بقلم: ياوز اجار
إسطنبول (زمان التركية) – يقوم العالم ويقعد قلِقًا من احتمالية اندلاع حرب بين تركيا واليونان بسبب تعارض أطروحات الطرفين حول الحدود البحرية في شرق المتوسط وأحقية كل منهما في التنقبيب عن الغاز والبترول.
أسهم هذه الفرضية ارتفعت مؤخرًا بعدما كشفت مؤسسة “Die Welt” الإعلامية الألمانية، استنادًا إلى “مصادر تركية”، عن إصدار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمرًا بإغراق سفينة أو إسقاط مقاتلة يونانية لاستدراج أثينا إلى “حرب مدبرة”، لكن أوامره قوبلت بالرفض من قبل “جنرالات”، من دون الإشارة إلى هويتهم أو انتماءاتهم.
توريط اليونان في الحرب
إستراتيجية أردوغان تتمثل في خلق أجواء تخدم “حملة وطنية” تجمع “الإسلاميين” مجددًا حول حزبه العدالة والتنمية، و”القوميين اليمينيين” تحت مظلة حليفه حزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي، بعدما بدأ أنصار الفريقين ينصرفون عنهما بسبب الفشل الإداري والأوضاع الاقتصادية في البلاد.
لتحقيق إستراتجيجة تشكيل هذه اللحمة الوطنية يستخدم التحالف الإسلامي القومي هذا كل الأدوات والوسائل الممكنة، بغض النظر عن شرعيتها، حيث يقدم على خطوات، ويستخدم خطابات، من شأنها أن تعيد لأذهان الإسلاميين والقوميين أيام الغزوات والصراعات التي دارت بين الإمبراطورية العثمانية التي ورثتها تركيا الحديثة والإمبراطورية البيزنطية التي ورثتها اليونان.
خلق “توترات تحت السيطرة مع اليونان” أصبح سياسة داخلية تنهجها السلطة السياسية أو المؤسسة العسكرية في تركيا منذ تأسيس الجمهورية كلما تأزمت الأمور في الداخل وباتت في حاجة إلى “إعادة تصميم السياسة الداخلية”، والتحالف الحاكم اليوم ليس باشتناء من ذلك.
المهتمون بالشأن التركي يعرفون بأن هناك “حليفًا صغيرًا” للتحالف الإسلامي القومي بين أردوغان وبهجلي وهو حزب الوطن القومي اليساري الموالي للمعسكر الأوراسي بقيادة دوغو برينجك، الذي يحظى بدعم شعبي أقل من واحد في المئة منذ عقود، لكنه بسط نفوذه في الجيش بفضل مشاركته في الانقلاب المدبر عام 2016، كما أنه الاسم الذي يعتبر “مهندس علاقات أردوغان مع روسيا”، واعترف في وقت سابق بأنهم نجحوا في تصفية 30 ألف جنرال/ضابط موالين لحلف شمال الأطلسي الناتو بعد الانقلاب الأخير.
قال المحلل السياسي التركي المعروف محمد أفا جامان في مقال نشره موقع (TR24) إن الأوراسيين هم من سيطروا على مواقع حساسة في المؤسسة العسكرية بعد الانقلاب الفاشل، وهم يعتقدون بأن تركيا لا يمكن أن تتجه إلى المسار الصحيح في السياسة الخارجية وتحقِّق مصالحها القومية طالما ظلت ضمن المعسكر الأطلسي الغربي، ولذلك يرون توقف عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وكذلك حرمانها من شراء طائرات أف 35 الأمريكية وطردها من برنامج إنتاجها، بسبب شرائها صواريخ 400 S الروسية، مكسبًا كبيرًا لأنفسهم.
ولفت جامان إلى أن أردوغان الممسك بزمام السلطة السياسية والأوراسيين المسيطرين على المؤسسة العسكرية هم الذين يديرون أزمة التوتر الحالية مع اليونان، وأن كل طرف يسعى لتحقيق أهدافه الخاصة به.
الجيش بين الأوراسيين والأطلسيين
ومن ثم زعم الكاتب أن الأوراسيين من سربوا خبر رفض جنرالات الجيش تنفيذ أمر أردوغان بإغراق سفينة يونانية لكي يتنصلوا من مسؤولية حرب محتملة مع اليونان، وبعثوا من خلال ذلك رسالة إلى الغرب مفادها: نحن من نكبح جماح أردوغان!
وأضاف أن هذه المعادلة بين أردوغان والأوراسيين ترفع احتمالية مواجهة ساخنة بين اليونان وتركيا، لأن أردوغان مع أنه بحاجة إلى أزمة مع اليونان إلا أنه يعرف جيدا أن احتمالية تحول هذه الأزمة إلى صراع مسلح قد تكلف سلطته، مرجحا أن الجنرالات الأوراسيين وضعوا “خطة ب” أيضا ليضمنوا تحقيق الفوز في كل الحالات المحتملة.
ثم تابع قائلا: “إذا ما أغرق الجنرالات الأوراسيون سفينة يونانية فإنهم سيجعلون أردوغان يتحمل فاتورته السياسية، ومن ثم سيقودون دعاية بأن النخوة الوطنية تعرضت للإهانة لتكون أساسا لشرعنة سياساتهم الأوراسية الرامية إلى فصل تركيا من المنظومة الغربية. لكن إذا ما وقع تطور غير محسوب وغير مرغوب وفشلت خطتهم فإنهم سيقدمون أردوغان كبش فداء ويحملونه الفاتورة السياسية والقانونية ليواصلوا الحفاظ على مواقعهم في الجيش وسائر أجهزة الدولة. وإن نجحوا في إبعاد تركيا من المحور الغربي وضمها إلي المحور الروسي فإنهم سيؤسسون نظاما شبه استبدادي في تركيا ويستمرون في السيطرة عليه لعقود طويلة.. لذا أعتقد أن احتمالية الحرب مع اليونان أقوى من أي وقت مضى”، بحسب رأيه.
مع احترامي لهذا التحليل وصحة أهداف كل من أردوغان والأوراسيين التي ذكرها الكاتب جامان في مقاله، إلا أن هناك احتمالا آخر يبدو لي هو الأقرب إلى الواقع التركي والمشهد الإقليمي والدولي الراهن، وهو أن الجنرالات المرتبطين بوزير الدفاع الحالي رئيس الأركان العامة السابق خلوصي أكار “الموالي للناتو” هم من سربوا طلب أردوغان بإغراق سفينة يونانية ليفضحوه أمام الشارع التركي والعالمي من أجل الحيلولة دون خروج أزمة اليونان من السيطرة وتفاقم المشاكل بين الطرفين بحيث ينتهي بفصل تركيا من الناتو والمنظومة الغربية بشكل كامل.
هذا الاحتمال يبدو الأقرب إلى الحقيقة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن شوكة الأوراسيين تعرضت لانكسار نسبي بعد إحالة مجموعة كبيرة من جنرالاتهم وضباطهم إلى التقاعد الإجباري واستبدالهم بآخرين موالين للناتو عقب قرارات مجلس الشورى العسكري الأخيرة.
يبدو أن هذه التطورات في الداخل والخارج ستضع أردوغان أمام قرار حاسم في الأيام القادمة ليختار موقعه بين المعسكرين الغربي والروسي بعد نحو سبع سنوات من سياسة اللعب على الحبلين التي نجح بفضلها معادلة المعسكرين ببعضهما البعض.
–