القاهرة (زمان التركية) – قال المحلل السياسي التركي محمد عبيد الله إنّ الرئيس التركي رجب أردوغان غير متزن ويعاني من “البارانويا”، و”النرجسية”، ويتوجس خيفة ممن ليسوا من أفراد عائلته أو شيعته، بحسب ما تعكس قراراته وطبيعة علاقاته.
المحلل التركي عبيد الله قال في حوار مع الصحفي المصري حامد فتحي لموقع “حفريات”: “أدّت السياسة القومية الإسلاموية، لأردوغان وحلفائه القوميين، إلى تشويه صورة كلٍّ من الإسلام وتركيا؛ دولةً وشعباً، بسبب الجرائم التي ارتكبوها”.
ويدعم ذلك تصريحات متناقضة، صدرت عن وزارة الخارجية ومؤسسة الرئاسة في تركيا، بشأن العلاقات مع مصر، في حزيران (يونيو) الماضي؛ حيث دعا وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو إلى الحوار مع القاهرة، ولم يكد يمضي أسبوعان، حتى خرج ياسين أقطاي، مستشار الرئيس أردوغان، بتصريحات حادّة ضدّ مصر ودول عربية أخرى.
وأثار التناقض السابق حيرة المراقبين، بسبب تخبّط السياسة الخارجية التركية، وانعدام الكفاءة واللياقة داخل أكبر مؤسستين تتحدثان باسم الشعب التركي.
ولم يكن ما سبق استثناء في سياسة تركيا؛ فمنذ كشف أردوغان عن أطماعه في البلدان العربية، والقوقاز، ووسط آسيا، باتت تلك السمة الرئيسة لخطاب المؤسسات التركية، خصوصاً بعد أن قام بتنحية جميع القيادات الكفؤة من مؤسسات الدولة الكبرى، ومن حزب العدالة والتنمية، لصالح موالين لشخصه، من منعدمي الكفاءة والطموح.
أردوغان والبارانويا
ووفق عبيد الله، يعاني الرئيس التركي من عدة أمراض نفسية، كشفت عن نفسها في قراراته وسياسته الداخلية والخارجية، من بينها النرجسية؛ حيث يرى نفسه الأجدر بقيادة العالم الإسلامي، والرجل الكفء الذي لم تنجب تركيا مثله، بعد أتاتورك.
وعلاوة على ذلك، يعاني أردوغان من مرض جنون الارتياب؛ فمنذ اللحظة التي وضع قدمه فيها في سدة رئاسة الوزراء، لازمته ذكرى الانقلابات العسكرية التي عرفتها تركيا، رغم تعاون الجيش الوثيق معه للانتقال إلى دولة ديمقراطية.
ويؤكّد المحلّل التركي، محمد عبيد الله: “مرض الارتياب عند أردوغان أدّى إلى القطيعة بين المؤسسات العريقة في الدولة، وعدم الاستفادة من تجارب الموظفين المخضرمين السابقين، إلى جانب الحرمان من الكوادر ذات الكفاءة والمؤهلة في الوقت الراهن والمستقبل”.
ويرى عبيد الله؛ أنّ ارتياب أردوغان من الشخصيات المؤهلة والقديرة، دفعه إلى التخلص من كبار جنرالات الجيش المخضرمين، وكبار المسؤولين، وحتى رفاق دربه في حزب العدالة والتنمية، ومنهم: عبد الله جول، وأحمد داود أوغلو، وعلي باباجان، واستبدالهم بشخصيات ضعيفة، لا تهتم بالحفاظ على استقلال وظيفتها، مثل رئيس الوزراء السابق، بن علي يلدريم، الذي استغله أردوغان كقطعة ديكور في مشهد المسرح الديمقراطي.
وترتب على ذلك غياب الأفق والعمق والإستراتيجي، في السياسة الخارجية على وجه الخصوص، مما تمخض عنه خروج تركيا عن إطار القانون الدولي، في تحركاتها ومبادراتها في المنطقة، كما يحدث في سوريا وليبيا، وفق ما قاله عبيد الله، ومن ذلك؛ الاتفاقية الباطلة لترسيم الحدود مع حكومة الوفاق الليبية، عام 2019، والتي خالفت القوانين، والمواثيق الدولية، وحتى اتفاق الصخيرات، الذي تستند إليه حكومة الوفاق لتبرير شرعيتها.
أردوغان: الولاء أولاً
يرى عبيد الله؛ أنّ أردوغان عمل على تجريف الدولة من المسؤولين الذين يتقيدون بالقانون، بعد كشف مسؤولين نزهاء لفضائح الفساد والرشوة التي ارتكبها أردوغان وأسرته عام 2013، وتشكيك آخرين في مسؤوليته عن انقلاب 2016 المدبَّر، وهو ما دفعه إلى تنحية المسؤولين الملتزمين بالقانون، لصالح الموالين له.
ويضيف عبيد الله: “بات القرب العائلي والأيديولوجي من أردوغان المعيارَ الوحيد الذي يعتمده في التعيينات بمؤسسة الرئاسة، والخارجية على وجه الخصوص، بغضّ النظر عن مبادئ الكفاءة والأهلية”.
وتتّسم السياسة التركية بالخروج عن الأعراف الدبلوماسية؛ إذ تحوّل الخطاب الدبلوماسي من مداراة الحقائق، أو النقد الموزون، إلى خطاب جارح، وكذب فاضح، أدّى في النهاية إلى وصم التصريحات التركية بالكذب.
ومصداقاً لذلك؛ تأتي تصريحات إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، الأحد 20 الجاري التي أكّد فيها أنّ بلاده ليست مع تصعيد التوتر في ليبيا، نافياً وجود نية لمواجهة مصر أو فرنسا أو غيرهما في ليبيا. وتجيء هذه التصريحات الكاذبة في وقت تستمر فيه تركيا بالتحشيد، والتأكيد على شرعية تدخلها في ليبيا، والدفع بالميليشيات لمهاجمة سرت، ما يعني صداماً حتمياً مع مصر وفرنسا.
ولا يجد المسؤولون الأتراك حرجاً في الكذب العلني، ما دام زعيمهم، أردوغان، ينتهج الكذب وسيلةً لتبرير أطماعه وتحقيق مصالحه.
ويبين المحلل التركي، محمد عبيد الله، ذلك بقوله: “أردوغان كان في حاجة إلى (عبيد) يُلبّون دون مساءلة كلّ ما يقوله، ويسكتون على جرائمه أثناء الانتقال من النظام البرلماني العلماني إلى النظام الرئاسي، وتأييد حروبه التي خطط لها، بعد تصفية الجنرالات المعارضين للتدخلات العسكرية في شؤون المنطقة، بتدبير مؤامرة الانقلاب الفاشل في 2016”.
مواقف متناقضة.. عن قصد
لا تخرج المواقف المتناقضة من المسؤولين الأترك بشكل عفوي، بل وراءها غاية تهدف إلى قياس ردّ الفعل، ويكشف ذلك توظيف أردوغان لمسؤولي الملف الخارجي كبيادق على رقعة شطرنج، لتحقيق هدفه.
ويشرح عبيد الله: “لا يمكن أن تخرج تصريحات متناقضة أو مختلفة، في الشؤون الخارجية، في ظلّ وجود أردوغان، بل أعتقد أنّ بعض المسؤولين يدلون بتصريحات تبدو أنّها مخالفة لمواقف أردوغان للوهلة الأولى، لكن إذا أمعنّا النظر فيها فسنرى أنّها تكتيك ومناورة من أردوغان لجسّ نبض الدولة الخصم ومعرفة موقفها من هذه القضايا، لتطوير موقف ملائم في هذا الصدد”.
وتقدم تصريحات جاويش أوغلو وياسين أقطاي مثالاً على ذلك؛ فعندما لم تلتفت القاهرة إلى دعوات أردوغان الزائفة للتقارب، خرج أقطاي بتصريحاته الحادة ضدّ مصر، ليعيد التأكيد على عداء تركيا لمصر، وكسب رضى مؤيديه من الإخوان، بعد أن تأكّد من عدم وجود مكسب له من وراء مغازلة مصر.
ويبين المحلّل التركي هذا التكتيك، في حالة مصر: “أردوغان يهاجم مصر في كلّ مناسبة، بينما مسؤولون من أمثال جاويش أوغلو يخرجون أحياناً ويتظاهرون بمدّ غصن زيتون إلى القيادة المصرية، لكنّ الواقع أنّ أردوغان يكشف بهذه الطريقة ميول الإدارة المصرية وتوجهاتها، في القضايا المعنية، ويتخذ موقفه وفق ذلك، فضلاً عن أنّه، بهذه الطريقة، يُسكت الأصوات الداخلية التي تطالب بالتصالح مع مصر قائلاً: (أنا أمدّ يدي إلى مصر، لكنّها ترفض)”.
إساءة إلى الشعب التركي
ينقسم المتابعون للشأن التركي إلى فئتين: الأولى مرتبطة بأردوغان؛ وهم مؤيدو الإسلام السياسي، الذين لا يرون في تركيا سوى أردوغان، وجميع القرارات القمعية التي تصدر عنه، ويمجدون القرارات التي تسيء للشعب التركي أمام العالم، والتي يرفضها قطاع كبير من الشعب التركي نفسه.
والفئة الثانية؛ الذين يرفضون سياسة أردوغان، وبحكم هيمنته على كلّ شيء في تركيا، يكوّنون صوراً سلبية عنها، وعن الشعب التركي، تغذيها التصريحات الهوجاء من مسؤولي السياسة الخارجية التركية.
ويقول المحلل التركي عن ذلك: “للأسف الشديد، أدّت السياسة القومية الإسلاموية، لأردوغان وحلفائه القوميين، إلى تشويه صورة كلٍّ من: الإسلام وتركيا؛ دولةً وشعباً، بسبب الجرائم التي ارتكبوها، ويرتكبونها، في الداخل والخارج باسم الإسلام وتركيا”.
ويردف عبيد الله: “العمليات التي نفذها هذا التحالف الإسلامي-القومي ضدّ الأكراد، في شرق وجنوب شرق تركيا، بدعوى مكافحة حزب العمال الكردستاني، وتلك التي نفذها في الشمال السوري، بدعوى مكافحة الذراع السورية للحزب نفسه، وكذلك التدخلات المباشرة، وغير المباشرة، في الشؤون الداخلية لجميع دول المنطقة، وعلى رأسها مصر وليبيا والسعودية، أيقظت حفيظة دول المنطقة وشعوبها إزاء عودة الأطماع التوسعية العثمانية التركية، وأثارت كراهية غير مسبوقة في العالمين، العربي والإسلامي، تجاه تركيا”.
–