تقرير: ياوز أجار
إسطنبول (زمان التركية) – أقدم مسؤولون أتراك في الآونة الأخيرة، وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير العدل عبد الحميد جول، على تصريحات اعتبرها كثير من المراقبين والمحللين اعترافات ضمنية بشتى المظالم المرتكبة في البلاد منذ فضائح الفساد والرشوة التاريخية في 2013 ومحاولة الانقلاب “الفاشلة” في 2016.
بعد تسلم جو بايدن منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، واستقالة صهره وزير الخزانة والمالية برات ألبيراق من منصبه بالتزامن مع ذلك، خرج أردوغان متعهدًا بإجراء إصلاحات جذرية في مجال الاقتصاد والقضاء، كما أكد وزير العدل عبد الحميد جول ضرورة السماح بتحقّق العدل حتى ولو قامت القيامة، التصريحات التي رآها المعقّبون أنها نابعة من حاجة التكيف مع الإدارة الأمريكية الجديدة لا من نية صادقة تستهدف حل مشكلة حقيقية تعاني منها البلاد منذ سنين.
هذه التصريحات أثارت سخرية واستغراب كلِّ مَنْ يتابع الشأن التركي عن كثب، بل حتى الكتاب والمحللين من “الشارع الإسلامي” أيضًا، وعلى رأسهم الكاتب الإسلامي المعروف أحمد تاشجتيران الذي كتب في معظم الصحف الموالية للحكومة والذي كان ضمن الشخصيات المدرجة أسماؤها في “لجنة الحكماء” التي أسسها أردوغان نفسه في السنوات السابقة، حيث اعترض في مقاله بصحيفة “قرار” قائلاً: “ألا يمكنهم أن يخبرونا ماذا كانوا يفعلون حتى يومنا هذا؟ وكأنهم تولوا السلطة حديثًا! وكأنهم حزب سياسي مرشح للسلطة لا حزب حاكم!”.
إلا أن رد فعل رئيس “وقف الفرقان” الشيخ ألب أرسلان كويتول كان غير مسبوق فعلاً، حيث أعرب عن استعجابه من تصريحات أردوغان وقول وزير العدل عبد الحميد جول: “لندع العدالة تتحقق حتى لو قامت القيامة”، متسائلاً: “أين كنتم حتى اليوم يا ترى في الوقت الذي شهدت فيه البلاد في عهدكم مظالم وانتهاكات فظيعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ تركيا؟”.
المحكمة برأت مؤخرًا ساحة الشيخ كويتول وخرج من السجن بعد 22 شهرًا قضاها بين جدرانه بتهمة “مساعدة تنظيم إرهابي”، و”الدعاية لتنظيم إرهابي” لمجرد أنه وجه انتقادات لعمليات الاعتقال والفصل التعسفي التي أقدمت عليها الحكومة بدعوى تصفية مؤسسات الدولة من “الانقلابيين”، ودعوته أردوغان إلى تغيير اسم حزبه من العدالة والتنمية إلى “حزب الظلم والتنمية”.
الشيخ كويتول أجاب على سؤال حول التصريحات الأخيرة لأردوغان ووزير عدله خلال فيديو منشور على صفحته في موقع يوتيوب قائلاً: “بصراحة يصاب المرء بالحيرة والدهشة عندما يستمع لتصريحات وزير العدل! إن المواطنين في هذا البلد يصرخون ويطالبون بالعدل منذ أربع أو خمس سنوات. لقد أنزلتم أحكامًا جائرة على مئات الآلاف من الناس، وألقيتم في قلوبهم الرعب. إن الجميع يعرف أن القضاء ليس مستقلا، وأن أصحاب النظارات السوداء هم من يصدرون الأوامر للقضاة”.
ثم أعاد الشيخ كويتول للأذهان المعطيات الرسمية الخاصة بجهاز القضاء في تركيا بقوله: “لقد قال رئيس اتحاد القضاة في تركيا إن الاستطلاعات التي أجروها كشفت أن 80% من الموطنين لا يثقون في القضاء. والواقع أن الـ20% الباقين لا يعرفون وضع القضاء في البلاد أصلاً؛ لأنهم لم يمثلوا أمام المحاكم أبدًا حتى يطلعوا على ذلك”.
رئيس وقف الفرقان استمر في تصريحاته الجريئة معتبرًا ما قاله كل من أردوغان ووزير عدله محاولة للتهرب من المسئولية، حيث قال: “أعتقد أنهم بمثل هذه التصريحات يعدون أنفسهم للأيام القادمة التي ستتغير فيها موازين القوى وسيسقطون من موقع السلطة حتى يستطيعوا القول: انظروا! لقد كنا اعترضنا على الانتهاكات وانزعجنا منها في ذلك الوقت! لكن الواقع هو أنك وزير العدل منذ سنين، ومسؤول عن كل المظالم الممارسة في البلاد، ولا يمكنك الهروب من المسؤولية. لقد تعرض مئات الآلاف للظلم والجور وأنت تتفرج فقط، ولا يمكنك أن تنقذ نفسك اليوم بمثل هذه التصريحات”.
ثم حذر كيوتول أعضاء القضاء الذين وقعوا على تلك المظالم والانتهاكات بقوله: “إن المسؤولين السياسيين سيلقون باللوم على المدعين العامين والقضاة وسيجعلونهم كبش فداء.. سيقولون للرأي العام: نحن لم نأمرهم بهذا، وإنما هم فعلوا هكذا من عند أنفسهم! لذا فهم المجرمون، ولا علاقة لنا بالموضوع! فليرنّ أذن المدعين العامين والقضاة الذين حكموا وفق الأوامر السياسية. لقد باعكم المسؤولون! فهم سيقولون غدًا عند تغير الموازين وانتقال الحكم إلى غيرهم: نحن لم نفعل شيئًا، بل المدعون العامون والقضاة عم من فعلوا كل شيء. هل أنتم تدركون ذلك؟”
تابع الشيخ كيوتول مخاطبا وزير العدل: “لقد شهدت البلاد انتهاكات غير مسبوقة طيلة تاريخ الجمهورية التركية، فأين كنت أنت حتى هذا اليوم؟ كل المعتقلين في السجون يدعون عليكم يوميًّا ويسبونكم.. هل لاحظت الآن وشرعت تقول: لندع العدالة تتحقق حتى لو قامت القيامة؟ كل الانتهاكات وقعت في عهدك، لقد سجلتْ مواقفك صفحاتُ التاريخ التركي.. لم يشهد أي عهد ظلمًا بالقدر الذي شهدناه في عهدك! لم نشهد ظلمًا تحت إدارة أي وزير بمثل الظلم الذي تعرضنا له تحت وزارتك!”، على حد تعبيره.
ثم شرح كويتول لماذا لا يمكن للوزير أن يتذرع بأي ذريعة للتنصل عن المسؤولية غدا: “فهل تقول الآن: ما الذي كان يمكن أن أفعل؟ بل كان بإمكانك أن تستقيل قائلاً: لا يمكن قبول هذه الإجراءات. إنها ظلم وجور، وأنا وزير العدل المسؤول عن تحقيق العدل، وإن لا أستطيع تحقيق العدل فلن أجلس على هذا الكرسي.. كان يجب عليك ترك ذلك المنصب. يبدو أنك لاحظت الآن أن المنصب هو الذي سيتركك ولذا بدأت تتحدث عن العدل والقانون! أنت لم تستطع ترك منصبك لكن منصبك سيتركك عاجلاً أم آجلاً. التاريخ سجلك هكذا. هذا العهد ملعون..! اللعنة على عهدكم وحكمكم..! اللعنة على ظلمكم المستمر منذ سنين..! إنكم ما أبقيتم في البلاد عدلاً ولا أمنًا.. لقد بات الجميع يخافون على أنفسهم”.
رئيس وقف الفرقان ختم حديثه قائلا: “إنكم تتهمون المدعين العامين والقضاة.. ماذا يمكنهم أن يفعلوا يا ترى؟ يأتي صاحب نظارة سوداء ويأمرهم باعتقال هؤلاء والإفراج عن أولئك.. وإذا ما رفضوا فإنهم يواجهون النفي والتشريد إلى أقصى المدن الشرقية. إنك أنت الذي أسست هذا النظام، ومن ثم تبادر اليوم إلى اتهام المدعين العامين والقضاة.. حسنًا فهل أعضاء القضاء أبرياء؟ من المؤكد أنهم مجرمون أيضًا؛ إذ كان يجب على القاضي أن يضرب يده على الطاولة ويقول: أنا القاضي هنا..! إنكم جميعًا مجرمون.. اللعنة على هذا النوع من العدل المغلوط..! اللعنة على مثل هذه التقارير..! اللعنة على الموظفين الأمنيين والاستخباراتيين الذين أعدوا هذه التقارير..! هل أنتم مصيبة على هذا البلد؟ هل أنتم مصيبة على هذا الشعب؟”.