بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)ــ كانت الحياة في بغداد هنية مخيفة في آن واحد، كحلو حار لا يجتمعان عادة، ولكنهما كانا مجتمعين ومعهما الكثير من المتناقضات.
وكنت أتردد أنا وبعض من زملائي على أحد المساجد القريبة من السكن في بغداد، لصلاة الجمعة، وكانت المساجد عامرة بالمصلين، كما كنت ألاحظ اللوحات الضخمة الحجم -كالافيشات السينمائية- بصور بعض الآئمة الدينيين.
وكنت حقيقة استمتع بخطبة الجمعة في المسجد، إذ كانت رصينة واضحة لا هي بالطويلة ولا هي بالقصيرة، وقد فوجئت يوما بالخطيب يروي قصة اغتيال سيدنا الحسين -رضى الله عنه وأرضاه- وكيف أنه قتل غدرا بأيد عراقية لقاء بعض المال، وكلنا يعلم قصة مقتل سيدنا الحسين، ولكن الاستماع إليها في بغداد كان مختلفا، كشعورك ربما بأنك تواجه متهما بالقتل بما فعل، وقد أعجبت بشجاعة الخطيب حقيقة، فليس الهدف مؤكدا إلا خيرا والا احتراما لكل القيم النبيلة وللعراق وشعبه طبعا.
فإذا قضيت الصلاة انصرفت ومن معي إلى غداء طيب في أحد مطاعم بغداد الكثيرة ذات الخدمة الجيدة والطعام الشهي حاضر الأعداد، وقد استقر بي الحال في بيتي، واستعنت بمن قام بتركيب طبق لاستقبال القنوات الفضائية فوق سطح بيتي، فصرت أستطيع متابعة قنوات الأخبار المختلفة وبعض قنوات الأفلام السينمائية، لتصبح الحياة أيسر.
لكن الهلع والفزع كان أيضا ينتشر بهدوء وثبات يستشعره المرء مع كل رواية لمقتل أحد رأيناه أو سمعنا عنه أاو انفجار مكان كنا فيه، مع رنين الهاتف جاءت الأخبار بانفجار محل الفني مقدم خدمات أطباق الاستقبال التلفزيوني الذي تعاملنا معه بضع مرات.
وقد علم الزملاء بالحدث، إثر ذهابهم إلى محل الرجل للسؤال عن بعض القنوات واتجاه الطبق وما إلى ذلك، فوجدوا المحل مدمرا ويبدو كفرن من أفران الحطب.
ألجم الحزن على الرجل والمفاجأة أيضا ألسنتنا وأذهلنا، لم يكن في بالي سوى استفسار واحد مكرر: لماذا؟ ماذا يعني محل فني خدمات التليفزيون لأحد على الإطلاق؟ ولا توجد إجابة أو مجيب بالطبع، ولكنه شكل الحياة في تلك اللحظة، هكذا قلت لنفسي، لعلي أستطيع تخطي الحدث كغيره من الأحداث والقصص المرعبة التي وصلت إلى سمعي، ومواصلة حياتي وعملي.