بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)ــ لطالما قرأ المرء من حكايات وقصص وروايات، ولطالما سمع المرء كذلك من الغرائب ومن شتى أصناف القصص التي قد تعجب أو لا تعجب، ومن أحب ما قرأت من قصص مؤخرًا حكاية من المأثورات.
في هذه القصة أو الحكاية أن سيدة ترى رجلا -وهى في طريقها إلى منزلها عائدة بعد يوم عمل طويل- أغبر الشعر رث الثياب باهت الوجه مضمحل الجسم يفترش موضعا على جانب الطريق العام، وقد راح ينادي بصوت مبحوح أنهكه العوز والتعب وربما المرض: اشتر قطعة من الجنة ! اشتر قطعة من الجنة ! ولا يقترب من الرجل أحد من المارة، والرجل يعيد النداء ويكرره في غير ملل. ولربما هرب من بائع الجنة البعض ممن مروا به، مخافة أن يكون الرجل مجنونا أو مختلا خطيرًا فيصيبهم بسوء أو يعتدي عليهم. فلما رأت السيدة العائدة إلى بيتها بائع الجنة، تمهلت قليلا في خطواتها، وهى تفحص الرجل بخفي طرفها من شعر رأسه إلى أصابع قدميه العاريتين، فلم تر في الرجل شيئا الا طيبة وضعفا بينا وهونا واستسلاما.
حارت السيدة في أمرها قليلا: أتمضي في طريقها إلى بيتها، أم ماذا تفعل لهذا الرجل المسكين؟ فهداها تفكيرها إلى أن تخطو في اتجاه الرجل وأن تتقدم إليه بابتسامة جميلة صادقة وتمنحه بعضا من المال، لعله ينتفع به أو يرضى، فلما رآها الرجل المسكين تقبل عليه باسمة، توقف عن النداء لوهلة وتناول المال من يد السيدة الكريمة في هدوء واطمئنان، ثم عاد إلى النداء على بضاعته الثمينة مرة أخرى: اشتر قطعة من الجنة! اشتر قطعة من الجنة! اشتر قطعة من الجنة!
عادت السيدة الكريمة إلى بيتها هنيئة النفس بما فعلت مع الرجل المسكين ساكن الطريق العام، وأن كان ما قدمته الى الرجل يسيرا قليلا. فلما نامت السيدة من ليلها رأت في منامها أنها في الجنة، فسرت سرورا عظيمًا، حتى لاحظ زوجها ما على وجهها من السرور والرضا، فسأل الزوج زوجته عن سبب سرورها الواضح، فروت الزوجة لزوجها ما كان من أمر الرجل المسكين بائع الجنة القابع على جانب الطريق العام. فأسرها الزوج في صدره غيرة وغبطة من عند نفسه، وخرج من بيته قاصدا الى بائع الجنة، فمنحه ما منحته زوجته من مال ومضى إلى حاله.
فلما كان اليوم التالي، استيقظ الزوج من نومه، دون أن يرى نفسه في الجنة، فذهب إلى بائع الجنة مرة أخرى وسأله: لقد دفعت إليك ما دفعته إليك زوجتي من مال، فرأت هى نفسها في الجنة ولم أرى نفسي في منامي في الجنة، فلماذا إذا؟
أبتسم الرجل المسكين بائع الجنة ابتسامة واهنة وقال للزوج: لقد منحتني زوجتك المال جبرا بخاطري، لانها رقت لحالي وأرادت مساعدتي. أما أنت، فقد دفعت إلى ما دفعت من المال لتشتري قطعة من الجنة، والجنة لا تشترى بالمال.
–