بقلم: محمد عبيد الله
أنقرة (زمان التركية) – وصف العقيد التركي حسين دميرتاش قائمة المعايير التي اعتمدتها حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان في حركة التصفية الشاملة بعد الانقلاب المدبر في عام 2016 بدعوى الانتماء إلى حركة الخدمة بـ”المجزرة الجماعية المرتكبة ضد الإنسانية”.
وفي إطار رده على أسئلة الصحفي المعروف بتوجهاته اليسارية أحمد نسين على موقع يوتيوب، تطرق دميرتاش إلى ما يسمى بـ”فيتومتر”، وهو جملة من المعايير إذا توفرت إحداها في موظف عسكري أو مدني يعتبره نظام أردوغان منتميًا إلى حركة الخدمة بشكل تلقائي ويتهمه بالإرهاب، وبالتالي يعتقله أو يطرده من وظيفته ولو لم يرتكب أي جريمة مادية أو لم يشارك في الانقلاب، حيث أكد قائلا: “هذه الطريقة في اتهام الناس بعيدًا عن المبادئ القانونية المعروفة ليست إلا أقصى الممارسات والسلوكيات الفاشية”.
وقال العقيد دميرتاش: “نظام فيتومتر لتصنيف وتحديد الأشخاص المنتمين إلى حركة الخدمة هو مجموعة من المعايير التي يعتمده نظام أردوغان رسميًّا في تطهير القوات المسلحة من الضباط والعناصر الموالية للغرب وحلف الناتو تحت مسمى أنهم منتمون إلى حركة الخدمة. فإذا كان عسكري يعرف لغة إنجليزية جيدًا، وناجح في عمله، فإن هذا يعني أنه تابع لحركة الخدمة وإهابي بشكل تلقائي بحسب هذا النظام”.
ثم فصل بقوله: “على سبيل المثال، الضابط الذي يعرف لغة إنجليزية بشكل جيد يحصل على 1.5 نقطة على مقياس ونظام فيتومتر، وإذا كان هذا الضابط مسؤولًا أو رئيسًا لأركان وحدة يحصل على 0.6 نقطة. وإذا تجاوز إجمالي نقاط الضابط 2 نقطة، يتم اعتباره وإعلانه أوتوماتيكيًا من حركة الخدمة وبالتالي إرهابيًا شارك في الانقلاب المزعوم”.
وتابع العقيد أن عدم شرب الخمور والكحوليات، وأن تكون الزوجة محجبة، أو أي من أقاربه حتى الدرجة الثالثة، أو أن يكون على صلة بالأسماء المقربة من حركة الخدمة، أو أن يكون له أي نوع من علاقة بحركة الخدمة من خلال مدارسها أو مراكز التمهيد للجامعات أو بنوكها أو جامعاتها أو أي مؤسسة كانت تابعة للحركة علامات تدل على أنه من حركة الخدمة!
وذكر الصحفي أحمد نسين الذي أجرى الحوار مع العقيد دميرتاش أن نظام “فيتومتر” يتضمن معايير مضحكة من قبيل أن يكون الموظف صاحب أكثر من طفلين، في إشارة منه إلى أن كثرة الإنجاب تعتبر علامة تدل على التدين نظرًا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “تناكحوا تكثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة”.
بحسب التصريحات الرسمية، يبلغ عدد العسكريين المشاركين في الانقلاب المزعوم 8 آلاف و651 شخصًا، ألف و676 شخصًا منهم برتبة جندي، وألف و214 شخصًا منهم برتبة طالب عسكري، إلا أن وزارة الدفاع التركية أعلنت يوم الجمعة المنصرم أن عدد المفصولين من القوات المسلحة منذ الانقلاب المزعوم في 2016 بلغ 19 ألفًا و945 عسكريًّا. وذلك بالإضافة إلى التحقيق مع 500 ألف و650 شخصًا، واعتقال 96 ألفًا و885 موظفًا مدنيًّا، و319 صحفيًّا، وفصل 150 ألفًا و348 موظفًا مدنيًّا، و4 آلاف و463 نائبًا عامًّا وقاضيًا، وإغلاق 3 آلاف و3 مؤسسات تعليمية وفقدان 6 آلاف و21 أكاديميًّا من عملهم بتهمة الإرهاب والانتماء إلى حركة الخدمة. حكومة أردوغان أجرت حركة التصفية الشاملة هذه وفقًا لقوائم الأسماء التي شرعت في إعدادها قبل تحقيقات الفساد والرشوة في عام 2013.
فمع أن أردوغان زعم في 15 أغسطس 2013 أنه ألغى عادة تصنيف المواطنين والموظفين حسب انتماءاتهم قائلاً: “نحن لا نمارس فنّ تصنيف الناس حسب انتماءاتهم كالحكومات السابقة”، إلا أن النائب السابق من حزب أردوغان ومسشاره الحالي برهان كوزو كان اعترف في العام نفسه بتلقي أردوغان تقريرًا استخباراتيًّا يصنّف حوالي ألفي شخصًا من الأمنيين والبيروقراطيين والأكاديميين ورجال الأعمال وفقًا لانتماءاتهم. وما مضى وقت كثير على هذا الاعتراف حتى بادرت حكومة أردوغان في 2014 إلى تشريد 40 ألف شرطي، 11 ألفًا منهم أصحاب مناصب رفيعة في جهاز الأمن.
ومن اللافت أن نيابة أنقرة أصدرت قرارات التوقيف بحق ألفين و744 شخصًا من أعضاء القضاء في وقت كانت أحداث الانقلاب الفاشل مستمرة، مما يدل على أن هذه القرارات صدرت وفقًا للقوائم المعدة سلفًا. ومن المثير للدهشة أن زعيم حزب الوطن اليساري المتطرف دوغو برينجك الموالي للمعسكر الروسي والصيني اعترف أكثر من مرة على الشاشات التلفزيونية قائلاً: “لقد عقدنا اجتماعات مع زملائنا القادة. نحن من سلّمنا لهم قوائم الأسماء، وقمنا بتصفية جميع الأسماء التي نشكّ في انتمائهم لجماعة كولن”.
وقد أدلى نائب رئيس حزب العدالة والتنمية نعمان كورتولموش بتصريحات صادمة تكشف أن انقلاب 2016 لم يكن إلا مدبرًا من أجل تصفية الموظفين العسكريين والمدنيين المعينين وفقًا لهذه التقارير الاستخباراتية غير القانونية، حيث قال: “لو كنّا طبّقنا القانون لما تمكنّا من تصفية هؤلاء الناس من مؤسسات الدولة حتى عام 2030، لذا توجهت الدولة إلى اتخاذ تدبير وقائي طارئ في هذا الصدد”.
هذه التصريحات وأمثالها تدل بصراحة على أن نظام أردوغان قام أولاً بتحديد الأسماء الواجبة تصفيتها بتهمة الانماء إلى منظمة فتح الله كولن الجاهزة، ثم اتهمهم بمحاولة الانقلاب عليه ليتمكن من إعلانهم مجرمين وتصفيتهم بتهمة الانقلاب، وليست المحاكم التي تجري فيها محاكمات بتهمة الانقلاب إلا شكلية وصورية، وسيذكر التاريخ هذه المحاكم محاكم تقتيش أردوغان وسيخضع جميع من لعب دورًا في هذه الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الإنسانية للمحاكم عند عودة تركيا إلى مسار القانون مرة أخرى بدون شك، كما أكد العقيد حسين دميرتاش.
–