بقلم: ماهر المهدي
بعد ثلاثة أشهر من إقامتي في بغداد مع زملاء العمل، أردت أن يكون لي سكني الخاص، فرحت أبحث عن بيت مناسب قريب بمساعدة أحد الأصدقاء العراقيين الطيبين الذي تعرفنا إليه صدفة، لكونه جارا في نفس شارع النزل الجماعي.
كان صديقنا العراقي رجلا طيبا يدعى أبو أركان وكان يعمل موظفًا لدى إحدى الجهات العراقية، وكان ربا لأسرة كبيرة نسبيا أصغرها سنا الطفل أركان، ويكنيه الناس “أبو أركان”.
كان أبو أركان لطيفا مجاملا، وقد أحببناه جميعا وكنا نسعد بضيافته متى زارنا وجالسنا، كما كنا نسعد جميعا بالتحدث إليه متى التقينا عند مدخل بيته أو مدخل بيتنا. فكنا نمطر الرجل بالأسئلة التي كنا نبحث لها عن إجابة، مثل أماكن تبضع بعض اللوازم ووقائع بعض ما عاصر أيام الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله. وكان أبو أركان يجيب على ما يلقى عليه من أسئلة ببساطة وتلقائية، دون مزايدة أو انزعاج، فقد كان يعرف أن المصريين يحبون العراق ويحبون صدام حسين رحمه الله. فلما مضى الوقت صرنا أصدقاء، وصار أبو أركان يحكي لنا أحيانا ما يذهل المرء.
وحدث أن كنت مرة لدى أبي أركان، فقال بلا مقدمات: هل ترى نهاية هذا الشارع يا أستاذ، مشيرا بيده إلى أحد الاتجاهات، فنظرت لحظة ثم أجبته بالإيجاب، فقال أبو أركان : لقد حدث ذات يوم -أبان عهد الرئيس صدام حسين- أن سمعت دوى فرقعة رهيب، فأسرعت انظر إلى مصدر الصوت المدوي، فإذا بالبيت الخاص بأحد لواءات الجيش العراقي الذي كان يسكن في ذلك الشارع قد نسف تماما فلم يبق منه شىء. وقد علم الجميع أن رجال الرئيس صدام حسين نسفوا بيت لواء الجيش، لأنه كان طرفا في مؤامرة للإطاحة بالرئيس صدام. فتمتمت متسائلا في ذهول: نسفوا بيت الرجل تماما؟ فأجاب أبو أركان بثقة ووضوح: تماما يا أستاذ، ما خلوا مكانه شيئا. فبلعت ريقي بصعوبة، من هول ما تصورته في مخيلتي من رهيب الحدث، حتى أني نسيت لبرهة ما جئت إلى أبو أركان من أجله أصلا.
لما تجاوزت خيالاتي المرعبة وعاد نظري إلى حاضر اللحظة، سألت أبا أركان عما إذا كان يمكنه أن يدلني على أهل بيت للإيجار، مبينا حدود ما يمكنني سداده وما أفضله من مزايا في البيت، وأهمها حسن الموقع وأمان المنطقة. فقال أبو أركان: أبشر يا أستاذ ولا تعتل هما، وغدا إن شاء الله اطمئنك وأجد لك ما يرضيك. فلما كان الغد، قصدت بيت أبي أركان، فوجدت الرجل مستعدا وعند وعده، وأصطحبني من فوره إلى شارع متسع يعرف باسم “الأربع شوارع” لأنه يضم أربعة حارات للسيارات. وكان شارعا جميلا مزينا بالنخيل الباسقات، فأحبتته على الفور.
قصد بنا أبو أركان بيتا فقد بابه فاجابنا شاب هادئة الملامح تعلو وجهه ابتسامة شاحبة واخذنا إلى داخل البيت، حيث مجلس السيدة أمه ربة البيت وصاحبة الكلمة.
–