*منى سليمان
(زمان التركية)- نجح رئيس الوزراء العراقي الجديد مدير المخابرات السابق “مصطفي الكاظمي” (53 عاما) في تمرير حكومته الجديدة بالبرلمان العراقي فجر يوم 6 مايو 2020، وهو الأمر الذي فشل فيه سابقيه المكلفين بتشكيل الحكومة (محمد علاوي، عدنان الزرفي)، وبهذا يكون للعراق حكومة كاملة الصلاحيات بعد خمس أشهر من الفراغ الحكومي إثر إستقالة رئيس الوزراء السابق “عادل عبد المهدي” نهاية نوفمبر 2019 عقب التظاهرات والاحتجاجات التي طالبت بتحسين مستوى الخدمات وإنهاء النفوذ الإيراني بالعراق بيد أن قوى الأمن العراقية قمعتها مما أسفر عن مقتل 550 شخصًا على الأقل. ورغم الترحيب الداخلي والإقليمي والدولي، الذي حظي به “الكاظمي” نظرًا لكفاءته وحياده السياسي ومواقفه الوطنية المتزنة، إلا أن هناك العديد من التحديات الجمة التي تواجه حكومته بعضها ناتج عن أزمات مركبة منذ الإحتلال الأمريكي للعراق في 2003.
أولا: ملامح سياسة “الكاظمي”:
1-ملابسات ترشيح “الكاظمي”:
كلف الرئيس العراقي “برهم صالح” يوم 9 أبريل مدير المخابرات “مصطفي الكاظمي” بتشكيل الحكومة الجديدة ، وقد أعيد طرح اسمه مرشحاً جديدًا لتشكيل الحكومة العراقية المتعثرة، وحضر تكليفه كافة القيادات السياسية ورئيس الوزراء الأسبق “حيدر العبادي” بعكس تكليف “الزرفي- علاوي” الذي لم يحضرهما أحد، وفي ختام التكليف تم قراءة “سورة الفاتحة” وهو عرف إجتماعي إسلامي ولم يفعله أحد من قبل، وقد تم نقل هذه المراسم في بث تليفزيوني مباشر. ولعل ذلك يرجع إلي.. أن “الكاظمي” أراد الحصول على الموافقة بالإجماع والمباركة من كافة القيادات السياسية بالبلاد، نظرا لأنه تم رفض ترشيحه أكثر من مرة. وكان زاهداً بالمنصب لحظة التكليف. كما أن رئيس الجمهورية “برهم صالح” أراد تجنب إتهامه بالانفراد بتكليف رئيس الوزراء وهو ما يعد مخالفة دستورية (وهذا ما حدث مع محمد توفيق علاوي، عدنان الزرفي) وكان أحد أسباب رفض الكتل السياسية منحهم الثقة في البرلمان وتمرير التشكيل الحكومية الجديدة.
ويعرف عن “مصطفى الكاظمي” أنه ولد في بغداد عام 1967 وحاصل علي شهادة بكالوريوس بالقانون. وكان قد تنقل في عدة دول أوروبية خلال فترة معارضته لنظام “صدام حسين”، عمل “الكاظمي” كصحفي سابق معارض للنظام العراقي في بعض الدول الأوروبية، وبعد عام 2003، عاد الكاظمي إلى العراق ليشارك في تأسيس «شبكة الإعلام العراقي»، تزامناً مع دوره مديراً تنفيذياً لـ«مؤسسة الذاكرة العراقية»، وهي منظمة تأسست لغرض توثيق جرائم نظام البعث. وفي عام 2016، كانت مفاجأة أن يعين رئيسُ الوزراء آنذاك حيدر العبادي، كاتبَ العمود والناشطَ الحقوقي لرئاسة جهاز المخابرات. وتكليف “الكاظمي” يمثل إنتقالة جذرية على مستوى رئاسة الوزراء إذا ما تحققت الثقة بالتحديد خصوصا أن الكاظمي لا يعد ضمن الجيل الأول في الطبقة السياسية العراقية بل هو من الجيل الثاني لهذه الطبقة وهو ربما من هذه الناحية مصدر تفاؤل. ويعرف عنه أنه مفاوض ماهر يتعين عليه تسخير شبكة علاقاته الواسعة في واشنطن، كما في طهران، لإنقاذ العراق من كارثة اقتصادية وسياسية. وعمله كمدير لجهاز المخابرات الوطني العراقي في ذروة المعارك ضد تنظيم “داعش” الإرهابي نسج خلال وجوده في هذا الموقع الاستراتيجي الذي أبعده عن الأضواء، روابط عدة مع عشرات الدول والأجهزة التي تعمل ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
كما تتميز شخصية “الكاظمي”، بالهدوء وعدم اللجوء لخلق الأزمات، بل على العكس من ذلك تماما، فهو يذهب دائما لخيار حل المشاكل المستعصية دون أي ضجيج سياسي أو إعلامي، وهناك الكثير من الأزمات بين الأحزاب والكتل المختلفة، سواء كانت شيعية أو سنية، عمل على تفكيكها، وقرب في أحيان كثيرة وجهات النظر بين أربيل وبغداد، بحكم علاقاته الطيبة المبنية على الثقة المتبادلة بين قادة الأحزاب العراقية والكردية، من أجل مصلحة البلد، حدث هذا قبل أن يكون رئيسا للجهاز الوطني للمخابرات، بل ولم يكن يتمتع بأي منصب رسمي.
وقد بدا أن “الكاظمي” لديه منهاج حكومي طموح ويريد تحقيقه وبالتالي فإنه يتوجب على الكتل السياسية مساعدته، إذ أن التحديات كبيرة أمامه في ظل ظروف معقدة. وهناك ملفات أساسية يجب أن تكون مركزية في هذه المرحلة وهي العلاقات الخارجية وإدارة الاقتصاد والأزمة النفطية وغيرها. وقد ناور “الكاظمي” بطريقة ذكية جدا تمثلت في إبقاء بعض الوزارات منها الداخلية والدفاع بلا مرشحين حتى يمكن التفاوض عليها بمعزل عن الأسماء التي اقترحها وهي الأخرى قابلة للتفاوض، كما أنه عزل الحقائب الكردية عن باقي القائمة، كما أنه نجح مع الكرد حتى الآن بحيث إن كل ما يصدر من إشارات عنهم إيجابية حياله كما أنه تمكن من نزع فتيل التوتر مع السُّنة وبالذات تحالف القوى العراقية بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بشأن الحقائب والمرشحين.
2-مصادقة البرلمان على الحكومة الجديدة:
عقد البرلمان العراقي جلسة مساء يوم 6 مايو 2020 للتصويت على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة “مصطفى الكاظمي”، وقد حضر الجلسة أكثر من 260 نائباً من أصل 329، وهو عدد كبير جداً بالقياس إلى المعدل العادي لحضور الجلسات، ولم تشهد الجلسة أي توترات خلال التصويت. وقد وافق البرلمان على تشكيل حكومة “الكاظمي” ومنح ثقته لـ15 وزيراً وحجبها عن 5 مرشحين، فيما بقيت وزارتا الخارجية والنفط شاغرتين. وتم تأجيل التصويت على مرشحي الخارجية والنفط، كما لاقت أسماء أخرى رفضا من البرلمان، فلم يحصل وزراء الثقافة والزراعة والهجرة والعدل والتجارة على الثقة.
وقد ألقى “الكاظمي” كلمة أمام النواب بعد تمرير حكومته، وتعهد خلالها بإن .. تعمل الحكومة الجديدة كحكومة حل وليست حكومة أزمات، وتعهد بصون سيادة العراق وتعزيز القانون وحصر السلاح بيد الدولة، ومنع الدول الأخرى من تحويل أرض العراق إلى ساحة للصراعات أو منطلق لتوجيه هجمات ضد دولة ثالثة. وأكد على رفض استخدام العراق ساحة للاعتداءات. كما شدد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة والقوات المسلحة وبأمر القائد العام. وكشف الكاظمي أن حكومته تنوي التحضير لإجراء انتخابات مبكرة ونزيهة، وتعهد بمحاربة فيروس كورونا المستجد في البلاد، ومكافحة الفساد. وكشف أيضا أن الحكومة بصدد إقامة علاقات الأخوَّة والتعاون مع الأشقاء العرب والجيران والمجتمع الدولي.
ورغم مرور أيام قليلة علي تولى “الكاظمي” منصبه إلا أن القرارات التي اتخذها حظيت بترحيب كبير داخل وخارج العراق نظرًا لأهميتها وجديته وسرعة اتخاذها، ومن بينها ..
-التحقيق بقتل المتظاهرين: تعهد “الكاظمي” في الاجتماع الأول للحكومة الجديدة مساء يوم 9 مايو 2020 بالإفراج عن المتظاهرين الذين اعتقلوا على خلفية مشاركتهم في الإحتجاجات الشعبية، وبإعداد لجنة “لتقصي الحقائق في كل الأحداث منذ أكتوبر 2019 ومحاسبة المقصرين بالدم العراقي، وتعويض عوائل الشهداء، ورعاية المصابين”.
– إعداد قانون الانتخابات الجديد: قرر “الكاظمي” تقديم الدعم اللوجستي وتوفير كافة الإمكانات المتاحة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بما يمكنها من إجراء الانتخابات بعد تحديد موعدها”. كما واقف مجلس الوزراء على “تعديل قانون الأحزاب بما يؤدي إلى تنظيم الوضع القانوني لعمل الأحزاب على أسس وطنية ديمقراطية تضمن التعددية السياسية والتحول الديمقراطي”.
– إعادة “الساعدي” لمكافحة الإرهاب: أًصدر “الكاظمي” قرارا بإعادة الفريق الركن “عبدالوهاب الساعدي” مرة أخرى للعمل وتعيينه رئيس لجهاز مكافحة الإرهاب، وذلك خلال زيارة “الكاظمي” يوم 14 مايو 2020 لمقر جهاز مكافحة الإرهاب، وشدد رئيس الوزراء خلال لقائه رئيس جهاز مكافحة الإرهاب وعدداً من القادة والضباط والمنتسبين أهمية الحفاظ على استقلالية هذه المؤسسة الوطنية، وتعزيز قوتها ودورها في حماية الدولة وضرورة إبعاد جهاز مكافحة الإرهاب عن التدخل السياسي، مشيراً الى التحدي الأمني وضرورة التصدي لبقايا داعش بكل قوة وإحباط محاولاتها. وأكد “الكاظمي” أن جهاز مكافحة الإرهاب سيلعب دوراً مهماً في مقاتلة وهزيمة هذا التنظيم بعد تسلم الفريق “الساعدي” رئاسة الجهاز المعروف بقدراته القتالية وجهوزيته العالية. وجدير بالذكر، أن “عبد المهدي” قد انهى خدمة “الساعدي” رغم كفاءته وقدرته على مواجهة تنظيم “داعش” وشعبيته الكبيرة الامر الذي كان أحد العوامل في إندلاع التظاهرات الاحتجاجية ضد الحكومة العراقية في مطلع أكتوبر 2020. ويعد “الساعدي” من أفضل الكفاءات العراقية العسكرية في مكافحة الإرهاب، وقرار إقالته جاء بناء على ضغوط مارستها قيادات مقربة من إيران لأجل إبعاد الشخصيات والقيادات التي لا تنسجم مع رؤيتها السياسية والعسكرية في جهاز مكافحة الإرهاب.
ثانيا: التحديات الداخلية والخارجية:
تتعدد التحديات التي تواجه حكومة “الكاظمي” بين الأمنية والإقتصادية والسياسية، وتمثل المخاوف من عودة تنظيم “داعش” الإرهابي لنشاطه مرة أخرى، وإصرار “الكاظمي” على حصر السلاح في يد الجيش العراقي فقط مما سيؤدي لمواجهات متوقعة بين رئيس الوزراء والميليشيات المسلحة التابعة لإيران أبرز التحديات الأمنية “للكاظمي”، ومن التحديات السياسية بحث مستقبل التواجد العسكري الأمريكي بالعراق وما يتصل به من مستقبل العلاقات العراقية الأمريكية، والعراقية الإيرانية، فضلا عن التحديات الاقتصادية ومواجهة تداعيات أزمة تفشي فيروس “كورونا المستجد”، حيث ..
1- التحديات الأمنية:
-إحباط عودة نشاط “داعش”: إستغل تنظيم “داعش” الإرهابي إنشغال العالم بأزمة “كورونا” وأعاد تنظيم صفوفه، وشن عملية نوعية مؤثرة هي الأولى من نوعها منذ شهور في منطقة الطارمية فيما يسمى «حزام بغداد». فجر يوم 16 مايو 2020 وقد كثف التنظيم من عملياته خلال شهر رمضان فيما أطلق عليه “غزوات رمضان”. حيث تسلل عناصر من التنظيم الإرهابي إلى إحدى القرى في منطقة الطارمية، ليقوم باختطاف أحد منتسبي قوى الأمن هناك، ومن ثم نحره. وتزامنت هذه العملية مع سلسلة من العمليات في ديالى وصلاح الدين، لا سيما قطاع سامراء، حيث نحر التنظيم 4 من عائلة واحدة. كما أعلنت هيئة الحشد الشعبي قتل وأصابة 10 من عناصرها في هجوم إرهابي. ولذا أطلق الجيش العراقي ومديرية شرطة محافظة ديالى شرق العراق، كما أطلقت عمليات “أسود الجزيرة” لتفتيش صحراء الجزيرة شمال محافظة الأنبار وجنوبي محافظة نينوى وغرب محافظة صلاح الدين وصولاً إلى الحدود الدولية مع سوريا.
– هيكلة الأجهزة الأمنية والحشد الشعبي: زار رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” يوم 16 مايو 2020، لأول مرة مقر هيئة «الحشد الشعبي»، التي قدمت له الزي الخاص بها وقد ارتدى “الكاظمي” ملابس “الحشد” في محاولة لفتح صفحة جديدة مع قيادات وفصائل الحشد الموالية لإيران، والتي رفضت ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء. نظرا لموقف “الكاظمي” المؤيد على حصر السلاح بيد الدولة وحل الميليشيات المسلحة ومن بينها هيئة الحشد الشعبي، وهنا طرح حل وسط يدعو لضم عناصر هيئة الحشد الشعبي في الاجهزة الامنية العراقية وإعادة هيكلة تلك الأجهزة. وجدير بالذكر، أن هيئة “الحشد الشعبي” أنشأت في يونيو 2014 علي يد رئيس الوزراء العراقي الأسبق “نوري المالكي” تنفيذًا لفتوى من رجل الدين العراقي “آيه الله السيستاني” بضرورة “الجهاد الكفائي” ضد “داعش” في أعقاب سيطرة التنظيم الإرهابي على مدن شمال العراق، وتشكلت من 42 فصيلاً وتضم نحو 140 ألف عنصر من الشيعة مزودين بأسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة.
*مكافحة الإرهاب: دعا “الكاظمي” إلى استقلالية جهاز مكافحة الإرهاب وإبعاده عن التدخل السياسي. وأكد رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن “عبد الوهاب الساعدي” أن الاستراتيجية المقبلة لمحاربة التنظيمات الإرهابية و”داعش”، تعتمد على التنسيق مع التحالف الدولي. بينما يؤكد مراقبون أن العراق مازال بحاجة لبقاء قوات التحالف الدولي لتدريب القوات العراقية وتجهيزها لمواجهة التحديات، وبقاء قوات التحالف أو خروجها مناط بموافقة الحكومة العراقية، لأن قوات التحالف جاءت بقرار حكومي.
2- التحديات السياسية:
-الخلافات بين الكتل السياسية: بشكل معلن لا يوجد خصم واضح “للكاظمي”. فالكتل البرلمانية كلها تقريبا أعلنت مساندتها له بما فيها كتلة «الفتح» التي يتزعمها “هادي العامري” الموالية لإيران. وائتلاف دولة القانون بزعامة “نوري المالكي” والوطنية بزعامة “إياد علاوي”، وكلاهما رئيس وزراء أسبق وهما الوحيدان اللذان أعلنا عدم التصويت على حكومة “الكاظمي”. وأعلن “علاوي” تشكيل جبهة معارضة بالبرلمان. ورغم الترحيب الظاهر من معظم الكتل السياسية إلا أن “الكاظمي” حذر يوم 18 مايو 2020 من الفوضى السياسية والأمنية بالعراق والتلاعب وراء الكواليس وعدم صدق الكتل السياسية في تنفيذ ما يتم الإتفاق عليه، مما يؤكد أن هناك خلافات بين تلك الكتل التي لا تتفق في الغالب، لاسيما في ظل استمرار بعض الوزارات الشاغرة التي مازالت تتنافس الكتل السياسية العراقية للحصول عليها. كما أن هناك حملات تشويه إلكترونية وإعلامية تستهدف “الكاظمي” بدأت منذ طرح أسمه لتولى رئاسة الوزراء واستمرت بعد ذلك. نظرا لان “الكاظمي” لا ينتمي إلى الطبقة السياسية العراقية التقليدية فضلا عن كونه من جيل أكثر حداثة، استثمر وجوده على رأس جهاز المخابرات لنسج علاقات تختلف في توصيفها الأطراف المؤيدة أو المعارضة. وهذه الخلافات السياسية المستمرة ربما تعرقل خطط “الكاظمي” التي سينفذها لحل أزمات العراق المختلفة. ويرى المراقبون أن تولى “الكاظمي” منصب رئيس الوزراء يمثل نقطة تحول وتشكيل مسار وطني جديد للعراق نحو انتخابات جديدة تنتج طبقة سياسية جديدة تغير خريطة التفاعل السياسي وتنهي سيطرة إيران على النخبة السياسية بالعراق، حيث إن المشهد السياسي بالعراق ينقسم لمحورين الأول النخبة السياسية المدنية والتي ينحاز لها المتظاهرين و”الكاظمي”، ثم المحور الثاني وهو التيار الإسلامي الموالي لايران والمتحكم بالحكومات العراقية منذ 2003، والأخير يسعى للإبقاء على قواعد اللعبة السياسية التقليدية لإدارة البلاد.
-تجدد التظاهرات الإحتجاجية: بعد أيام من إستلام رئيس الوزراء الجديد “مصطفى الكاظمي” مقاليد السلطة في العراق، استؤنفت احتجاجات محدودة في بعض المدن وشهدت مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن منهية نحو ثلاثة أشهر من الهدوء النسبي. فبعد منح البرلمان الثقة الأسبوع الحالي لحكومة الكاظمي، أصدر الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات إلى تجديد التظاهرات، قائلين إن رئيس الوزراء الجديد كان جزءاً من نفس الطبقة التي يرفضها الشارع. وقد تجمع عشرات المتظاهرين تجمعوا ظهراً في ساحة التحرير، مركز الحراك الشعبي بوسط العاصمة بغداد، هاتفين “الشعب يريد إسقاط النظام!”، وقاموا برشق قوات الأمن بالحجارة وقنابل المولوتوف. بينما أصيب عشرين متظاهراً أصيبوا بحالات اختناق جراء قنابل الغاز، من دون أي تقارير عن استخدام الرصاص الحي. بدوره حث “الكاظمي” قادة الجيش على أن تكون المنظومة الأمنية “موجودة لحماية أمن البلاد والمواطن العراقي”، وحماية المتظاهرين “والتعامل بكل حكمة وعقل” مع المظاهرات. وكانت التظاهرات الاحتجاجية بالعراق قد بدأت بالأول من أكتوبر 2019، وخلال أولى المسيرات التي تحولت لاحقا إلى أكبر تظاهرات اجتماعية دموية بالعراق اح ضحيتها اكثر من 550 قتيل، واستمرت حتى نهاية العام الماضي ثم تقلصت بعد اغتيال “سليماني” وتفشي فيروس “كورونا”.
-مستقبل التواجد الأمريكي بالعراق: من المقرر أن يبدأ الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن في يونيو 2020 بشأن الاتفاقية الأمنية بين الطرفين التي تتم بموجبها إعادة تنظيم العلاقة بين البلدين، وأعلنت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي أن هناك محاور عديدة سيتم بحثها خلال المفاوضات التي ستجري بين البلدين. منها .. جدولة انسحاب القوات الأمريكية ومسألة التعاون ما بين الولايات المتحدة والعراق. ومسألة الاهتمام بتعدد مصادر التسليح حتى عندما تتأثر علاقات العراق مع أية دولة يكون لدينا بدائل أخرى مثل منظومة الصواريخ إس 300 أو إس 400 الروسية، حيث إن العراق يبذل جهودا كبيرة من أجل الحصول على مثل هذه الأسلحة، وهذه المسائل سوف تكون حاضرة على مائدة المفاوضات مع الأمريكيين. وتتواجد القوات الأجنبية في 3 قواعد عسكرية في البلاد، بعد إنسحابها من 6 مواقع خلال الأسابيع الماضية.
– تقليص النفوذ الإيراني بالعراق: بعد المصادقة على الحكومة العراقية الجديدة أعلن وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” دعم بلاده لها واستعدادها للتعاون معها، بيد أن هذا لا يلغي حقيقة هامة حول طبيعة النفوذ الايراني بالعراق، فقد تمكنت طهران على مدى العقد الماضي من إحكام سيطرتها على مفاصل الحكم بالعراق، عبر استقطاب ساسة ورجال دين وإنشاء ميليشيات مسلحة موالية لها، مما أدى إلى”احتلال إيراني” غير مباشر للعراق، يؤثر سلبًا على استقلالية ومصداقية أي حكومة عراقية حالية أو مستقبلية. فقد كانت أحد دوافع التظاهرات الاحتجاجية العراقية في أكتوبر الماضي هو الإعتراض علي التواجد الإيراني السياسي والعسكري بالعراق ودعمها عشرات الميليشيات المسلحة، ورغم مواقف “الكاظمي” الوطنية والرافضة لتواجد الميليشيات المسلحة الآن إلا أن طهران وافقت علي توليه المنصب ولم تعرقله في مسعى منها لإرساء الاستقرار بالعراق وتقليص الضغط الدولي عليها. بيد أن “الكاظمي” بدأ في تقليص ذلك التواجد الإيراني حيث أمر مباشرة بتنفيذ عملية مداهمة هي الأولى في عهده لمقر فصيل “حزب ثأر الله” الموجود بمحافظة البصرة الموالي لإيران في البصرة، مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من عناصره وإعتقال البقية، ومصادرة الأسلحة والذخائر التي كانت بحوزتهم، ثم تم إحالتهم للقضاء. كما أُزيلت جدارية كبيرة لقائد «فيلق القدس» الإيراني السابق “قاسم سليماني” جمعته بنائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» السابق أبو مهدي المهندس بالقرب من مطار بغداد في نفس المكان الذي شهد الغارة الأمريكية في 3 يناير 2020 التي استهدفت الأثنين.
3- التحديات الإقتصادية:
تواجه الحكومة العراقية أزمة اقتصادية مركبة، كانت أحد عوامل التظاهرات ضد الحكومة السابقة، حيث عجزت الحكومات العراقية المتتالية علي تحسين أداء مختلف الخدمات، فضلا عن تدني سعر النفط وارتفاع نسب البطالة وعجز الكهرباء المستمر. حيث تسعى الحكومة لتمرير قانون يمكنها من الاقتراض الداخلي والخارجي، بغية سدّ العجز وتعزيز السيولة المالية العامة عند الضرورة. حيث بلغ إنكماش الاقتصاد العراقي نسبة 9.7 % خلال العام الجاري مع ازدياد معدلات الفقر إلى قرابة 40 %. هذا فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة حيث ينضم 450 ألفاً لسوق العمل سنوياً وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب 36%. بالاضافة الي ضرورة وضع خطة لاعادة اعمار المدن الغربية السنية بالعراق التي تم تدميرها بعد احتلالها من تنظيم “داعش” الارهابي عام 2014. ولذا فإن الحكومة الجديدة مطالبة إقتصاديًا بـ .. تلبية مطالب المحتجين العراقيين وهيكلة الاقتصاد العراقي ، تحسين مستوى الخدمات المقدمة ، المساواة بين المحافظات في تقديم الخدمات حيث تعاني المحافظات السنية غرب وجنوب العراق من تهميش مستمر.
خلاصة القول، إن سمات “الكاظمي” الشخصية وكفاءته تؤهله لتولى منصبه في ظل جملة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الدولة العراقية الحالية، ونجاحه في ترتيب المشهد العراقي الداخلي سيكون رهنًا بقدرته على المناورة في الداخل والخارج واتخاذ القرار الصحيح في توقيته، لاسيما فيما يتعلق بمكافحة الفساد وتقليص النفوذ الايراني بالعراق، كما يجب عليه وضع خطة عاجلة لمواجهة تفشّي فيروس “كورونا المستجد” في العراق. وصوغ سياسة عراقية خارجية مستقلة بعيدا عن الحرب بالوكالة بين طهران وواشنطن التي تتخذ من العراق ساحة لها، وإيجاد حل وسط بينهما للحفاظ على المصالح العراقية.
–