ماهر المهدى
القاهرة (زمان التركية)ــ كنت أشعر بقليل من القلق من السفر بالطريق من بغداد إلى عمان في الأردن، مما قد يصادف المرء في الطريق من أمور، خاصة في ظروف مشتعلة كما كان الحال حينها في بغداد.
ولكن الحياة كلها كانت على قدر من الخطر ومن القلق في بغداد، اذا أردت الحقيقة والإنصاف، فما جدوى القلق بشأن بعض المخاوف والاحتمالات؟ إن القلق من رحلة الطريق البري من بغداد إلى عمان الأردن قد يبدو مضحكًا تمامًا، اذا ما تذكرت أن طريق المطار ومجرى الطائرات هدفان للقصف والتفجير بكل بساطة.
ولا يمكن لي أن انسى تلك الحفر العميقة التي كانت تميز مهبط الطائرات في مطار بغداد الدولي، كان من يهبط يجعل من نفسه في لحظة ما تبة لإطلاق النيران او أهدافا حية للمتدربين على إطلاق النيران باشكالها، ولمن يهوى قتل البشر.
كان الاتفاق مع سيارة جي ام سي سهلا ميسرا أكثر مما توقعت، بحيث تحضر السيارة إلى منزلي صباح يوم السفر لتقلني مع الآخرين إلى وجهتنا المنشودة في سلام. فرتبت أموري واستعديت للسفر في غدي، بحيث يبقى بيتي مفتوحا في رعاية مدبرته السيدة العراقية الطيبة ريثما أعود من إجازتي. وفي الصباح، حضرت سيارة السفر في موعدها، وكان الجو جميلا هادئا، فاستبشرت خيرا، وانطلقت بنا السيارة.
بعد قليل من انطلاق السيارة، أدركت أني كنت محقا بشأن أفضلية الطريق البري، فكانت السيارة مريحة وجو السفر طيبا، والمسافرون كل في حاله، بينما تنهب السيارة الطريق. وقد ظللت متنبها لما ستمر به السيارة من معالم جديرة بالرؤية، فلم يكن هناك ما يرى حقيقة في الطريق، سوى أسوار سامقة ظهرت بعد فترة من الوقت يعلوها أسلاك شائكة وتحيط بموقع ما، دون لافتات أو عناوين تفصح عن كنه ذلك المكان الواقف وحده تحت شمس حارقة. فلما سألت السائق، أجاب سريعا دون أن يلتفت إلى: هذا سجن أبو غريب. فلما سمعت ما قاله السائق، سرت في جسدي قشعريرة. فلم تكن تلك القصص التي وضعها الإعلام أمام العالم عن تعذيب السجناء والتمثيل بهم في سجن أبي غريب ببعيد. فقط أحسست بشىء من الاستغراب، لكون سجن ابي غريب ليس ببعيد عن قلب بغداد، أو هكذا تصورت حينها. لم ألبث أن نسيت أمر سحن أبي غريب بعد برهة وعدت أتامل سكون الوجود حولنا وصوت السيارة ووجوم السائق المشغول بالقيادة.
كانت نقطة التفتيش الحدودية الأردنية العراقية لطيفة المعاملة، فلم تبق السيارة بها كثيرا وعادت إلى طريقها، تشقه في ثبات وعزم، حتى وصلنا إلى العاصمة عمان في حوالي الثانية عشرة ظهرا سالمين بحمد الله.
كانت إجازتي عدة أسابيع قليلة وأعود بعدها إلى العراق، لكن الأمور ساءت حينها قي بغداد في منتصف عام 2005، فلم تعد الحياة هناك آمنة بما يكفي، فكانت إجازتي هى نهاية رحلتي الى العراق ولم أر بيتي هناك في بغداد مرة أخرى ولم أر نور قطي الجميل للأسف مرة ثانية، ولكني أحتفظ لبغداد وأهلها بمودة وتقدير ومشاعر انتماء رغم كل شىء.
–