بقلم: عبد الله منصور
القاهرة (زمان التركية) – لا شك أن تركيا تشهد أيامًا عصيبة في الفترة الأخيرة، ما بين أزمة اقتصادية طاحنة مستمرة منذ أشهر، زادت طينتها بلة جائحة فيروس كورونا (كوفيد– 19)، الوباء نفسه الذي بات كابوسًاللشعب التركي، وأصوات صاخبة تتعالى من وراء ستار كواليس المطبخ السياسي.
العاشر من أبريل/ نيسان 2020، تاريخ قد يكون فارقًا في حياة الشعب التركي، وقد يكون من الصعب نسيانه، في مساء ذلكاليوم أعلنت وزارة الداخلية التركية قرار بحظر تجوال شامل لمدة 48 ساعة، اعتبارًا من منتصف ليل اليوم نفسه، ضمنالإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة لوقف انتشار فيروس كورونا في البلاد. أي أن القرار أعلن قبل سويعات قليلة منتطبيقه، الأمر الذي تسبب في تدافع المواطنين وتكالبهم على المتاجر والأسواق والمخابز بشكل جنوني، نقلته وسائل الإعلاموالصحف المحلية والدولية على أنه “فضيحة ليلة الجمعة“.
حظر التجوال المفاجئ تسبب في موجة كبيرة من الانتقادات والهجوم على حكومة حزب العدالة والتنمية، وبالتأكيد رئيسالجمهورية رجب طيب أردوغان، الأمر وصل إلى تقدُّم بعض أعضاء اللجنة العلمية لمواجهة فيروس كورونا المكلفة من قبل وزارةالصحة التركية، باستقالتهم، بسبب عدم علمهم المسبق بالقرار، بالإضافة إلى ادعاءات حول انزعاج وزير الصحة فخر الدينكوجا نفسه من القرار بسبب عدم علمه المسبق أيضا، حسب ادعاء صحيفة “يني تشاغ” التركية مع التراجع لاحقا.
الإعلان عن قرار حظر التجوال، جاء بتوقيع من وزير الداخلية صويلو، موضحًا أن القرار اتخذ بتعليمات من الرئيس أردوغان،بعد التشاور مع وزير الصحة كوجا.
في اليوم التالي (السبت 11 أبريل/ نيسان 2020) كشف الستار عن وثيقة لوزارة الداخلية التركية موضح بها أن الحكومةاتخذت قرار حظر التجوال الشامل في 31 مدينة يوم الخميس الماضي، أي قبل يوم من الإعلان عنه بشكل مفاجئ مساءالجمعة وتطبيقه بعدها بساعات.
ولكن سليمان صويلو قرر بشكل مفاجئ مساء الأحد (12 أبريل/ نيسان 2020) إعلان استقالته، موضحًا أن السبب هو ماحدث في ليلة حظر التجوال من تزاحم وتكدس، وأنه يتحمل المسؤولية كاملة، وقال: “إن الله شاهد على ما أقول، حتى ولو نزفجسدي كاملًا لن أبتعد عن أردوغان”، ولكن سرعان ما أعلنت رئاسة الجمهورية رفض أردوغان الاستقالة وأن صويلو سيستمرفي عمله. الأمر الذي أثار تساؤلات عما إذا كان قرار الاستقالة بهذا الشكل هدفه تبرئة أردوغان من فضيحة ليلة الجمعة،خاصة وأن صويلو أوضح في بيان إعلان حظر التجوال أن القرار صدر بتعليمات من أردوغان نفسه، ثم أعلن بعد ذلكاستقالته وأنه يتحمل المسؤولية كاملة عن القرار.
الاحتمال الآخر لحالة الجدل التي تشهدها تركيا بسبب استقالة صويلو، هو أن أردوغان كما اعتاد يحاول تشتيت الرأي العامالتركي للتغطية على شيء آخر أكثر سوءًا. فالاستقالة أصبحت حديث الشارع التركي، ولكن في الوقت نفسه هناك شيء آخرلم يكن في الحسبان، وهو أن تركيا أصبحت الآن في المركز الثالث عالميًا بين الدول الأعلى من حيث أعداد الإصابات اليوميةبفيروس كورنا بعد الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة (إنجلترا)، متجاوزة بذلك إيطاليا وإسبانيا، بعد أن كانتا الأعلىفي معدلات الإصابة في أوروبا.
الاحتمال الثالث هو أن تكون استقالة صويلو ورائها الحرب السرية القائمة بينه وبين صهر أردوغان وزير الخزانة والمالية براتألبيراق؛ خاصة أن مصادر مطلعة نقل عنها رئيس تحرير موقع “خبردار” الإخباري التركي، سعيد صفا، أكدت حدوثاشتباكات بالأيدي بينهما في وقت سابق من العام الماضي على خلفية خسارة حزب العدالة والتنمية لانتخابات المحليات فيالمدن الكبرى المهمة وعلى رأسها إسطنبول، وظهر الأمر في مقطع فيديو آخر لتصادمهما بالكتف في أحد المناسبات.
في السياق ذاته، تهاجم جماعة البجع، التي يديرها برات ألبيراق مع مجموعة من رجال الأعمال والصحافيين من الحزب،سليمان صويلو، وتشن عليه هجمات شرسة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحف منذ فترة طويلة، خاصة وأن الرجليعتبر من الأسماء المقربة للغاية من أردوغان؛ وعلى الجانب الآخر تعمل على تلميع ألبيراق وتجهيزه ليكون الوريث الشرعيللحكم من بعد أردوغان.
الأمر الذي قد يثير الشك في أن استقالة صويلو حيلة منه للضغط على أردوغان لمنحه منصبًا أكثر قوة وأهمية، ليستخدمه فيالهجوم على ألبيراق وفريقه، خاصة أنه يعتبر القبضة الحديدية لنظام أردوغان في السنوات الأخيرة؛ هو تصدر الوسومالداعمة لصويلو وتطالبه بالبقاء في منصبه موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في تركيا.
كذلك قد يشير الأمر إلى اتساع صدع جديد في جسد حزب العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي يخشاه أردوغان في تلك المرحلةالخطرة، خاصة وأن الحزب يواجه نزيفًا حادا في أعضائه وأسمائه البارزه منذ أن أعلن وزير الاقتصاد ونائب رئيس الوزراءالأسبق علي باباجان استقالته وتأسيس حزب خاص به، ومن بعده رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، مع أبرز الأسماءفي حزب أردوغان.