تقرير: ياوز أجار
أنقرة (زمان التركية) – كان مصير المدعي العام صدر الدين صاري كايا السجن في عام 2017 بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، عقابا له بحسب مراقبين على استدعاء رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان في عام 2012، ضمن التحقيقات التي كان يجريها حول تواطؤ عناصر استخباراتية مع عناصر حزب العمال الكردستاني في تنفيذ عمليات إرهابية، وترفض حاليًا السلطات الإفراج عنه رغم تدهور وضعه الصحي بعد أن قضى عامين في الحبس الانفرادي.
سيف الله صاري، نجل صدر الدين صاري كايا، المتهم بـ”محاولة الانقلاب على الحكومة”، قال عبر تويتر مطالبا بإنقاذ حياة والده: “ما الذي تنتظرونه من أجل عدم انتهاك حق والدي في الحياة أكثر من ذلك يا ترى؟”، مطالبًا السلطات بالإفراج الفوري عنه.
الابن صاري كايا أوضح أن والده معتقل منذ أكثر من ثلاث سنوات وهو بريئ من التهم المنسوبة إليه، وأضاف: “والدي مصاب بورم في المخ. خضع للفحص الأول قبل عام، ثم خضع للفحص الثاني في شهر يونيو/ حزيران الماضي. لقد ظل في سجن انفرادي 820 يومًا. والآن لا يريد الذهاب للفحص مرة أخرى بسبب تدابير كورونا وخوفه من إرساله إلى غرفة حبس انفرادي مرة أخرى بدعوى الحجر الصحي. ولم يذهب أيضًا لإجراء الفحص اللازم بالرغم من زيادة الجرح الموجود في بطنه”.
وأضاف الابن: “أبي مصاب أيضًا بالضغط المرتفع، وقصور في أحد الكلى. والآن أسأل المحكمة العليا، ما الذي تنتظرونه للإفراج عن أبي في الجلسة القادمة من محاكمته التي ستعقد في 22 سبتمبر الحالي. ما الذي تنتظره المحكمة الدستورية للاستجابة لطلب أبي بالإفراج عنه”.
يذكر أن المدعي العام صاري كان كان أجرى مكالمة هاتفية مع رئيس المخابرات هاكن فيدان في عام 2012، ودعاه خلالها للتباحث والتشاور حول انخراط بعض عناصر المخابرات في صفوف العمال الكردستاني، ومشاركتهم معهم في أعمال إرهابية، إضافة إلى إطلاق سراح رجالٍ اعتقلوا على أنهم إرهابيون بحجة أنهم رجال بالمخابرات، ليتخذ الطرفان قراراً بتحديد يوم لعقد لقاء وبحث هذا الموضوع.
ومع أن الأمر عبارة عن دعوة من المدعي العام لرئيس المخابرات من أجل تبادل المعلومات التي يحوزها بشأن منظمة إرهابية، أو بعبارة أخرى هو تشاور بين جهازين تابعين للدولة ذاتها، لكنّ فيدان سرّب هذا الموضوع إلى الموقع الإلكتروني لجريدة “حريت”، لينشر خبراً قبل يومٍ واحد من انعقاد اللقاء مدعيًا أن “رئيس المخابرات فيدان كان سيعتقل لو استجاب لدعوة المدعي العام”.
ومن جانب آخر شرع إعلام حزب العدالة والتنمية في نشر أخبار تزعم أن صاري كايا “استدعى” هاكان فيدان في 7 فبراير 2012 لـ”أخذ إفاداته”، بسبب مشاركته في “مفاوضات أوسلو” التي كانت المخابرات التركية أجرتها مع حزب العمال الكردستاني في مدينة أوسلو النرويجية من أجل التوصل إلى تسوية للقضية الكردية، وذلك كخطوة أولى لتمهيد الطريق إلى الإطاحة بالحكومة و”اعتقال الرئيس أردوغان” عبر محاسبتهم على “السياسة” التي اتبعتها حكومته في التفاوض مع حزب العمال الكردستاني.
وفي سيبل تشكيل هذا الإدراك وتسويقه للرأي العام أنتجوا فيلماً يتناول الحادثة ويزعم أن صاري كايا اختار وقتاً حساساً جداً لـ”هذا الخروج على الحكومة”، مشيرًا إلى تزامن “الاستدعاء” مع خضوع أردوغان لعملية جراحية بحيث “لو نام على السرير قبل 45 دقيقة لوجد يديه مكبلتين عند إفاقته واستيقاظه من بعد العملية!”.
لكن البيان الذي نشره مساعد النائب العام في إسطنبول آنذاك فكرت سجان يكشف أن سبب دعوة فيدان ليس مشاركته في مفاوضات أوسلو مع العمال الكردستاني، ولا محاسبة حكومة أردوغان على “السياسة” التي تتبعها في هذا الصدد. حيث جاء في بيانه: “دعوة فيدان لتبادل المعلومات لا تستهدف، لا من قريب ولا من بعيد، الجهودَ التي تبذلها أو السياسةَ التي تتبعها السلطة التنفيذية (الحكومة) من أجل إنهاء فعاليات الإرهاب. لكن ما حدث هو أن النيابة العامة في إسطنبول حصلت على دلائل ووثائق خلال تحقيق معين بخصوص منظمة اتحاد المجتمعات الكردستانية (التي تعد الجناح المدني والعقل المدبر للعمال الكردستاني) تثبت أن عدداً من موظفي المخابرات انتهكوا نطاق المهام الموكلة إليهم وخرجوا عليها، وذلك عن طريق المساهمة في تنفيذ فعاليات المنظمة الإرهابية، الأمر الذي أثار شبهات قوية حولهم”.
والدليل القاطع على أن صاري كايا لم يدعُ فيدان لمحاسبته على سياسة السلطة الحاكمة تجاه العمال الكردستاني هو أن النيابة العامة في أنقرة كانت تنظر فعلاً دعوى رفعها النائب البرلماني من حزب الشعب الجمهوري تانجو أوزجان حول مفاوضات أوسلو مع العمال الكردستاني. ولا يمكن فتح تحقيق جديد حول الموضوع تقنياً بينما يستمر التحقيق المذكور.
أما حكاية التخطيط لاعتقال أردوغان بعد فيدان وهو على فراش العملية، فعارٍ عن الصحة تماماً؛ ذلك أن أردوغان كان خضع لعملية جراحية مهمة في 26 نوفمبر 2012، أي قبل شهرين على الأقل من دعوة فيدان من قبل المدعي العام في 7 نوفمبر 2012. بل كان عاد لجولاته الداخلية ما عدا الخارجية. ومن ثم أجريت له عملية بسيطة مكملة للأولى دون تخدير لكن في 11 فبراير 2012، أي بعد 4 أيام من الحادثة.
هذا بالإضافة إلى أنه لم يكن من الممكن اعتقال أردوغان من الناحية التقنية، إذ من المستحيل أن يعتقل أي نائب عام رئيس الوزراء بإعداد لائحة اتهام بحقه، وليس بإمكانه، في أي حال من الأحوال، أن يعزله من منصبه؛ نظرا لأن رؤساء الوزراء، وكذلك النواب البرلمانيين، لا يمكن عزلهم من مناصبهم ومحاكمتهم ما لم تكن هناك موافقة برلمانية وإحالة إلى محكمة أمن الدولة العليا.
فضلاً عن أن المعارضة انتقدت في ذلك الوقت التقارب والتداخل بين المخابرات وقيادة العمال الكردستاني العليا، إذ اتهم حزب الشعب الجمهوري المخابرات، في استجواب برلماني، بتأسيس وإدارة منظمة اتحاد المجتمعات الكردستانية (العقل المدبر للعمال الكردستاني) وتوظيف قادتها، كما اتهم زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي حينها الرئيس أردوغان بـ”الخضوع لمشاريع رأس المنظمة الإرهابية عبد الله أوجلان”، قبل أن يصبح حليفه في وقت لاحق.
مهما كان فإن أردوغان وظف هذه الأزمة في تنفيذ عملية تعيينات وتصفيات كبيرة في الأجهزة البيروقراطية للدولة، خاصة في جهازي الأمن والقضاء، إضافة إلى إجراء تعديلات قانونية وفرت درعاً قانونياً لعناصر المخابرات ربط إمكانية محاكمتهم قانونياً بإذن رئيس الوزراء أردوغان مهما كانت التهم الموجهة إليهم.
ومع أن أردوغان لم يتهم في ذلك الوقت، أي في عام 2012، حركة الخدمة بالوقوف وراء ما أسموه “الخروج على الحكومة”، ولم يتحدث أبداً عن وجود “كيان موازٍ يريد الانقلاب عليه”، بل كان يطلق هذا الوصف على القيادة العليا للعمال الكردستاني، إلا أن القوات الأمنية اعتقلت المدعي العام صدر الدين صاري كايا في 17 فبراير 2017، برفقة كل من القاضي السابق دورسون علي جوندوغدو والمدعي العام عدنان تشيمان، وذلك بدعوى انتمائهم إلى حركة الخدمة.
صاري كايا كان يشرف على قضية “اتحاد المجتمعات الكردستانية”، والمدعي العام الآخر عدنان تشيمان على التحقيقات الخاصة بقضية “التجسس الإيراني” من خلال أعضاء تنظيم “السلام والتوحيد” التابع لفيلق القدس الإيراني، الملف الذي أغلقه أردوغان في عام 2014 حتى قبل إغلاقه ملفات الفساد والرشوة التي تورط فيها.
–