بقلم: عبد الله منصور
القاهرة (زمان التركية) – سليمان صويلو الرجل المعروف بصاحب القبضة الحديدة لنظام حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان، لم يكن محبًا لأردوغان وحزبه من قبل، وإنما كان معارضًا شرسًا لكل ما يقوله.
صويلو لم يكن من الأعضاء المؤسسين لحزب العدالة والتنمية أو حتى المنضمين للحزب في السنوات الأولى، وإنما كان معارضًا شرسًا لأردوغان ونظامه عندما كان رئيسًا للحزب الديمقراطي (DP)، بل وصل الأمر إلى أنه قال في أحد المؤتمرات الجماهيرة المشتركة مع حزب السعادة (SP) ضمن حملته الانتخابية لخوض انتخابات البلديات: “سنلقن حزب العدالة والتنمية وطيب أردوغان الذين يزعمون ممارسة العمل السياسي في تركيا، درسًا… وسنخلص الأمة التركية من هذا الحزب”.
ولكنه فُصل من الحزب الذي كان يقوده، بعد استفتاء 12 سبتمبر/ أيلول 2010، ليفاجئ الجميع في 5 سبتمبر/ أيلول 2012 بمشاركته في الاجتماع الموسع لحزب العدالة والتنمية بصفته عضوا، وفي 30 من الشهر نفسه أُنتخب ليكون في اللجنة المركزية لإدارة الحزب الذي كان من أشد معارضيه. ودخل البرلمان ممثلًا عن حزب العدالة والتنمية في انتخابات يونيو/ حزيران ونوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2015، ومن بعدها الانتخابات البرلمانية في عام 2018.
ولكن على ما يبدو أن علاقة صويلو بأردوغان وقربه المفاجئ منه لم يقتصر على دخوله البرلمان ممثلًا عن الحزب فقط، وإنما عُين وزيرًا للعمل والضمان الاجتماعي في حكومتي أحمد داود أوغلو وبن علي يلدريم، ومن بعدها وزيرًا للداخلية اعتبارًا من أغسطس/ آب 2016، ليبدأ أشرس حملة تشويه واعتقال لمعارضي أردوغان ونظامه مهما كانت توجهاتهم، استكمالًا للحملة التي أطلقها سلفه أفكان علاء لاعتقال حركة الخدمة والمنتمين لها.
سليمان صويلو المعروف عنه حبه للمفاجئات أعلن بشكل مفاجئ مساء الأحد (12 أبريل/ نسيان 2020)، من خلال بيان كتابي، استقالته من منصبه وزيرًا للداخلية، موضحًا أن السبب وراء ذلك الصور ومقاطع الفيديو المتداولة حول اكتظاظ المواطنين أمام المتاجر والأسواق والمخابز بعد أن فوجئوا بقرار فرض حظر تجوال شامل لمدة 48 ساعة في 31 مدينة اعتبارًا من منتصف ليل الجمعة، أي بعد سويعات قليلة من إعلان القرار.
قرار صويلو وما تبعه من تكدس وازدحام للمواطنين بشكل جنوني، بالرغم من التأكيد المستمر على عدم التقارب والتزاحم لتجنب العدوى بفيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، أدى إلى موجة كبيرة من الغضب في الشارع التركي، وكذلك في الحكومة.
العديد من الأعضاء في اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا المشكلة من وزارة الصحة التركية، قرروا التقدم باستقالتهم بعدما شاهدوا مقاطع مخيفة تنذر بكارثة وبائية، بل وأوضحوا أنهم بالرغم من أنهم المعنيون بمتابعة الوضع الوبائي لفيروس كورنا، إلا أنهم لم يكونوا على علم بالقرار، غير أن وزير الصحة فخر الدين كوجا نفسه تدخل لإقانعهم بالعدول عن قرار الاستقالة، حتى أنه نفسه كان غاضبًا من القرار بسبب عدم علمه المسبق به، حسب رواية صحيفة “يني تشاغ” التركية.
البروفيسور توفيق أوزولو، وهو أحد أعضاء اللجنة العلمية، علق على مقاطع التكدس، قائلًا: “أنا حزين للغاية، كانت الأمور تسير بشكل جيد، ولكن بعد هذا القرار، سنعيش فاجعة مخيفة بعد عدد من الأسابيع، نتيجة تكالب المواطنين بهذا الشكل. المقاطع المتداولة مخيفة للغاية”.
سليمان صويلو أكد في بيانه أن السبب وراء قرار الاستقاله هو ما حدث ليلة الجمعة في ظل ما تتعرض له البلاد من أزمة وباء كورونا الذي تجاوزت أعداد المصابين به 55 ألفًا حتى الآن، وأنه يتحمل المسؤولية كاملة عما حدث، بالرغم من أنه قال عند إعلان قرار حظر التجوال أن ذلك تم بناءً على تعليمات من أردوغان بصفته رئيس الجمهورية وبعد التحاور مع وزير الصحة فخر الدين كوجا.
رئاسة الجمهورية التركية، سرعان ما أعلنت في بيان أصدرته رئاسة الاتصالات التابعة لها، أن أردوغان رفض استقالة سليمان صويلو، واستدعاه من أنقرة إلى قصره في إسطنبول للاجتماع معه؛ ولكن على ما يبدو أن أردوغان لا يفكر في الأمر على أنه وقت حرج بسبب أزمة كورونا فقط، وإنما هناك أمر آخر يدور وراء الستار؛ وهو الخوف من المزيد من التصدع في الحزب الحاكم.
الحقيقة أن سليمان صويلو يعتبر اليد اليمنى والقبضة الحديدية لأردوغان ونظامه، ولكنه بالتأكيد يعد أيضا كاتم أسرار والصندوق الأسود له بجانب رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان؛ ولكن هناك من يسعى وراء أمر آخر، إنه الصهر وزير الخزانة والمالية برات ألبيراق، الذي لا يبتعد عن أردوغان ولو لحظات، بل ويُنظر إليه على أنه سيكون الوريث الشرعي للحكم في تركيا بعد رحيل أردوغان.
قد يكون الأمر معقدًا، فما علاقة برات ألبيراق باستقالة صويلو؟ الحقيقة أن حزب العدالة والتنمية يشهد حالة غير مسبوقة من الانقسامات والانشقاقات بدأت بإعلان وزير الاقتصاد الألمع في مسيرة الحزب الحاكم ونائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان استقالته بعد خسارة الحزب لانتخابات المحليات الأخيرة، معلنًا أن السبب هو خروج الحزب الذي كان أحد مؤسسيه، عن مساره ومبادئه التي أسس عليها، وأنه سيؤسس حزبا سياسيا جديدا (حزب الديمقراطية والتقدم). ومن بعده توالت العديد من الاستقالات لأسماء بارزة في الحزب كان أبرزها رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو الذي أسس أيضًا حزبًا معارضًا لأردوغان باسم حزب المستقبل.
التصدع داخل الحزب لم يتوقف عند تلك الانشقاقات التي تحولت إلى نزيف من الاستقالات فقط، وإنما تعالت الأصوات المعارضة لسياسات الحزب داخل الحزب نفسه أيضًا، اعتراضًا على مجموعة “البجع” التي يقال إنها تعمل لحساب برات ألبيراق وتعمل على تلميعه وتؤثر على قرارات أردوغان في الفترة الأخيرة.
المحلل السياسي التركي ورئيس تحرير موقع “خبردار” الإخباري التركي، سعيد صفا، كان قد أوضح في صيف العام الماضي أن هناك توترا كبيرا في العلاقة بين ألبيراق وصويلو وصلت إلى التصادم ببعضهما البعض بكتفيهما أمام الكاميرات، مشيرًا إلى أن السبب كان انتخابات المحليات الأخيرة التي خسرها الحزب أمام المعارضة في أغلب المدن الكبرى المهمة.
صفا أوضح أن مصادر مؤكدة أكدت له أن ألبيراق وفريقه أعدوا تقريرًا لأردوغان يوضح أن السبب وراء خسارة إسطنبول هو صويلو وتصريحاته وتصرفاته، بينما أعد صويلو تقريرًا أوضح فيه أن السبب وراء الخسارة هو ألبيراق وفريقه، مشيرًا إلى أن الأمر وصل إلى صفع ألبيراق لصويلو ورد الأخير بالسباب.
واعتبر سعيد صفا استقالة وزير الداخلية وعودته مرة أخرى من تجليات الصراع بين ما يسمى في تركيا مجموعة البجع التابعة لصهر أردوغان برات ألبايراق ووزير الداخلية الذي يتمتع بعلاقات وطيدة مع كل من حزب الحركة القومية و”تنظيم أرجنكون” الدولة العميقة.
وأفاد صفا أنه قبيل رفض أردوغان استقالة الوزير فإن: “مجموعة البجع التابعة لصهر أردوغان برات ألبيراق نشوا الادعاء القائل بأن وزير الداخلية سليمان صويلو استقال من منصبه بعلم أردوغان؛ في حين تسوق اللجان الإلكترونية ووسائل الإعام التابعة للوزير المزاعم التي تقول بأن أردوغان لم يقبل استقالة الوزير، ليلة غريبة بالفعل!”.