تقرير: ياوز أجار وعبد الله منصور
إسطنبول (زمان التركية) – أكد شيخ تركي معارض أن هناك سيناريو يعد من قبل التحالف الحاكم في تركيا غرضه تنفيذ حملة قمع واسعة تستهدف جناح التيار الديني، استكمالا لمسلسل التصفية الشاملة للمعارضة الذي بدأ بانقلاب عام 2016 ويرتكز على تحويل كل معارض إلى عدو للحكومة والشعب.
الرئيس المؤسس لوقف “فرقان” الشيخ ألب أرسلان كويتول أكد أن حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وداعمهما الصغير حجمًا والكبير نفوذًا حزب الوطن يسعى إلى اختلاق منظمة جديدة “معادية” تحت مسمى “الكيان السلفي الإرهابي المسلح” على غرار اختلاقه “الكيان الموازي” و”منظمة فتح الله كولن”، من أجل وصم المجموعات المعارضة به وشنّ حملات فصل واعتقال ضدها.
الشيخ ألب أرسلان كويتول قال إنه يؤكد منذ عام 2014 أن حكومة أردوغان اعتبرت تحقيقات الفساد والرشوة في عام 2013 انقلابًا عليها، ثم أخرجت زعيم حزب الوطن اليساري العلماني الأوراسي دوغو برينجك من السجن، وكلفته بالإشراف على مكافحة ما يسمونه “منظمة فتح الله كولن”، مذكرًا بقول برينجك عند خروجه من السجن: “خرجنا من السجن كالسيوف المستلة من أغمادها، وسنقضي على كل الجماعات والطرق الإسلامية في تركيا وسنجتثها من جذورها”.
وأضاف الشيخ أن نظام أردوغان يخطط لاستكمال ما بدأه في أعقاب محاولة الانقلاب المدبرة في 2016، حيث استغلها في القضاء على حركة الخدمة، مؤكدًا أن الدور جاء الآن على كل الجماعات الإسلامية المعارضة الأخرى، وسيقضي عليها بدعوى أنها “جماعات سلفية إرهابية مسلحة”، مشيرًا إلى أنه سيكلف حليفه الصغير دوغو برينجك بتنفيذ هذه المهمة أيضًا، مثلما كلفه بتنفيذ حملات القضاء على حركة الخدمة في الفترة الماضية.
ويشير محللون إلى أن نظام أردوغان يستخدم حزب الحركة القومية وكوادره داخل أجهزة الدولة إذا أراد تنفيذ عمليات ضد الأكراد والمجموعات اليسارية، في حين أنه يستخدم حزب الوطن اليساري الأوراسي إذا أراد شنّ هجمات على المجموعات المحافظة واليمينية لكي لا يسوء وجهه لدى الطرفين ويؤثر ذلك سلبًا على شعبيته الضرورية للبقاء في السلطة.
تصريحات الشيخ كويتول جاءت في بيان خطي نشره عبر موقعه الإلكتروني في إطار انتقاداته للمدعو “الشيخ جُبالي أحمد” أبرز قادة جماعة “إسماعيل آغا” الذي زعم أن “جماعات سلفية راديكالية” تتوجه للتسلح في تركيا، وأدلى بأقواله في هذا الصدد في مركز الأمن، محذرًا من أن هدف هذه التصريحات هو تهيئة الرأي العام لقبول عمليات الفصل والاعتقال الجديدة التي سينفذها نظام أردوغان ضد من سيصنفهم ضمن المنتمين إلى الكيان السلفي الإرهابي المسلح المزعوم.
وقال الشيخ كويتول في معرض تعليقه على علاقة جبالي أحمد بالبؤر العميقة داخل أجهزة الاستخبارات المحلية والدولية: “كيف له أن يعرف هذه المعلومات؟ ولماذا أنا لا أعرف؟ كيف لا يعرف أحد سوى جُبالي أحمد؟ إذا كانت هناك 150 مجموعة سلفية، و2000 جمعية تابعة لها، وأنها تتوجه للتسلح، على حد زعمه، إذًا أين هي الدولة؟ وأين الاستخبارات؟ يجب تغيير جهاز الاستخبارات التركي إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة، وفصل جميع العاملين في الجهاز، وحساب المسؤولين في جهاز الاستخبارات أمام المحاكم إذا كانوا على علم بذلك ولم يتخذوا حتى اليوم أي تدابير تحول دون تسلّح تلك الجماعات”.
وتابع الشيخ: “غرض هذه الادعاءات هو التمهيد لاختلاق منظمة سلفية وإعلانها تنظيمًا إرهابيًّا مسلحًا -مثلما فعلوا مع حركة الخدمة من قبلُ- ومن ثم وصم كل الجماعات المعارضة به، وتنفيذ عمليات اعتقال ضد كل الجماعات حتى ولو لم يمسك أي فرد من أفرادها بالسلاح في حياته”.
وانتقد الشيخ كويتول جبالي أحمد، الموالي لكل من أردوغان وبرينجك، لحديثه عن “تسلح الجماعات السلفية” في الآونة الأخيرة، وتغاضيه في الوقت ذاته عن التصريحات العلنية التي يدلي بها قادة حزب العدالة والتنمية منذ عام 2016 ويدعون من خلالها أنصارهم إلى التسلح. حيث نقل الشيخ عن مستشار أردوغان السابق شرف مالكوتش أوغلو قوله: “يجب فتح المجال أمام تسلح الشعب بشكل قانوني لكي يتصدى لمحاولات انقلابية محتملة”، وكذلك نقل من رئيس بلدية أنقرة الأسبق التابع للعدالة والتنمية مليح كوكجيك قوله: “لقد أقبل أنصارنا على تسلح غير مسبوق، فإذا ما شهدت البلاد محاولة انقلابية جديدة فإنهم سيحاربون الانقلابيين بالأسلحة التي اقتنوها”.
ثم حذر الشيخ أردوغان والحكومة قائلا: “أقولها صراحة: حملات الفصل والاعتقال التي يخططون لإجرائها ضد كل الجماعات المعارضة بدعوى انتمائها إلى هذا الكيان السلفي المختلق ستتوجه في نهاية المطاف إلى حزب العدالة والتنمية نفسه أيضًا.. أحذركم من هنا: إن تهمة التسلح ستطالكم أيضا.
هؤلاء (الحليف الأصغر مجموعة برينجك الأوراسية) يخططون ضربكم أيضا من خلال ضمّكم إلى هذا الكيان السلفي المسلح في المحطة الأخيرة. ذلك لأنه عندما سيتحدث الرأي العام عن قضية تسلح جماعات سلفية فإنه من المؤكد سيتحدث أيضًا، وبالطريقة الأولى، عما فعله ويفعله أردوغان وحزبه في هذا المضمار. فهم سيتهمون أردوغان قائلين: إنك من سمحت لهم بالتسلح، بل شجعتهم على التسلح، وإنك من قمت بحماية تنظيمي القاعدة وداعش!”.
وأشار الشيخ كويتول إلى أن مجموعة برينجك الأوراسية من الممكن أن تقدم على انقلاب عسكري يطيح بنظام أردوغان على غرار الانقلاب الذي أقدمت عليه في 28 فبراير 1997، متذرعة بـ”الرجعية الدينية” التي نشرتها حكومة حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان، وفق رأيها.
يذكر أن الذي ميّز انقلاب 28 شباط من 1997 عن الانقلابات العسكرية الثلاثة السابقة أنه لم يكن انقلابًا عسكريًّا تقليديًّا استُخدمت فيه الأسلحة والدبابات، وإنما تمثل في شنّ “حرب نفسية” وممارسة “ضغوط” أسفرت عن إعلان الحكومة استقالها في يونيو 1997، غير أن المجتمع المدني بكل أطيافه كان أكثر تضررًا من الحكومة التي خضعت للضغوطات ووافقت على تطبيق ما سمي حينها بـ”قوانين مكافحة الرجعية الدينية”.
والمثير أن برينجك اعترف في تصريحات خلال برنامج تليفزيوني على قناة “جلوبال خبر” في وقت سابق من الشهر الجاري بأن حركة الخدمة هي التى كانت مستهدفة من “عملية 28 شباط”، أي “الانقلاب الناعم” الذي قاده جنرالات الجيش “الأوراسيون” في عام 1997، مؤكدًا أن حملات الفصل والاعتقال عقب الانقلاب الفاشل في 2016 هي امتداد لما بدأ مع ذلك الانقلاب قبل 23 عامًا.
جدير بالذكر أن الكاتب والمفكر المتخصص في الفكر الإسلامي والحركات الإصلاحية علي بولاج، الذي خرج من السجن بعد ثلاث سنوات من الحبس بتهمة الصلة بحركة الخدمة والانقلاب الفاشل، قال بُعيد نشوب خلاف بين حركة الخدمة وأردوغان: “إن مرحلة إنهاء الوصاية العسكرية والتخلص من الدولة العميقة تحولت اليوم للاتجاه المعاكس بعدما بدأت في عام 2002. فالدولة العميقة تحيك اليوم “مؤامرة حقيقية” لكل الجماعات والحركات الإسلامية وبمهارة فذة. الهدف الأول هو “حركة الخدمة” باعتبارها لقمة صعبة، ثم يليها حزب العدالة والتنمية نفسه، ثم يعقبه الجماعات الإسلامية الأخرى واحدة تلوى الأخرى، باعتبارها لقمة سائغة. صدقوني، ولا يساورنكم أدنى شك في ذلك، فإنه سيتم أكل الثور الأصفر أولاً، ثم الثور الأبيض، ثم الثور الأسود”.
-