أنقرة (زمان التركية) – فضيحة جديدة، بطلها القضاء في تركيا بعد صدور حكم بالسجن على عجوز مقعدة بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي والصلة بمحاولة الانقلاب “الفاشلة” في عام 2016، في وقت يزعم فيه الرئيس رجب أردوغان أنه يستعد لإجراء إصلاحات قانونية.
المحكمة الجنائية الرابعة في ولاية صقاريا غرب تركيا، أصدرت حكما بالسجن 7 سنوات و6 أشهر، على خديجة يلدريم بدعوى أنها تنتمي إلى تنظيم إرهابي، وذلك لمجرد أنها حماة “عادل أكسوز” الذي تدعي الحكومة أنه “الشخصية المدنية البارزة” التي تقف وراء الانقلاب الفاشل في 2016، وذلك دون مبالاة بمبدأ “شخصية العقوبة الجنائية” العالمي وما يرد في القرآن الكريم من أنه (لا تزر وازرة وزر أخرى)، إن افترضنا صحة الاتهمات الموجهة لصهرها.
يأتي ذلك بينما جدد الرئيس أردوغان أمس عقب اجتماع المجلس الوزاري، الحديث عن عزمه إجراء إصلاحات قانونية وحقوقية في تركيا، وهي التصريحات التي بدأ إطلاقها مع إعلانه العزم على إصلاح الوضع الاقتصادي، عقب إقالة محافظ البنك المركزي مراد أويسال، واستقالة صهره وزير المالية بيرات ألبيرق. كما أطلق وزير العدل عبد الحميد جول تصريحات مؤيدة لما أعلنه أردوغان.
يذكر أن عادل أوكسوز أوقفته السلطات القضائية عقب الانقلاب مباشرة، ثم قررت المحكمة الإفراج عنه لعدم وجود أدلة تدينه بعد مدة قصيرة، الأمر الذي حمل المعارضة إلى اتهام جهاز المخابرات بأنه وظفه في تدبير الانقلاب الفاشل ثم ساعده في الهروب والاختفاء حتى اليوم.
وجهت المحكمة إلى خديجة يلدريم التي تبلغ من العمر 69 عامًا تهمة العضوية في تنظيم إرهابي مسلح، وحكمت عليها بالسجن 7 سنوات و6 أشهر، في حين أنها برأتها من تهمة انتهاك الدستور التركي لعدم كفاية الأدلة.
وكانت العجوز اعتُقلت في 11 أغسطس / آب 2016، وأفرج عنها في اليوم التالي بشرط وجود رقابة قضائية وعدم مغادرة البلاد، ثم اعتقلت للمرة الثانية في 31 أغسطس 2016، واعتقلت أيضا في 2 سبتمبر، إلا أن المحكمة أفرجت عنها في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 بشرط الإقامة الجبرية وحظر السفر بسبب مشاكلها الصحية، إلى أن حكمت عليها في نهاية المطاف بالسجن 7 سنوات و6 أشهر، وذلك لمجرد أنها حماة عادل أوكسوز.
لغز عادل أوكسوز
عادل أوكسوز من القضايا الشائكة التي تناولها الكاتب والمحلل السياسي التركي ياوز أجار في المجلد الثاني من كتابه بعنوان “قصة تركيا بين أردوغان الأول والثاني”، وفيما يلي الجزء المتعلق بهذه القضية تحت عنوان: “هل وظّف أردوغان عادل أوكسوز في الانقلاب ثم تخلص منه”:
فقد اعتقلت السلطات عادل أوكسوز في ليلة الانقلاب باعتباره المتهم الرئيس في المحاولة الانقلابية المزعومة، ومن ثم أخلت النيابة سبيله، ولاحقًا صدرت مذكرة اعتقال مرة أخرى بحق أوكسوز بتهمة تدبير الانقلاب، لكنه تمكن من الهروب ولا يعرف مكان وجوده حاليا.
ساق رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات التركي سابقاً محمد أيمور، في نوفمبر 2019، ادعاءً خطيرًا، حيث قال إن عادل أوكسوز قد يكون عميلاً للمخابرات، وذلك بعدما قال في وقت سابق: “محاولة الانقلاب الفاشلة مِنْ عَمَلِ وتنفيذ المخابرات. ومع أن الحكومة تتهم فتح الله كولن بالوقوف وراءها، إلا أنها عمل استخباراتي يفوق كثيرًا جدًا قدرات حركة الخدمة”.
جاء ذلك خلال مشاركة أيمور في برنامج على قناة “خلق تي في”، حيث أعرب عن اعتقاده الجازم بأن عادل أوكسوز لم يتمكن من مغادرة تركيا، مستشهدًا على ادعائه بأنه لو كان في الخارج لظهر وأدلى بتصريحات لردّ الاتهامات الموجهة إليه، مرجّحًا أنه قد مات أو قتل في الداخل التركي لإسكاته. أكد أيمور كذلك أن هروب أوكسوز من قبضة السلطات القضائية رغم احتجازها إياه عقب الانقلاب الفاشل ليس أمرًا طبيعيًّا، مشيرًا إلى أنه توجد ادعاءات حول كونه عميلًا بالمخابرات، وتابع قائلا: “لا أرى اختفاء أوكسوز عن الأنظار فجأة أمرًا طبيعيًّا. لقد ظهرت عديد من المعلومات.. فمثلاً هناك شخصية تُدعى دنيز بايراق يُزعم أنه من أفراد المخابرت ويدعي أن أوكسوز أيضًا كان عميلا للمخابرات، وأنه تم استغلاله”، ومن ثم التخلص منه.
وعلى نفس المنوال، قال زعيم المعارضة التركية كمال كلجدار أوغلو في عام 2017، خلال بث مباشر على قناة “أن تي في” الإخبارية التركية: “من أين حصل عادل أوكسوز على جهاز جي بي أس (جهاز تحديد الموقع).. أيُّ جهة رسمية قام باستيراد هذا الجهاز من أجله؟ لماذا لمْ يتم تكبيل عادل أوكسوز عند الاعتقال بينما جميع المتهمين بالانقلاب كانوا مكبلين ومعذبين. ذلك لأن الحكومة أجرت تغييرات في القانون الخاص بالمخابرات الوطنية في عام 2014. ووفقًا لها لا يمكن توقيف أو اعتقال أي عميل تابع للمخابرات بدون إذن من رئيس الوزراء! فلماذا لم يتم سجن عادل أوكسوز، بل أطلق سراحه مباشرة عقب أخذ إفادته؟”.
كما أن الكاتب أحمد نسين أكد في مقال له أن الرئيس أردوغان هو أفضل من يعرف مكان اختفاء عادل أوكسوز، قائلاً: “إن أردوغان هو أفضل من يعرف أين عادل أوكسوز.. وأنا أعتقد شخصيًّا أنه يختفي في إحدى غرف قصره البالغ عددها أكثر من ألف غرفة”.
ومن ثم فقد أصدرت المحكمة قرارًا مفاجئًا في مطلع نوفمبر 2019 زاد من الارتباك فيما يتعلق بالرواية الرسمية لمحاولة الانقلاب. حيث برأت 25 من أصل 28 شخصًا يُتهمون بـ”التوسط في الإفراج عن عادل أوكسوز، الأستاذ بكلية الشريعة في جامعة سقاريا سابقًا، والمزعوم بأنه “العقل المدبر” لمحاولة الانقلاب، بحسب الرواية الرسمية. علي إحسان ساري كوجا، مستشار أردوغان السابق، جاء على رأس من برأت المحكمة ساحتهم من تهمة التعاون مع أوكسوز ليتمكن من الهروب بعد اعتقاله من قبل السلطات. كما أصدرت حكمًا بالسجن 5 أشهر فقط على ضابطي صف بتهمة استغلال وظيفتهما مع تأجيل تطبيق القرار. وهكذا لم يبق هناك أحد متهم بتهريب “رقم أول” للانقلاب من السلطات القضائية!
وقال الكاتب الصحفي آدم ياوز أرسلان في إطار تعليقه على هذا القرار الصادم بأنه لم يبق لديه أي شك بكون الانقلاب مدبرًا بعد تبرئة المتهمين بمساعدة عادل أوكسوز على الهروب، رغم أن السلطة السياسية بقيادة أردوغان تزعم أنه مدبر الانقلاب.
ومن المثير للغاية أن صحيفة “آيدينليك” الموالية للدولة العميقة وزعيم حزب الوطن القومي اليساري دوغو برينجك لما كتبت أن فؤاد كوكتاش، النائب البرلماني من صفوف حزب أردوغان، وأردوغان توك، رئيس بلدية تابعة لحزب أردوغان أيضًا، لعبا دورًا محوريًّا في تهريب عادل أوكسوز، أصدرت السلطات القضائية فورًا حظر الوصول إلى هذا الخبر!
فهمي كورو من الكتاب الوازنين الذين تناولوا قضية عادل أكسوز، وفيما يلي ملخص ما ورد في مقاله الذي حمل عنوان: “هل وظّف أردوغان عادل أوكسوز في الانقلاب ثم تخلص منه؟”، أشار إلى احتمالية قتل عادل أوكسوز من قبل مدبري الانقلاب الحقيقيين بعد أن قضوا منه وطرهم.
إذن فهل عادل أوكسوز من نوع الرجال الذين تحدث عنهم رئيس المخابرات هاكان فيدان قائلاً: “يمكن أن أرسل أربعة من رجالي إلى الطرف السوري ليقوموا بإلقاء صواريخ وقنابل من هناك على الأراضي التركية حتى تتشكل الذريعة المطلوبة للتدخل العسكري في سوريا؟!” هل عادل أوكسوز هو عميل للمخابرات اندسّ وتسرّب إلى صفوف حركة الخدمة، ومن ثم ذهب ليلة الانقلاب إلى أماكن مشبوهة لتقديم صور للكاميرات، وترك بصمات تدل على من حُدِّد مسبقًا مجرمًا ومسؤولًا عن الانقلاب؟ خاصة إذا علمنا أن رجال المخابرات المرتبطين بتنظيم أرجنكون، حليف أردوغان الجديد، يضعون مشاريع منذ انقلاب 1997 الناعم من أجل إقحام حركة الخدمة إلى عالم الجرائم الإرهابية ويبحثون عن ذريعة لإعلانها منظمة إرهابية.
–