(زمان التركية):
كتب مأمون هارون الرشيد مقالًا في موقع “أمد” تناول فيه العلاقات الأمنية بين اسرائيل وتركيا جاء على النحو التالي:
ارتبطت تركيا بعلاقات مع اسرائيل منذ بداية نشأة الكيان الاسرائيلي، فقد اعترفت تركيا باسرائيل في 18 مارس من العام 1949م، وكانت بذلك أول دولة اسلامية تعترف بإسرائيل بعد اعلان قيامها، ومثّل ذلك ضربة حقيقية للأمة الاسلامية التي لم تكن تعترف باسرائيل، وترفض قيامها وتعتبره استعمارًا لأراض عربية وإسلامية، وتدنيسًا للمقدسات الإسلامية في فلسطين أرض الإسراء والمعراج، التي تشكل قيمة روحية لدى الشعوب الإسلامية وخاصة في القدس حيث المسجد الاقصى وقبة الصخرة وحائط البراق وغيرها من المقدسات الاسلامية، فكان اعتراف تركيا باسرائيل يشكل طعنة في خاصرة الأمة الإسلامية وإضعافًا لموقفها .
كان “دافيد بن غوريون” مؤسم دولة اسرائيل قد اعتمد ما أطلق علية بسياسة ( شد الأطراف، أو تطويق الطوق) والتى رأى من خلالها أن اسرائيل يحيط بها محيط عربي معادي , وأن اسرائيل ستكون دولة قليلة العدد بالنسبة لمحيطها العربي وأن ذلك سيبقى تهديدا اسراتيجيا لاسرائيل على المدى البعيد لان هذة الدول إذا ما قُدر لها النهوض واستلام زمام امورها فإن اسرائيل لن تكون بمأمن وستبقى تحت خطر التهديد والإزالة ورأى بن غوريون أن هناك ثلاث دول عربية محيطة ورئيسية تشكل الخطر الاستراتيجي على اسرائيل، وهي مصر وسوريا والعراق، وكانت سياسة بن غوريون ترتكز على إضعاف هذة الدول الثلاثة وذلك عبر إبقائها منشغلة في مشاكلها الداخلية من خلال خَلق الفتن والصراعات والمشاكل بين طوائف المجتمع، وضرب محاولات التنمية والنهوض لابقاء قرارها تابع لدول خارجية تتحكم بها وبسيادتها، وكذلك اشغال هذة الدول بصراعات ومشاكل مع دول الجيران تبقيها في حالة نزاع دائم مع هذه الدول فتشغلها عن اسرائيل العدو المركزي، وتهدر طاقاتها ومواردها في هذة النزاعات، فتوقف عمليات التنمية والنهوض لهذة الدول، وقد وجدت اسرائيل في كل من ايران وتركيا وأثيوبيا أهدافًا مواتية لتنفيذ سياستها , فهذة الدول تكنّ عداءً للعرب نتيجة صراعات تاريخية، ولها أحلام وأطماع لاعادة أمجادها المندثرة، كما أن لها ثارات ورغبات في الانتقام , لذلك شكل اعتراف تركيا مبكرا باسرائيل طعنة في الجبهة الاسلامية ونجاحا للسياسة الاسرائيلية .
ارتكزت العلاقات الاسرائيلية التركية على مرتكزات أهمها:
1- تطويق الطوق وهي نظرية بن غوريون كما أسلفنا من أجل اشغال العرب واشراك هذة الدول في مواجهة العرب
2- رأت تركيا أن العلاقة مع اسرائيل هي مفتاحها باتجاه الغرب وخاصة الولايات المتحدة في ظل الحرب الباردة التي كانت سمة المرحلة في الصراع بين الشرق والغرب بقيادة الاتحادد السوفيتي في حينه والولايات المتحة الامريكية، وقد رأت تركيا أن اعترافها باسرائيل سيفح لها ابواب الغرب.
3- أن موقع تركيا الاستراتيجي جعلها أحد أهم الاهداف في السياسة الخارجية الاسرائيلية، فموقع تركيا الجيوسياسي والاستراتيجي شكّل حلمًا للساسة الاسرائيليين منذ قيام اسرائيل، فهي تقع في محيط جغرافي استراتيجي يربط اسيا باوروبا، وتحد شمال دولتين من أكثر الدول خطورة على وجود اسرائيل وهما العراق وسوريا، كذلك مشاركتها الحدود مع العديد من الدول يعطيها حضورًا وتأثيرًا في الإقليم، بالاضافة إلى العوامل التاريخية والجغرافية، والموارد الاقتصادية وخاصة المياه.
عقدت الكثير من الاتفاقات بين البلدين على كل المستويات وفي كافة المجالات , سواءا الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية أو العسكرية وغيرها، لكن العلاقات الأمنية والعسكرية والتي بدأت مبكّرا كانت أكثر العلاقات ثباتا ورسوخا، فرغم مرور العلاقات بين البلدين ببعض مراحل التوتر خلال تارخ هذة العلاقات، وخاصة في عهد حزب العدالة والتنمية، إلا أن العلاقات الأمنية والعسكرية لم تتأثر، وبقيت بنفس الوتيرة بل بتصاعد مستمر لصالح مصالح البلدين في المنطقة، حيث تعتبر تركيا ثاني أكبر سوق للسلاح الاسرائيلي بعد الهند.
كان أول اتفاق أمني اسرائيلي تركي قد عقد عام 1951، حيث توالت الاتفاقات الأمنية والعسكرية بعد ذلك , ففي العام 1956 مثلًا عقد اتفاق بين البلدين تقوم اسرائيل بموجبة بتحديث 25 طائرة عسكرية تركية، وفي العام 1958 وكرد فعل على اعلان الوحدة بين مصر وسوريا تم التوقيع بين البلدين على اتفاق عسكري سمي (الاتفاق الطاريء ) , وفي العام 1974 تصاعد التعاون الأمني والعسكري بينهما بعد فرض عقوبات على تركيا اثر غزوها لجزيرة قبرص، وقد سمحت تركيا لاسرائيل باستخدام مطاراتها للتجسس على العراق وسوريا وايران، وفي العام 1990 سمحت تركيا لاسرائيل ببناء محطات تجسس على أراضيها للتنصت على هذة الدول، كما وقعت في عام 1996 اتفاق عسكري يسمح بتشكيل مجموعة أبحاث استراتيجية مشتركة ونشر أنظمة رادار اسرائيلية على حدود تركيا مع العراق، كما نص هذا الاتفاق على قيام اسرائيل بتحديث الدبابات والطيران العسكري التركي بما قيمتة مئات الملايين من الدولارات وذلك مقابل تزويد اسرائيل لتركيا صورا لمواقع المقاتلين الاكراد في شمال العراق، كما نص الاتفاق على القيام بمناورات عسكرية مشتركة.
وقد استمر التعاون بالاتفاقات الامنية بين البلدين حتى بعد وصول نجم الدين أربكان ذي الميول الاسلامية الى الحكم عام 1996 وكذلك بعد وصول حزب العدالة والتنمية عام 2004م، بيد أن ارتفاعًا في وتيرة التعاون قد طرأ بين البلدين، فقد وقع على اتفاق لتحديث دبابات تركية بما قيمتة 668 مليون دولار بعد وصول الحزب، وفي العام 2005 قام رئيس وزراء تركيا بزيارة لاسرائيل وقع خلالها على عدة اتفاقات أحدها بقيمة 500 مليون دولار لتحديث 54 مقاتلة “فانتوم” تركية، وصفقات لشراء نظم محطات أرضية، ومنظومة صواريخ أرض جو من الصناعات العسكرية الاسرائيلية، وقد قامت تركيا بشراء 10 طائرات بدون طيار من الصناعات الاسرائيلة في عام 2009 ظهر منها مؤخرا في الاجواء الليبية بعد التدخل العسكري التركي هناك، كما قامت عام 2013 بشراء منظومة متطورة للانذار المبكر ورادارات عسكرية،
وقد سمحت تركيا لاسرائيل باستخدام مجالها الجوي لضرب اهداف في العراق وسوريا، ففي العام 2007 نفذت اسرائيل ضربة جوية من خلال استخدامها الأجواء التركية على الأراضي السورية وضربها للمفاعل النووي في منطقة دير الزور.
شكل حجم التبادل العسكري بين البلدين في العام 2007 ما نسبنة 69% من حجم التبادل التجاري بين البلدين والذي بلغت قيمتة ملياران وستمائة مليون دولار ذلك العام، وما زال التعاون الأمني والعسكري بين البلدين في تصاعد مستمر برغم حالات التوتر التي شابت العلاقة بين البلدين وخاصة بعد حرب غزة وإعلان اسرائيل عن ضم القدس ونيتها ضم الأغوار وأرضي في الضفة الغربية، إلا أن ذلك لم يؤثر في هذة العلاقات .