بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) ــ منذ بداية تمكن أردوغان من السلطة في تركيا وهو يمارس القهر التام ضد كل من يشعر بأنه ضده أو من معارضيه أو حتى منتقديه، ولقد رأينا مع كل متابع للشأن التركي كيف تعامل النظام مع المدنيين العزل الذين خرجوا في مظاهرات للتضامن مع البيئة فيما يعرف بمظاهرات جيزي بارك بإسطنبول -2013-، ثم تتابعت حلقات الظلم والاضطهاد لكل من تسول نفسه الاعتراض على قرارات أردوغان السياسية.
وقد كان حزب العدالة عبر السنوات التي حاز فيها على الأغلبية البرلمانية يقوم بما تقوم به أي سلطة تبغي الاستبداد بسلطة الحكم من إضعاف كل القوى الموجودة في الساحة السياسة والاجتماعية في الجمهورية التركية، لا سيما وقد استطاع الحزب أن يقوم بتحقيق أغلبية برلمانية بالجوار بما استطاع أن يحققه من نجاح في انتخابات البلديات، والحقيقة فإن المشاهد لما يدور من أحداث في تركيا يتشكك في أن هذه الانتخابات كانت نزيهة، لقد كان هم حزب العدالة والتنمية إزالة أي منافسة حقيقية له وبالتالي أصبح تهميش دور الأحزاب السياسة والدخول معها في صفقات بالإضافة إلى إعلان الشائعات المغرضة وتشويه سمعة كل من له مشروع جاد داخل المجتمع مثل ما حدث مع العالم فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية ومشاريعه الاجتماعية والتعليمية والخدمية التي كان مشروع الخدمة يقوم بأدائها داخل المجتمع، ولقد كانت تلك المشاريع لا سيما التعليمية والاقتصادية منها تساهم في جعل تركيا نموذجا يحتذى به في الشرق الأوسط على الأقل، ولكن دائما وكعادة المستبدين لا يريدون أن يسمعوا سوى صوت واحد فقط وهو صوتهم أما غيره من الأصوات فهي من ستلصق بهم كل التهم وكل الخيبات الذي سيعيشها المجتمع نتيجة للاستبداد.
إلا أن المشهد التركي اتخذ لونا أكثر قتامة بدءا من ظهور تحقيقات -عام 2013- تظهر فسادا ماليا ضخما متورط فيه كثير من الوزراء وأبنائهم بل وتشير الاتهامات أيضا إلى أردوغان نفسه وعائلته، فما كان من أردوغان إلا أن قام بغلق هذه التحقيقات وفصل كل من عمل عليها من رجال شرطة ومدعيين عموم، وبطبيعة الحال فكان لابد من منطقة المشهد للمتابع العادي والمسكين فتم استخدام الفزاعة التي أصبح المجتمع التركي يرتعد عند سماعها وهي ما سماه انقلابًا قضائيًا على الحكومة الديمقراطية المنتخبة وانطلقت وسائل الإعلام التركية التابعة لحكومة حزب العدالة والتنمية تروج لهذه الفكرة وتشغل بها الرأي العام التركي، ولكن المواطن العادي يريد متهما بالتدبير للانقلاب القضائي المزعوم هذا، ومنذ ذلك الحين تم إقحام اسم العالم فتح الله كولن في الساحة السياسية وكذلك مشروع الخدمة والعاملين، وقام حزب العدالة والتنمية باستخدامهم ككبش فداء لكل أخطائه وخطاياه، ولكن المواطن العادي كان يعرف مشاريع الخدمة الخدمية ويعرف كتابات الرجل فكيف سيصدق أمرا كهذا، وهكذا بدأ مسلسل تشويه الخدمة ففي البداية أطلقوا شائعات بأن مدرسي الخدمة يقومون بتسريب أسئلة الامتحانات للطلاب الذين يقيمون في بيوت الطلاب التابعة للخدمة، وبعد فترة من الترويج لتلك الإشاعة الخالية تماما من الصحة بدأت الحكومة تتخذ قرارات بإغلاق بيوت الطلاب والمدارس التحضيرية، ولكن أيضا المواطن العادي لم يكن ليصدق ذلك بسهولة فكان لا بد من شيء أقوى يثير ضجة كافية للفت الأنظار عن ما يقوم به الحزب الحاكم في تركيا سواء عبر تمرير القوانين أو متابعة أعمال الفساد التي اعتاد عليها الحزب الحاكم في تركيا، فكان التفكير في مسرحية انقلابية يصدقها المواطن العادي وتساعد أردوغان في التخلص من مشروع الخدمة عبر لصق تهمة الانقلاب به وكذلك إذلال الجيش التركي وإخضاعه للتطلعات السياسية التي كان يريد أردوغان القيام بها سواء التدخل العسكري في سوريا أو في العراق أو في ليبيا. وهو ما تم بالفعل بجوار تغيير الدستور ليصبح نظام الحكم رئاسيا بدلا من برلماني وهو ما يتيح لأردوغان السيطرة التامة على مقدرات الجمهورية التركية.
لكن مثل هذه اللعبة السياسية التي وصلت إلى أقصى درجات الانحطاط، بل المتابع للمشهد يرى يوميا أن درجات انحطاط الحزب الحاكم في تركيا لا تعرف نهاية فهي سحيقة العمق فوق ما يتخيل أي مراقب، فبعد أن قام أردوغان بسجن مئات الألاف بدعوى أنهم انقلابيون وبعدما قام بخطف مواطنين من خارج تركيا وبعدما قام بجعل الأئمة الأتراك في أوروبا يقومون بوظيفة استخباراتية ومراقبة المترددين على المساجد بدلا من قيامهم بالوعظ الديني، وبعدما قام باعتقال كثير من الصحفيين المخضرمين ومن الإعلاميين الرائدين وبعدما اعتقل السيدات، وبعدما تكدست السجون التركية مما دعاه لفتح سجون جديدة ولكن حتى هذا الحل لم يكن كافيا لإرضاء رغبة الانتقام والحقد والكراهية ضد الإنسانية التي يمارسها أردوغان بل إنه قام بإطلاق سراح السجناء الجنائيين حتى تسع أماكن السجون لسجناء الرأي والموقف، ولكن اليوم نرى مشهدًا مروعًا ومرعبًا يفهمنا أن من البشر من لديه قابلية للانحطاط تتجاوز ما لدى الشياطين، فاليوم والعالم جميعا يحارب من أجل شفاء مرضى كوفيد-19 يقوم زبانية أردوغان بزج المرضى في عنابر المسجونين وتكديس العنابر لكي يصابوا جميعا ويموتوا شيء يفوق أقصى الخيالات المتطرفة مرضا.