هو ما أراده تمامًا. فقد كان خطَّط منذ البداية ليمهِّد الطريق من هذه الأمور إلى الحديث عن أمر آخر، وقد نجح في تلك المهمة، حيث أثار فضولهم في الموضوع إلى أقصى الحدود الممكنة.
واستأنف أبو بكر حديثه من جديد:
– يا أولادي الأعزاء! بعد تناول الفطور سأقصّ عليكم قصصًا قصيرة حقيقية تنطوي على معاني عظيمة، ودلالات عميقة، وقعت أحداثها قبل أربعة عشر قرنًا تقريبًا.
واعتقد أبو بكر في داخله أنه أدى المهمة وأثار فضول أبنائهم إلى آخره، ونشَّط هِمّتهم، وأيقظ شوقهم إلى سماع ما سيقوله بعد الفطور، فبدأوا ينتظرون القصص بفارغ الصبر ولهفة لا تنتهي.
∞ ∞ ∞ ∞ ∞ ∞ ∞
بسطت أم حبيبة مع ابنتيها المائدة، وساعدهنّ الأبناء في إحضار موادِّ الفطور. وبعدما انتهوا من تناول الفطور، انحدرت من شفتي الأم كلمات الشكر:
– الحمد والمنَّة لله، وأشكركم جميعًا يا أولادي!
– بل نحن نشكرك يا أماه!
فكر أبو بكر أنه ينبغي عليه أن يستثمر الوقت جيدًا فقال:
– هيا يا بناتي، اطوين المائدة، حتى نبدأ بالقصص.
استعدّ أبو بكر، وقدّم القصص بمقدمة، فشرع يتكلَّم وأفراد العائلة يستمعون إليه في صمت وهدوء:
– قبل بدئي الحديث عن القصص أودّ أن ألفت انتباهكم إلى أمر قد يغفل عنه بعض الناس، وهو أن لكلِّ مخلوق في هذا الكون، من حيٍّ أو جماد، لسانًا يخصُّه، ويتكلَّم به، ويتصل من خلاله بأبناء جنسه الآخرين. وعدم تمكُّننا من سماع الأصوات كلّها، وعجزنا عن فهمها لا يعني البتة أنه ليس لها ألسنة تنطق بها؛ وذلك لأنه ليس لأذننا طاقة لتستوعب جميع الأصوات التي تصدر من الأكوان المختلفة في الجنس والحجم والشكل، كما ليس لعقولنا قدرة لتفهمَ وتعيَ دلالة كلّ صوت.
قالت أم حبيبة وهي تبتسم:
– بصراحة إني أحمد الله على أننا لا نسمع كل الأصوات وسط هذا الضجيج والصخب! لذا أنا أؤمن بأن الهدوء من أفضل النعم التي أسبغها الله علينا.
حرك أبو بكر رأسه تحريكًا يدل على التصديق والموافقة، ثم واصل حديثه وهو يراقب في آن واحد بعينيه تفاعل أولاده مع الموضوع:
– نعم، إن الإنسان لا يستطيع إدراك الأصوات إلا إذا كان ترددها يتراوح ما بين 20 هيرتز إلى 20 كيلو هيرتز. لذا تسمى موجات الصوت التي يقل ترددها عن 20 هيرتز بالأمواج دون السمعية؛ أما الأمواج التي يزيد ترددها عن 20 كيلو هيرتز فتسمى بالأمواج فوق السمعية. بينما تستطيع الحيوانات، مثل الكلب، سماع الأصوات ذات التردد 45 كيلو هيرتز، والقط ذات التردد 100 كيلو هيرتز. ولذلك هناك كثير من الحيوانات الأليفة، مثل الكلاب والقطط والأبقار والدجاج والأرانب وبعض الحشرات والطيور، وكثير من الحيوانات البحرية، تملك القدرة على استشعار الزلازل قبل وقوعها.
وهنا أراد أبو بكر أن ينبّه أولاده على جانب آخر للموضوع غير الذي تطرقت إليه والدتهم:
– لا أحد يعرف بالضبط كم عدد الأصوات التي لا نسمعها، والأصوات التي نسمعها لكن لا نفهمها ولا نفكّ أسرارها. فالسموات برعودها، وبروقها، وسحبها ورياحها؛ والأرض بجبالها، وتلالها، وأشجارها، ونباتاتها، وبحارها، وأنهارها، وكنوزها ومعادنها، ومن يعيش عليها أو فيها من المخلوقات الحية التي لا تعد ولا تحصى… تُصدِر أصواتًا مختلفة في موجات متباينة. فإنْ جمعناها في صعيد واحد، وضممنا بعضها إلى البعض الآخر لتكوَّن من جملة هذه الأصوات لحنٌ كوني متناغم يذهل منه العقول وينشرح له الصدور.
وقد أيد أبو بكر رأيه بآيتين من الذكر الحكيم، وهما ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾. (الإسراء: 44) و﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (النور: 41)
بعد ذلك خلص أبو بكر إلى أن ما ذكره حتى اللحظة قدم فكرة عامة عن القصص القصيرة التي وعد لأولاده بأنه سيقصها عليهم بعد الفطور، بحيث تكفي لدفْعهم إلى إمعان الفكر في معانيها ودلالاتها، فقال:
– لقد قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: أردفني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خلفه ذاتَ يومٍ، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أُحدِّثُ به أحدًا من النَّاسِ، وكان أحبُّ ما استتر به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لحاجتِه هدفًا أو حائشَ (حائط) نخلٍ، فدخل حائطًا لرجلٍ من الأنصارِ فإذا فيه جملٌ، فلمَّا رأَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حنَّ (أي: أَحْدَثَتْ صَوْتًا وَهِيَ تَمُدُّ عُنُقَهَا شَوْقاً إلَى وَلَدِهَا)، وذَرِفتْ عَيْناه، فأتاه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمسَح ذِفراه، فسكت. فقال من ربُّ هذا الجملِ؟ لمن هذا الجملُ؟ فجاء فتًى من الأنصارِ، فقال: لي يا رسولَ اللهِ، فقال أفلا تتَّقي اللهَ في هذه البهيمةِ الَّتي ملَّكك اللهُ إيَّاها؛ فإنَّه شكا إليَّ أنَّك تُجيعُه وتُدئِبُه (أَيْ يسوقها سوْقًا شَدِيدًا).
ثم انتقل أبو بكر إلى سرد القصة الثانية قائلاً:
– وكذلك قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: عدا الذئب على شاةٍ فأخذها، فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعَى الذئب على ذَنَبِه (ذيله)، وقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقًا ساقه الله إليَّ؟، فقال: يا عجبي! ذئبٌ مقع على ذَنَبِه يكلمني بكلام الإنس؟ فقال الذئبُ: ألا أخبرك بأعجب من ذلك: محمدٌ صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعي يسوقُ غنمهُ حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله فأخبره. فأمر رسول الله فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: أخبرهم، فأخبرهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق، والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلِّم السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ (طرفه)، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، ويخبره فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أهلهُ بعده.
كما ذكر أبو بكر أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه قال في السياق عينه: “إني لشاهد عند النبي صلى الله عليه وسلّم في حلقة، وفي يده حصى، فسبحن في يده، وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فسمع تسبيحهن من في الحلقة”.
هذه الرويات أعادت لذهن فريد حديثًا نبويًّا آخر سمعه من إمام مسجد الحارة في إحدى خطبه يوم الجمعة وهو أن حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أكد قائلاً: “إني لأعرف حجرًا بمكة، كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن”.
نوّه بعد ذلك أبو بكر بأن هذه الروايات متوافقة مع قوله تعالى في الحجارة: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (البقرة: 74).
أبو بكر أراد الانتقال إلى دلالة هذه الرويات قبل أن تتشتت أذهان أولاده بطريقة تسوق أولاده إلى المشاركة في الحوار، فقال:
– تسبيح الحصى في يد النبي صلى الله عليه وسلّم وتسليم الحجر عليه من معجزاته التي أجرى الله تعالى على يده، لتكون آية لصدق نبوّته، ودعمًا وتثبيتاً له ولمن صدَّقوه وآمنوا به من المهاجرين والأنصار. وهو يدلّ أيضاً على أن للأشياء، ولو كانت جامدة أو غير عاقلة، ألسنةً خاصة تتكلّم بها وتذكر خالقها. ولكن يظلُّ هناك سؤال يلحُّ نفسه، ألا وهو: أين يكمن وجه الإعجاز في تلك الحادثة؟ فمن يجيب على ذلك؟
بكر وهو أكبرهم سنًّا، وأرشدهم عقلاً، وموصوف بين زملائه بـ”المكتبة المتجولة” لكثرة معرفته وزيادة فضوله، ألقى نظرات على والده وكأنه يستأذنه ليرد على السؤال. وبعد إشارة الموافقة من والده شرع في الحديث:
– يا أبت، بما أن لكل شيء في الكون لسانًا خاصًّا يذكر به خالقه على وجه الدوام، فلا يمكن أن نقول إن ذكر وتسبيح الحصى هو المعجزة، كما يحلو لمتعجّل؛ لأن الحصى تذكر الله وتسبّحه حقيقة دون انقطاع بألسنتها الخاصة، فلا عجب ولا غرو في ذلك، وإنما وجه الإعجاز يكمن في ذكر وتسبيح هذه الحصى بلسان الإنسان، على نحو سمعه الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
جواب بكر أصاب الجميع بالصدمة، حيث لم يتفطن أحدهم لهذه النقطة الدقيقة.
ثم لفت بكر الانتباه إلى جانب آخر للموضوع، حيث قال:
– وبما أن الأمر كما وصف ربما عز وجل: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)، فإنه يجب على هذا الإنسان العاقل الواعي أن يشترك بإرادته في هذا اللحن الخالد مع الكون الخاضع طوعًا لخالقه!
استحسن أبو بكر إجابة ابنه، وعلى وجه الخصوص اختياره عبارات استلهمها من وحي القرآن قائلاً:
– بارك الله فيك يا بنيَّ! أحسنت!
ثم استمر أبو بكر من حيث توقف ابنه مركزًا على النتائج والمعاني التي استخرجها من الروايات السابقة وإيحاءاتها، إذ قال:
– إذن يجب على هذا الإنسان الجهول أن لا يظنّ أن الجمادات والحيوانات مخلوقات شاردة مقطوعة الصلة بخالقها. بل خلق الله الأشياء فهداها، لتقوم بوظائفها طوعًا، كما قال رب العالمين: (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ: ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا. قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت: 11). ومن هذا المنطلق، فإن عبادة الأشياء وتسبيحها وصلاتها هي قيامها بوظائفها كما هداها وعلّمها خالقها. ولأن المخلوقات من الأحياء والجمادات لا تخرج عن إطار الوظائف المكلفة بها والطبائع التي خلقها الله عليها، إلا بإذنٍ وإرادةٍ منه سبحانه وتعالى لأغراض وحكم معينة، بل هي بطبائعها ووظائفها عابدة لله، ومسخرة خادمة للإنسان الخليفة طوعًا، فلا يمكن أن ترى في الكون أي أمر يخل بالنظام العام. أما الإنسان فهو عبد مريد مختار ومكلف بالعبادة مريدًا ومختارًا من دون قسر وإكراه.
ومن ثم تطرق أبو بكر إلى النتائج الوخيمة التي تتمخض عن مخالفة الإنسان للفطرة التي فطره الله عليها، واستنكافه عن العبادة التي كلفه بها قائلاً:
– ولا يختل الانسجام بين هذا العبد المقهور وذاك العبد المختار إلا إذا فرّط الأخير في الأوامر الإلهية التشريعية والتكوينية، وتصرف بما يتعارض مع ما فطره الله عليه.. والعواقب السيئة لتقصير الإنسان في مسؤولياته تجاه ربه ونفسه والناس الآخرين والبيئة التي يعيش فيها مذكورة في هذه الآية الكريمة الجامعة: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (البقرة: 27).
أم حبيبة التي وقفت حتى اللحظة من الحوار موقف المصدقة شاركت في الحوار بقولها:
– إذن هناك ثلاثة أمور يجب علينا أن نأتي بها على وجهها حتى لا نكون من الخاسرين ألا وهي: الوفاء بعهد الله والحفاظ على الصلة والعلاقة الصحيحة مع كل شيء، والإصلاح في الأرض.
التعليق الوجيز لأم حبيبة رسم اتسامة رائعة على وجه زوجها.
أبو بكر كان رجلاً حكيمًا وواعيًا بضرورة تقديم المعلومات تدريجيا لأولاده حتي يسهل عليهم استيعابها من دون صعوبة، لذا لم يرد الإسهاب في الحديث بعد قول زوجته الوجيز، فختم الحوار قائلاً:
– وإذا كان الأمر كذلك فإن ما يجدر بهذا الإنسان هو المشاركة بإرادته في سمفونية العبودية الكونية هذه حتى يسود السلام والانسجام في علاقاته مع الله ونفسه وأبناء جنسه والكون الذي يعيش فيه.