تقرير: محمد عبيد الله
برلين (زمان التركية) – أبت الحقيقة إلا أن تظهر على لسان نائب رئيس الدعاية والإعلام في حزب العدالة والتنمية أمره جميل آيفالي، حيث اعترف في بث مباشر خلال برنامج تلفزيوني بأن الرئيس أردوغان دبر في العقد الأول من حكمه مؤامرة للإيقاع بين أفراد حركة الخدمة وأنصار التيار العلماني الكمالي في الجيش وضرب بعضهم ببعض.
في برنامج أذيع على قناة (سي أن أن التركية) وشارك فيه مجموعة من المحللين لمناقشة الاتهامات التي وجهها رئيس الأركان الأسبق إيلكر باشبوغ لحزب العدالة والتنمية بأنه “الذراع السياسية لمنظمة فتح الله كولن”، حاول آيفالي الدفاع عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، لكن في زلة لسان منه قال: “تزعمون اليوم أن حزب العدالة والتنمية تعاون مع منظمة فتح الله كولن.. أقولها بصراحة: نعم، العدالة والتنمية تعاون مع هذه المنظمة سابقًا من أجل تصفية التيار الكمالي الانقلابي.. لما جاء حزبنا إلى الحكم لم يكن له كوادر جاهزة في مؤسسات الدولة، بل -أقول بكل صراحة- كان هناك أنصار التيار الكمالي الانقلابي في جانب ومنظمة فتح الله كولن في الجانب الآخر. ونحن اضطررنا لشقّ طريقنا من خلال الإيقاع بين هذين الكيانين وضرب بعضهم ببعض”، على حد قوله.
الأكثر إثارة أن هذه التصريحات دفعت نائب رئيس الدعاية والإعلام في حزب العدالة والتنمية أمره جميل آيفالي لمغادرة منصبه، قائلاً: “لقد أخرجت تصريحاتي حول الصراع بين منظمة فتح الله كولن والتيار الكمالي الانقلابي عن سياقها، لذا اتخذت قرارًا بالاستقالة لكي لا أسبب أضرارًا لحزبي وقضيتي”، على حد تعبيره.
جدير بالذكر أن المقصود بـ”أنصار التيار الكمالي الانقلابي” في تصريحات آيفالي هم أعضاء تنظيم أرجنكون (الدولة العميقة) من العلمانيين المتطرفين الموالين لروسيا والصين (الأوراسيين) الذين حاولوا الإطاحة بأردوغان منذ وصوله إلى الحكم في 2002 حتى عام 2011 بدعوى أنه حزب إسلامي يسعى إلى تبديل النظام في تركيا من العلماني إلى الإسلامي وتأسيس دولة الشريعة.
وكان أردوغان قدم “دعمًا محدودًا” لتحقيقات تنظيم أرجنكون التي بدأت في عام 2007 ضد الأوراسيين في الجيش والحياة المدنية بتهمة التحطيط للانقلاب على الحكومة، وذلك على نحو سمح له بالدعاية أنه زعيم سياسي يكافح ضد الوصاية العسكرية ويؤسس تركيا الجديدة الديمقراطية من جانب؛ والتنصل من المسؤولية عندما انقلبت الموازين في المستقبل لصالح الأوراسيين من جانب آخر.
يعترف آيفالي أن حزب أردوغان لم يكن له كوادر جاهزة في مؤسسات الدولة عندما تسلم مقاليد الحكم في عام 2002 فاضطر إلى الاستعانة بالديمقراطيين والليبراليين في أجهزة الأمن والقضاء والجيش في مكافحة “الأوراسيين الانقلابيين”، ومع أن هؤلاء البيروقراطيين لم يفعلوا سوى تطبيق القوانين على المجرمين قانونيًّا إلا أن أردوغان صنّفهم جميعا منتمين إلى حركة الخدمة وأعلنهم إرهابيين عندما أطلق نفس هؤلاء البيروقراطيين تحقيقات الفساد والرشوة في 2013 ضد أبناء وزرائه ورجال أعمال مقربين منه في إطار القانون.
ومن ثم ادعى أردوغان أن حركة الخدمة هي التي تآمرت على الأوراسيين في الجيش من خلال تلفيق قضية أرجنكون في 2007، وهي الحركة عينا التي لفقت قضية الفساد والرشوة ضد الحكومته في 2013 أيضًا، مبررًا مواقفه السابقة الداعمة لقضية أرجنكون بأنه تعرض للخداع في هذا الصدد على يد حركة الخدمة. لكن تصريحات آيفالي تكشف أن أردوغان ليس مخدوعًا في قضية أرجنكون وإنما هو الذي دبر مؤامرة بشكل واعٍ ومتعمد للإيقاع بين حركة الخدمة وأنصار “التيار الكمالي الانقلابي” لضرب بعضهم ببعض.
الحقيقة أن أردوغان استعان بالموظفين النزهاء في الجهاز البيروقراطي من كل التوجهات لكسر شوكة الأوراسيين العلمانيين وترسيخ أقدامه في الحكم، إلا أنه في الوقت ذاته اتبع في ذلك أسلوبًا سمح له في المستقبل بتقديم حركة الخدمة “قربانًا” أمام هؤلاء الأوراسيين باعتبارها مسؤولة عن تحقيقات أرجنكون. بمعنى أنه وظف هؤلاء البيروقراطيين في تصفية الأوراسيين، وفي الوقت ذاته زرع بذور صراع بين الطرفين وشغل بعضهم ببعض ليصفّيهم جميعًا في وقت لاحق بتهمة الانتماء إلى الكيان الموازي ومنظمة فتح الله كولن وتصبج الدولة بكل أجهزتها تحت سيطرته هو ورجاله.
الحقيقة أن أردوغان استخدم البيروقراطيين النزهاء من كل الاتجاهات لمحاربة منافسه على السلطة الدولة العميقة (2002 -2011) ولما ظهرت فضائحه في 2013 اتهم هؤلاء النزهاء بالانتماء لما سماه الكيان الموازي ثم تحالف مع تلك الدولة العميقة لمحاربتهم من 2013 إلى اليومhttps://t.co/lp7ukP7P6R
— نبض تركيا NabdTurkey (@nabdturkey) June 12, 2020
ومع أن أردوغان اتهم حركة الخدمة بالوقوف وراء قضيتي “أرجنكون” و”الفساد” إلا أن فتح الله كولن نفى ذلك بشكل صريح في محاضرة ألقاها على محبيه في 14 نوفمبر 2013 قائلاً: “إن (الأوراسيين) الذين وجهوا لطمات ولكمات لهذا الشعب، وتورطوا في أعمال غير قانونية في وقت سابق، يخضعون اليوم للتحقيق والمحاسبة. لكن لسنا من نقف وراء هذا الأمر. بل إنني لما أرى هؤلاء الأشخاص الغارقين في السن وهم يخضعون للمحاسبة في المحكمة يتفطر لهم كبدي. لو كان بيدي لأطلقت سراح جميعهم، وقلت لهم كما قال سيدنا عليه الصلاة والسلام بعد فتح مكة: اذهبوا، أنتم الطلقاء! «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (يوسف: 92). إلا أن البعض (أردوغان) من يخططون هذه العمليات وينفذونها.. ومن ثم يقولون خلف الأبواب المغلقة (لأنصارهم): لقد صمدنا أمامهم، (الأوراسيين الانقلابيين) (كالأبطال)، ومن جانب آخر يهمسون في أذنهم (الأوراسيين) بأن حركة الخدمة من تدير هذه العمليات من خلال بعض عناصرها، في خطوة نفاقية يستهدفون من ورائها ضرب عصفورين بحجر واحد”.
يذكر أن أردوغان تحالف مع أعدائه القدماء الأوراسيين وأعلنوا معًا حربًا مشتركة ضد عدوهما المشترك حركة الخدمة، وتمكنوا من تصفية هذه الحركة من مؤسسات الدولة من خلال التحقيقات المضادة التي بدأت في 2014 ووصلت إلى ذروتها مع محاولة الانقلاب المدبرة في 2016، إلا أنه بعد انسحاب العدو المشترك من الساحة بدأ الجناح التجديدي للأوراسيين من تنظيم أرجنكون يطالبون أردوغان بدفع ثمن دعمه النسبي لتحقيقات أرجنكون، متهمين إياه بأنه “الذراع السياسية لمنظمة فتح الله كولن”؛ في حين أن أردوغان يلوّح بإعادة فتح قضية أرجنكون مجددًا.
–