بقلم: عبد الله منصور
القاهرة (زمان التركية) – “إحياء آيا صوفيا من جديد هو بشارة نحو عودة الحرية للمسجد الأقصى… إحياء آيا صوفيا هو بداية جديدة للمسلمين في كافة أنحاء العالم من أجل الخروج من العصور المظلمة… إحياء آيا صوفيا لا يمثل عودة الأمل للمسلمين فقط، بل أيضًا لكافة المظلومين والمضطهدين والمسحوقين والمستغلين…”، عبارات حماسية وثورية، توحي للوهلة الأولى أن قائلها أقدم على غزوة، لكن الحقيقة أنها السطور الأولى من البيان الصادر “باللغة العربية”عن الرئيس التركي رجب أردوغان بشأن تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد وإعادة فتحه للعبادة والصلاة مرة أخرى، بينما يخلو البيان الصادر باللغة الإنجليزية من أي تصريحات عن المسجد الأقصى!
بالتأكيد هذا البيان المتناقض مع البيان المنشور باللغة الإنجليزية، يكشف أن لأردوغان أقنعة كثيرة، لا يجد غضاضة في تبديلها واحدا تلو الآخر حسب المخاطب أمامه، فعندما تكون الطبقة المستهدفة المسلمين والعرب، يرتدي قناع الإسلام ويقدم نفسه على أنه الدرع والسيف للدفاع عن الإسلام والمسلمين، ولكن ما السر وراء هذا الإعلان في هذا التوقيت تحديدًا؟!
استطلاعات الرأي التي أجريت في الفترة الأخيرة كشفت أن شعبية حزب العدالة والتنمية والأصوات المتوقع حصوله عليها في حال عقد انتخابات في الفترة المقبلة، تشهد نزيفًا غير مسبوقًا، حتى أن بعض الدراسات كشفت أن شعبية الحزب تراجعت إلى نحو 30% فقط، بينما ارتفعت شعبية حزب الشعب الجمهوري المعارض إلى نحو 28% الأمر الذي يعني وجود حاجة ماسة لأردوغان لزيادة شعبيته وضمان خلق فارق كبير بينه وبين منافسه.
لا شك أن الأوضاع الاقتصادية في تركيا في الأشهر الأخيرة، والتي باتت تمثل كابوسًا للشعب التركي بسبب ارتفاع معدلات التضخم بشكل جنوني والانفجار الهائل في أعداد البطالة، فضلًا عن أزمة وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، ليست أوراق يمكن أن يراوغ بها أردوغان لكسب المزيد من الأصوات.
لذلك فإن القرار الخاص بآيا صوفيا له بعدين أساسيين: الأول هو البعد القومي، حيث يتحالف مع حزب الحركة القومية، ويقدِّم الأمر على أنه متعلق بسيادة تركيا والأمة التركية في مواجهة التدخلات الخارجية، حيث قال في رده على الانتقادات الخارجية: “نحن من نصدر قراراتنا في الموضوعات المتعلقة ببقاء أمتنا، واتحادها، وحريتها، وعلى رأس كل ذلك أياصوفيا”.
أما البعد الثاني فبالتأكيد هو البعد الإسلامي، إذ يمثل التيار الإسلامي المحافظ في تركيا الطبقة العريضة من المؤيدين لحزب أردوغان، إلا أنه تلقى صفعة قوية في انتخابات المحليات الأخيرة التي أجريت في 31 مارس/ أذار 2019، حيث خسر إسطنبول التي سيطر عليها أردوغان وحزبه على مدار 25 عامًا تقريبًا. خسارة بلدية إسطنبول تحمل في طياتها رسائل قوية لأردوغان وحزبه، إذ خسر مرشح الحزب للمرة الأولى في منطقة مثل “فاتح” التي تعتبر معقل التيار المحافظ المتدين في قلب المدينة.
لذلك كان أردوغان في حاجة ماسة إلى ورقة جديدة يداعب بها التيار المتدين، لكسب ودَّه مرة أخرى، خاصة وأن الأوضاع الحالية تشير إلى أن أردوغان بدأت استعداداته لعقد انتخابات مبكرة، اختلفت الآراء حول موعدها بين نهاية العام الجاري، ومنصف العام المقبل.
كما أن صيغة بيان أردوغان الخاص بآيا صوفيا المنشور باللغة العربية، وحديثه عن تحرير المسجد الأقصى، بالتأكيد داعبت مشاعر العرب المسلمين، الذين بدأوا فقد تعاطفهم معه شيئًا فشيئًا، على خلفية تدخلاته المستمرة في العراق من خلال العمليات العسكرية على المدن الشمالية، وبالتأكيد انتهاكه للقوانين والأعراف وحقوق الإنسان في شمال سوريا واحتلاله للأراضي السورية، وأخيرًا عبثه بالملف الليبي الذي يكشف المزيد من مخططاته الاستعمارية للدول العربية لنهب مقدراتها وثرواتها؛ فكانت حاجته ماسة لإعادة هذا التأييد العربي الإسلامي وزيادته بدفعة عاطفية.
أما عن الشارع التركي، فقد كشف استطلاع للرأي أن قرابة نصف الشعب التركي يرى أن قرار تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد له أبعاد سياسية، وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة “MetroPOLL” لاستطلاعات الرأي والدراسات، تحت عنوان “نبض تركيا – يونيو/ حزيران”، لتكشف أن 43.8% من المشاركين في استطلاع الرأي يرون أن الغرض من قرار فتح أيا صوفيا للعبادة وتحويله إلى مسد هو إشغال الرأي العام عن الحديث عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تتعرض لها البلاد منذ أشهر وتزداد حدة يوما بعد يوم.
وأوضحت أن 29.5% من المستطلعة آراؤهم رأوا أن القرار طبيعي معتبرين أن المبنى كان مسجدًا في الأساس وتم تحويله إلى متحف، ثم أعيد مرة أخرى إلى وضعه الطبيعي؛ بينما قال 11.7% من المشاركين في استطلاع الرأي: “إنه حيلة يعتقد الحزب الحاكم أنه ستكون فعالة للاستخدام قبل الانتخابات المبكرة”، بينما رفض 15% التعليق على الأمر.
اللافت أن أردوغان ناقض موقفه السابق بقرار تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، حيث كان قد قال في حوار تليفزيوني مباشر عام 2018 عند سؤاله عن رأيه في دعوات فتح أيا صوفيا للعبادة: “أنا بصفتي قائدا سياسيا لم أفقد صوابي لأقع في هذه المؤامرة” وحذر أردوغان من أن هذه الخطوة يمكنها الإضرار بالمساجد التي تديرها تركيا في دول أخرى.
واعلن أردوغان خلال الشهر الماضي في تصريحات له تأييده لدعوات تحويل آيا صوفيا إلى مسجد مرة أخرى، بعدها بساعات بدأ مجلس الدولة التركي نظر دعوى إلغاء القرار الصادر عن مجلس الوزراء في عام 1934 الخاص بتحويل آيا صوفيا من مسجد إلى متحف، وبعدها بأيام صدر القرار بإلغاء القرار السابق وفتح المسجد للعبادة، مع منح رئيس الجمهورية فترة 30 يومًا للتصديق على القرار، إلا أنه صدَّق عليه بعد ساعات قليلة.
الحقيقة أن أردوغان بصلاحياته الواسعة التي منحها لنفسه كرئيس للجمهورية، كان بإمكانه إصدار قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بشكل قانوني، إلا أنه قال في تصريحات سابقة قبل أيام: “نحن في دولة قانون. وننتظر مجلس الدولة إصدار هذا القرار بنفسه، وبعدها سنتخذ الإجراءات اللازمة”، في محاولة منه لرسم صورة مزيفة لدولة القانون في تركيا، وكأنه لم يصدر تلك التوجيهات بنفسه.
–