القاهرة (زمان التركية)ــ أجرت صحيفة (اليوم السابع) المصرية حوارًا مع الطبيب التركي زكريا أكتورك، الذي قضى 14 شهرًا بين جدران السجن لا زال يعاني من آثارها السلبية حتى اليوم.
الطبيب زكريا أكتورك كان أحد أول عشرة أطباء أسرة في تركيا، وله العديد من الإنجازات، لكن للأسف لم يمنع ذلك من أن يلاقي معاملة تمييزية بسبب اختلافه من نظام الرئيس رجب أردوغان، حيث تم فصله من العمل والزج به في السجن، بعد انقلاب يوليو/ تموز 2016.
وإلى نص الحوار…
كنت واحدًا من الأطباء والأساتذة اللامعين في مجال عملك، لماذا تم القبض عليك – حدثني عن تلك الفترة في حياتك – ؟
قد يبدو غرورًا وصف نفسي باللامع أو العبقري ومع ذلك فهناك إنجازات موضوعية أود أن أذكرها لتضع بصمتها في التاريخ. على الرغم من أنني ولدت في قرية صغيرة في منطقة البحر الأسود إلا أنني تمكنت من الدراسة وأصبحت أستاذًا. في الواقع، أنا من بين أول عشرة أساتذة طب الأسرة في تركيا. بالإضافة إلى ذلك، أتحدث التركية والإنجليزية والألمانية والقليل من العربية. لقد نشرت 12 كتابًا وأكثر من 400 مقالا. بخلاف ذلك، طوال حياتي المهنية، عملت بإخلاص وتفاني من أجل تقديم يد العون للآخرين. حتى الرجل الذي شهد ضدي في المحكمة اعترف بأنني قدمت له يد المساعدة فيما مضى. لدي قناة على اليوتيوب تهدف إلى الخدمة العامة و500 مقطع فيديو تعليمي للأكاديميين والطلاب. أما عن فترة اعتقالي فالأمر صعب بالنسبة لي فقد كانت صدمة كبيرة ومازلت أُعاني من تأثير نفسي ما بعد الصدمة لتلك الفترة. على سبيل المثال، يتملكني شعور بالمرارة وأشعر بأنني في حالة أكثر عصبية عند رؤية رجال الشرطة التركية.
لقد دعمت هذه الحكومة التي قامت باعتقالي في ملف الرعاية الأولية وكانت تتم دعوتي في غالبية المؤتمرات والاجتماعات الرسمية المُتعلقة بطب الأسرة. وفجأة أصبحت شخصًا يُزعم أنه إرهابيًا يتم اعتقاله.. الأمر كان غير مُتوقع وشكل صدمة كبيرة لي.
وفي البداية لم أصدق ذلك، وكنت أُحدث نفسي من المؤكد أن هناك خطأ ما، فيما أنني مكثت في السجن لمدة 14 شهرًا. وأصبح يتملكني شعور الغضب من الجميع وتولدت لدي مشاعر سلبية وصعبة حتى لأولئك الذين يهتمون بي بالفعل لأن معظم الناس التزموا الصمت حينذاك. وكان ذلك أمرًا طبيعيًا لأن الناس يتملكهم شعور الخوف والقلق على حياتهم ومستقبلهم وعمليات الاعتقال كانت مُستمرة في ذلك الوقت.
بحكم عملي أدركت أنني أصبحت أُعاني مما يُسمى باضطراب الاجهاد الحاد، فقد تعديت المراحل الخمس لهذه الحالة حيث (الإنكار والغضب والمساومة والاكتئاب والقبول) وخلال الأشهر الستة الأولى في السجن كنت أتمنى الموت.. فقدت كل اهتماماتي بالحياة وكنت أبكي طوال الوقت. وعانيت من الاكتئاب الحاد من الدرجة التي تحتاج إلى رعاية طبية وتم إرسالي بعد فترة إلى الطب النفسي ومن هناك تم إحالتي إلى المستشفى.
3bdbc315-5aa4-48c7-afde-8d107ec4ae77
كنا 14شخصًا في زنزانة السجن، والتي كانت مُهيأة فقط لـ 4-6 أشخاص. وكان زملائي في الزنزانة جميعًا من المتعلمين من الأساتذة، والحاصلين على درجة الدكتوراه، وحتى ضباط الشرطة، وأئمة المساجد.. لقد عانيت الكثير من الآلام في تلك الفترة من حياتي، وأتذكر أنني كنت أعاني من مشكلة في المرئ كانت تتطلب عملية جراحية وبعدها مكثت في وحدة العناية المركزة لمدة 10 أيام بينما جاء الحارس وكبلني بسرير المستشفى بشدة إلى درجة أن آثار القيود تركت آثارًا عدة في جسدي. لكم أن تتخيلوا أنني دخلت السجن ووزني 74 كجم وعند إطلاق سراحي وصل وزني إلى 56 كجم. يعتريني الخجل لإخباركم بكل هذا فأنا أعلم أن هناك الآلاف ممن عاشوا قصصًا ومواقفًا هي أسوأ مني بكثير، فهناك من مات وهناك من انتحر خلال تلك الفترة. ولا أخفيكم أنني فكرت أيضًا في الانتحار لكنني خفت من الله وكنت أعرف أنني لست الوحيد الذي يعيش هذه المحنة، وأن هناك مئات الآلاف غيري يُعانون من أشياء مماثلة، بل ربما أسوأ.
هل كان من السهل العثور على وظيفة جديدة بعد ذلك؟
لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، ولم يكن ذلك ممكنًا في عام 2016 عندما فقدت وظيفتي لأول مرة، وهو أمر صعب لازلت أُعاني منه حتى اليوم أيضًا.. فأصحاب العمل تحت ضغط سياسي هائل وعلى الرغم من اعلان براءتي من الادعاءات والاتهامات التي وُجهت إلىّ، إلا أن عددًا قليلًا فقط من الشركات الخاصة سيكون لديها الشجاعة لتوظيف أشخاص ممن هم مثلي. حتى المحكمة أعلنت براءتي بعد 4 سنوات من جلسات المحكمة التي لا تنتهي. بعد ذلك قررت أن لا أكون وقودًا للمؤسسات الصحية الرأسمالية. وفي الأشهر القليلة الأولى بعد السجن، عملت في مزرعة، مما ساعدني على إعادة تأهيلي والتكيف مرة أخرى مع الحياة الطبيعية. وفي وقت لاحق، ركزت على أعمال الاستشارات الأكاديمية.
إذن كيف تحصل على ما تعيل به عائلتك ؟
تعلمت أن أتكيف مع الحد الأدنى من النفقات.. في الواقع، في حياتي السابقة، كنت أنفق جزءًا كبيرًا من دخلي على أشخاص آخرين. الآن، أعيش حياة متواضعة.. زوجتي ممرضة متقاعدة، ونملك منزلًا صغيرًا في مدينة إزمير. ابنتي وابني يدرسون في جامعات جيدة من خلال المنح الدراسية. وبالتالي، ليس لدي الكثير من النفقات.
a89a6da3-f7aa-4e98-b214-f2143d2ee890
أيضًا أنشأت شركة خاصة للاستشارات الأكاديمية وأعمل في المنزل، وأقوم بتقديم دورات تتعلق بالكتابة الأكاديمية والإحصاء الحيوي عبر الانترنت. وبسبب سمعتي الجيدة، فهناك طلبات كثيرة حتى من الصعب علي تلبيتها كافة. ولكن لحبي لتخصصي وشعوري بأنني يجب أن أكون في مؤسسة أكاديمية فقد تقدمت بطلب إلى بعض المنظمات الدولية، بما في ذلك العلماء المعرضين للخطروآمل أن يكون لدي منصب في جامعة أوروبية قريبًا.
ما رأيك في مجال حقوق الإنسان في تركيا؟
هذا المجال لم يكُن يومًا جيدًا في تركيا، وما مررت به جعلني أشعر بمعاناة الآخرين، والشعور بأنك من الأقلية أمر صعب للغاية؛ سواء من الأقلية السياسية أو الدينية أو العرقية.. الأكراد هنا غير سعداء على الرغم من أنهم يُشكلون جزءًا كبيرًا من السكان ولكن حقوقهم مهدورة ويتعرضون للاضطهاد.
فيما أن هناك جمعية حقوق الإنسان بتركيا تسعى من أجل جميع الحقوق المُهدرة، إضافة إلى بعض الأشخاص الذين شكلوا منصات عبر الإنترنت والتواصل الاجتماعي وهم ممن فقدوا وظائفهم وحقوقهم مُحاولين استردادها مثل منصة ” KHK”.
ومع الأسف لازال غالبية الأتراك يجهلون حقوق بعضهم البعض، وأخشى أن يظل سلوك المجتمعات المتخلفة وهو الاهتمام بأنصارهم فقط؛ مُسيطرًا على الوضع.
وماذا عن سياسات الحكومة التركية؟
كما ذكرت سابقًا لست منخرطًا في السياسة. ولكنني عانيت بسبب السياسات السيئة. ولن أستطيع أن أنتقد هنا حزب العدالة والتنمية فهو الرائد لدينا من وجهة نظر السياسة التركية. ولكن هناك أخطاء واضحة لهم ولا زالوا مستمرين بالقيام بها.. فأولًا وقبل كل شيء، هي حكومة تؤذي المئات والآلاف من الناس الذين هم في الواقع من قام بانتخابهم وترشيحهم، ووفقًا لمصطفى ينيروغلو، العضو السابق في حزب العدالة والتنمية، فقد تم إجراء أكثر من مليون صفقة قانونية لتقوم باتهام الناس بالإرهاب. وحتى فيما يتعلق بالأرقام الرسمية، فإن هذا العدد يبلغ حوالي 600 ألف.. هل يعقل أن منظمة إرهابية تضم مليون عضوًا ؟.. وأنا رأيت بأم عيني خلال فترة سجني مع عشرات الأشخاص أنه لا يُوجد بينهم إرهابي أو حتى من يُدافع عن الإرهاب.
للأسف هناك حوالي 100 صحفي في السجون منذ سنوات ولعل أشهرهم أحمد ألتان، أيضًا هناك حوالي 10 آلاف امرأة و800 طفل مع أمهاتهم يرضخون في السجون التركية. حتى الأمهات النفاس يتم القبض عليهن دون شفقة أو رحمة. وقد تُوفي أكثر من 500 شخص في هذه الفترة منذ 15 تموز2016. لذا، في رأيي أن الألم والمعاناة التي تسببت فيهما الحكومة التركية سوف ينقلبان ضد حزب العدالة والتنمية عاجلا أم آجلا. هذا إلى جانب ما تشتهر به تركيا من سمعة سيئة بحسب ما اُتابع عبر الإعلام الدولي؛ فقد وعدت تركيا فيما سبق بعدم الإنخراط في صراعات ولكنها اليوم تُواجه مشاكل مع الجميع. وأود أن أقترح على الحكومة البدء في صنع السلام.. أولًا مع مواطنيها ثم مع العالم، على أن تبدأ بالدول المجاورة.
العديد من التقارير تتحدث عن الظروف السيئة للسجناء بسبب فيروس كورونا، هل هناك معلومات تفصيلية لديك ؟
التمييز بشكل عام سيء وبمجرد أن تفقد الموضوعية؛ فإنه من الصعب إبقاء الأمور تحت السيطرة بعد الآن. وكما فعلت معظم البلدان، كان قرارًا صحيحًا بإخلاء السجون لحماية السجناء من تفشي الوباء. ولكن الحكومة التركية قررت مع الأسف عدم الإفراج عن الإرهابيين المزعومين. وبدلًا من ذلك، أطلقوا سراح القتلة واللصوص والمُغتصبين.. وقد بدأ المجرمون المُفرج عنهم بالفعل في إثارة المشاكل محليًا في تركيا.
هل أنت متفائل بمستقبل تركيا إذا استمر حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان في الحكم؟
لا أنوي انتقاد حزب العدالة والتنمية أو أردوغان، ليس بسبب خطر الوقوع في ورطة عن طريق رفع نبرة الصوت (والذي أصبح كثيرًا وسهلًا هذه الأيام)، ولكن لأنني لا أعتقد أنها ستتغير.. لاعائلتي ولا أنا لدينا أمل في مستقبل تركيا إذا استمرت على السياسات نفسها، وأخشى أن يكون هذا هو شعور مئات الآلاف من الأتراك.
–