بقلم/ قمر محمد حسن
القاهرة (زمان التركية)ــ لم تنجح حكومة قطر في جعل اقتصادها يستمر بنفس وتيرته، فى ظل السياسات الخارجية للأمير “تميم بن حمد آل ثانى” الداعمة للإرهاب، منذ توليه الحكم فى الخامس والعشرين من يونيو 2013، حيث واجه هذا الاقتصاد حالة من التباطؤ عامى 2017 و2018، ليدخل مرحلة من الانكماش بداية من عام 2019، فى ظل مواصلة “تميم” للسياسات الخارجية المتبعة قبل توليه الحكم، فيما يخص عدم قبول سيطرة المملكة العربية السعودية على قرارات مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى تهديد استقرار ووحدة الدول العربية منذ الربيع العربي منذ نهاية عام 2010، والذى نتج عنه قيام كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع علاقاتهم الدبلوماسية وحركة النقل مع الدوحة فى 5 يونيو 2017، ودخلت هذه المقاطعة التى عرفت باسم “الأزمة الخيجية” عامها الرابع منذ 6 يونيو 2020، فى ظل استمرار تعنت الجانب القطرى ورفضه تغيير أيا من سياسته المتبعة لصالح أى دولة من الدول الأربعة على الرغم من محاولات الوساطة المتكررة من جانب عدد من الدول لحل هذه الأزمة. وسيتم توضيح ذلك في النقاط التالية:
أولا: ملامح تراجع الاقتصاد القطرى منذ تولى “تميم” الحكم:
أثبت الاقتصاد القطري عكس توقعات الكثيرين، تأثره السلبى بالسياسات الخارجية للأمير “تميم بن حمد آل ثانى”، وذلك على الرغم من محاولات الدوحة المتعددة لتنويع اقتصادها وتخفيف التأثير السلبى لهذه المقاطعة بتأسيس أكبر بنية تحتية لإنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال في العالم، وبناء شبكة اتصالات ومواصلات وموانئ ومطارات حديثة ومتطورة، تربط الدوحة بالعالم الخارجي وتساعدها على تجاوز الحصار، والوصول إلى مصادر الاستيراد الأصلية والبديلة، والعمل على تنويع الاستيراد والإنتاج، ومن أبرز هذه المؤشرات التى تدلل على التأثر السلبى لهذا الاقتصادى بسياسات “تميم” الخارجية عامة والأزمة الخليجية بصفة خاصة، والذي فاقم من حدته التداعيات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد العالمي ككل، ما يلى:
- استمرار تباطؤ نمو الناتج المحلى الإجمالى، وانكماشه منذ عام 2019:
يحقق الاقتصاد القطرى تباطؤا مستمرا فى نمو الناتج المحلى الاجمالى منذ العام 2011، زاد من حدته تداعيات الأزمة الخليجية على هذا الاقتصاد، حتى وصل إلى مرحلة الانكماش بداية من عام عام 2019، بتحقيق معدل نمو اقتصادى سالبا بلغ -0.3% حسب تقديرات البنك الدولى، مقارنة بـ نمو موجب بلغ 1.5% عام 2018، و 19.6% عام 2010.
- تحقيق معدلات تضخم سالبة:
على الرغم من أن تحقيق معدل تضخم بالسالب، يعتبر مؤشر إيجابى على انخفاض أسعار السلع داخل الدولة، إلا أن استمراره يعبر عن وجود تباطؤ اقتصادى، أو انكماش كلما زادت حدته، وهو ما بات ينطبق على الاقتصاد القطرى، الذى استمر فى تحقيق معدل تضخم سالب منذ الربع الرابع للعام 2018 وحتى الربع الثانى للعام 2019، بلغ فى المتوسط -0.7%، ثم معدل موجب فى الربع الثالث 2019 وهو 1%، ليعود مرة أخرى لتسجيل معدل سالب فى الربع الرابع 2019، والربع الأول للعام 2020، ليبلغ -1.4%.
- ارتفاع الدين الخارجى الحكومى لمستوى تاريخى:
أصبح الدين الخارجى للحكومة بقطر يتجاوز الـ 100 مليار ريال منذ عام 2016، حتى وصل إلى أعلى مستوى له وهو 196.4 مليار ريال (53.86 مليار دولار) عام 2019، مقارنة بـ 114.25 مليار (31.4 مليار دولار) عام 2017، وبارتفاع قدره 68.7% عن عام 2016، وذلك وفقا لإحصاءات البنك المركزى القطري.
- تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للداخل:
بحسب إحصاءات جهاز التخطيط والإحصاء القطرى، باتت تدفقات الاستثمار الأجنبى الخارجة من الدوحة تتجاوز التدفقات الداخلة منذ العام 2016، كما اتخذت اتجاها متزايدا مقابل تراجع التدفقات الداخلة حتى عام 2018، حيث سجلت التدفقات الداخلة 123.3 مليار ريال للعام 2018، بانخفاض قدره 4.4% عن عام 2015، أما التدفقات الخارجة فقد بلغت 146.8 مليار ريال بارتفاع قدره 4.41% أيضًا، وذلك قبل ان ترتفع التدفقات الداخلة خلال النصف الأول من العام 2019 إلى 125.2 مليار، فى حين استمرت التدفقات الخارجة فى التزايد وبلغت 152 مليار ريال، بما يوضح التأثير السلبي للأزمة الخليجية على الاستثمار الأجنبى المباشر بالدوحة.
- تخفيض التصنيف الائتماني من قبل الوكالات الدولية:
انعكست الأزمة الخليجية سلبا على التصنيف الائتمانى السيادى لقطر من قبل الوكالات الدولية للتصنيف الائتماني منذ عام 2017، لتصبح فى أقل درجة من الجدارة الائتمانية العالية بدلا من المتوسطة، ففي 26 مايو 2017 خفضت وكالة “موديز” هذا التصنيف درجة واحدة من AA2 إلى Aa3 مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهو التصنيف الذى ظل ثابتا حتى الآن، كذلك خفضت وكالة “ستاندرد آند بورز” التصنيف إلى AA- بدلا من AA، ووضعتها على قائمة المراقبة الائتمانية ذات التداعيات السلبية فى 7 يوليو 2017، إلى أن تم تثبيت هذا التصنيف مع نظرة مستقبلية مستقرة منذ ديسمبر 2018 وحتى مايو 2020، وخفضت وكالة “فيتش” من تصنيفها أيضًا ليصبح –AA فى 28 أغسطس 2017 بدلا من AA، مع نظرة مستقبلية مستقرة، وظل هذا التصنيف ثابتا حتى فبراير 2020.
- تراجع فائض الميزان الجارى:
تأثر فائض الميزان الجارى للدوحة بالأزمة الخليجية، نتيجة تراجع الطلب الخليجي على منتجاتها، وهو الفائض الذى أصبح أقل من 20 مليار دولار منذ العام 2015، مقارنة بـ 49.41 مليار عام 2014، مسجلا عجز قدره 8.27 مليار عام 2016، وارتفع ليسجل 6.43 و16.65 مليار دولار عامي 2017 و2018 على الترتيب، ثم عاد للتراجع مرة آخرى بنحو 74.6% ليبلغ 4.23 دولار عام 2019، متأثرا بتراجع الصادرات بنسبة 13.4% خلال عام 2019 مقارنة بعام 2018، وذلك وفقا لبيانات البنك المركزي القطري.
- التداعيات السلبية لجائحة كورونا:
فاقمت التداعيات السلبية لجائحة كورونا على اقتصادات العالم، من حدة التحديات الراهنة التي تواجه الاقتصاد القطرى، جراء تراجع أسعار النفط العالمية ومؤشرات البورصة والمزيد من الانكماش للاقتصاد، وتوقع البنك الدولي في تقريره الأخير عن آفاق الاقتصاد العالمى الصادر فى 8 يونيو 2020، أن يحقق الاقتصاد القطرى انكماشا قدره 3.5% بنهاية العام الحالى 2020، حيث تسبب ضعف الطلب على النفط إلى جانب الخلاف بين منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفاؤها “OPEC plus” خلال شهرى مارس وابريل 2020، إلى انخفاض سعر برميل خام برنت ليصل إلى أقل قيمة له في 21 أبريل وهى 19.33 دولار للبرميل، ثم عاد لاتجاهه المتذبذب حتى أصبح سعر البرميل 40.55 دولار في 10 يوليو 2020، مقارنة بـ 68.91 دولار في 6 يناير 2020، مما سيؤدى إلى تراجع إيرادات الدوحة من النفط والغاز خلال العام الحالى، والتى تمثل 79.6% من إجمالى الإيرادات العامة.
وظهرت أيضًا التداعيات السلبية لهذه الجائحة جلية على أداء البورصة القطرية، حيث هبط كل من مؤشرها العام ومؤشر العائد الإجمالي خلال الفترة (يناير-مارس 2020 ) بنحو 21.4%، وعلى الرغم من عودته للارتفاع منذ أبريل 2020 إلا أنه مازال أقل من قيمته خلال عام 2019.
المؤشر العام لبورصة قطر ومؤشر العائد الإجمالي، المصدر: الموقع الرسمي لبورصة قطر.
ثانيا: السيناريوهات المحتملة لآفاق الاقتصاد القطري:
فى ظل الضغوط التى يواجهها الاقتصاد القطرى جراء السياسات الخارجية التى يتبعها الأمير “تميم”، والتحديات التى خلفتها جائحة كورونا، أصبح هذا الاقتصاد أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة، وهى:
السيناريو الأول: استمرار الانكماش فى الأجل القصير:
ويتحقق هذا السيناريو مع مواصلة الدوحة التعنت فى سياساتها الخارجية تجاه الدول الأربعة؛السعودية والإمارات والبحرين ومصر، لاسيما بعد إصدار السفارة القطرية بواشنطن فى 18 يونيو 2020 بيانا لها جددت فيه بأن ” قطر لطالما أكدت انفتاحها على الحوار غير المشروط لحل الأزمة الخليجية، إلا أن دول الحصار هي التي ترفض الحوار”، مما يعنى مواصلة الدوحة لفقدان الطلب الإقليمى لمنتجاتها وتراجع الاستثمارات الخليجية بها، وهو الوضع الذى سيزيد من حدته التداعيات السلبية لجائحة كورونا، ففي ضوء هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية والتداعيات السلبية لجائحة كورونا، توقع البنك الدولى فى تقريره “آفاق الاقتصاد العالمى” الصادر فى 3 يونيو 2020، أن يحقق الاقتصاد القطرى انكماشا بنحو 3.5% بنهاية العام الحالى 2020.
السيناريو الثاني: تحسن أداء الاقتصاد:
وسيتحقق حال تحسنت العلاقات البلوماسية بين قطر وكل من السعودية والامارات والبحرين، وعودة العلاقات الاقتصادية إلى طبيعتها مع بداية تعافى اقتصادات العالم من تداعيات جائحة كورونا، ويعتبر هذا السيناريو مرهونا بتغيير “تميم” للسياسات الخارجية المتبعة تجاه الدول العربية عامة والخليجية بصفة خاصة، ووقف دعم الجماعات الإرهابية حول العالم.
أو حدوث تغيرات فى الشأن الداخلى القطرى تكون سببا فى تغيير النظام الحاكم كليا وبالتالى السياسات الخارجية للدوحة، فى ظل مواصلة عمليات القمع للحريات داخليا، لاسيما بعد إقرار قانون جديد لقمع الحريات فى ٢٠ يناير 2020، يقضي بالحبس مدة لا تتجاوز 5 سنوات وغرامة لا تزيد على 100 ألف ريال، لمن ينشر أو يعيد نشر أخبار تثير الرأي العام في قطر أو تمس بالنظام العام للإمارة، خاصة وأن هناك رفض من بعض أعضاء الأسرة الحاكمة في الدوحة لسياسات “تميم” الداخلية والخارجية، وهو ما عبر عنه الشيخ “فهد بن عبدالله آل ثاني”، بمقال له بأحد الجرائد في فبراير 2020، عن “أسفه وانزعاجه لما يحدث في بلده، خصوصا مع انتهاج الدوحة سياسات تخريبية ضد جيرانها ومعاداتها”.
السيناريو الثالث: المزيد من التدهور للاقتصاد القطرى:
وهذا حال دخول الدوحة فى خلافات مع دول أخرى إما باقى الدول الخليجية؛ عمان والكويت، أو الدول العربية الآخرى بخلاف مصر وسوريا، وذلك إذا توسعت قطر فى سياساتها الخارجية الداعمة للجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة، بما يدفع إلى فرض عقوبات اقتصادية من قبل الاتحاد الأوروبى، إذا رأت دول الاتحاد أن هذه السياسات القطرية ثمثل تهديدا لها أو لمصالحها فى المنطقة، بما سيفقد الدوحة مكانتها الاقتصادية على المستوى الإقليمي.
وختامًا، يعتبر السيناريو الأول هو المرجح فى ظل عدم الاستعداد القطرى لحل الأزمة الخليجية بشروط من قبل الدول الأربعة؛ السعودية والبحرين والإمارات ومصر، واستمرار رفض هذه الدول للسياسات القطرية المعادية لها، ومواصلة الدعم للجماعات الإرهابية حول العالم، إلى جانب عدم وجود أية اعتراضات وتهديدات أمريكية أو أوروبية رسمية على السياسات التي تنتهجها قطر حتى الآن.
–