بقلم: هيثم السحماوي
دمشق هي أمي كما أنا ابنُها، ولا تستطيع قوة أن تقطع حبل المشيمة بيني وبين دمشق، فأنا الدمشقي لو شرحتمُ جسدي لسال منه عناقيد وتفاح.. إني مُحب وهل في العشق إيضاحُ. أما الياسمين الشامي فهو مُعرش علي اضلاعي وينبت في داخلي ولا يمكن للإنسان أن يشتاق لما في داخله.
هذه كلمات الشاعر نزار قباني التي همس بها معبراً عن مدى عشقه لوطنه وحُبه ليسامينُها.
ولد الشاعر نزار توفيق قباني في دمشق في 21 مارس 1923.
درس الحقوق وعمل إثر تخرجه بوزارة الخارجية السورية كدبلوماسي، حتى استقال إجلالاً وتفرغاً للشعر وإيماناً بالقصيدة واحتراماً لقيمة الكلمة.
وفي شعر نزار قباني كانت هناك ميادين أخرى بجانب ميدان الوطن والحب والياسمين كتب فيها وترك بصمته واضحة، من أهم هذه الميادين كان ميدان المرأة.
فلقد كان نزار شاعر الموقف عند المرأة حيث وقف بجانبها ودافع عنها وانتقدها وغضب منها كلاً في مقامه وموقفه.
ولم يكن شاعرا للمرأة بالمعنى الجسدي كما اتهمه البعض وإنما كان شاعرا لها بالمعنى الجمالي، وعندما دافع عن قضيتها فكان ذلك باعتبارها مرتبطة بباقي قضايا الوطن.
وفي ذلك يقول الدكتور الفاضل محمد عبد الرحمن ابن محافظة الفيوم الحاصل على الماجستير في موضوع (شعر الغزل عند نزار قباني) يقول : “دراستي للماجستير كانت محاولة لإثبات أن شعر نزار قباني كان يغلب عليه الحس الجمالي لا الحس الشهواني، فنظرة الشاعر نزار قباني للمرأة كانت رمزا وجوديا للوطن والحياة”.
لقد كانت المرأة عند الشاعر نزار مرادفة للحضارة إذ قال: “كلُ ما أرجوه يا سيدتي .. أن تحبيني قليلا لا لشيء وإنما كي أتحضر ..”.
دعا نزار قباني المرأة إلى تغيير طريقتها في التزين فتجعل مكياجها ثقافياً، ويقول بأن أسوأ مصادر الشعر هم ملكات الجمال بالعالم.
عزيزي القارئ الفاضل اسمح لي في الدفاع عن شاعرنا في هذه القضية أن أنقل لك نص دفاعه الموجز عن نفسه:
“يقول عني الأغبياء إني دخلت إلى مقاصير النساء وما خرجت … ويطالبون بنصب مشنقتي … لأني عن شؤون حبيبتي شعراً كتبت… أنا لم أتاجر مثل غيري بالحشيش، ولا سرقت، ولا قتلت .. لكنني أحببت في وضح النهار .. فهل تراني كفرت؟”.
ومن الميادين الأخرى التي ثار فيها نزار بكلماته ميدان الثورة. الثورة كانت بشكل عام هدفها لدى حضرة الشاعر نزار القضاء على كل أشكال القبح والظلم والتخلف.
لقد تولى مهمة إشعال الحرائق وحمل على عاتقه إيقاظ الناس من غيبوبتهم وسُباتهم .. دعا نزار قباني إلى إيقاظ الموتى من غيبوبتهم وحثهم على التظاهر، ولم يكتف بذلك وإنما واصل ثورته وحرض الأشجار علي أن تمشي والجبال على الطيران .. كان ثائراً غاضبا مثل غضب الأم وهي تصرُخ فور رؤيتها بيتها مُحاصر بالنيران..
وكان نضال شاعرنا العظيم لكي يكون لبلاده شعب رقيق من الياسمين وبرلمان من الياسمين.
أما عن ميدان الشعر فمن وجهة نظري أن الشاعر نزار قباني كان الرئيس الشرعي لجمهورية الشعر، الذي جعل شعره يعالج مشاكل وطنه. وفي ذلك كتب كلمات موجعة تشبه مشاكلنا الموجعة، وواصل طريقه غير مبالٍ بالاعتراضات عليه قائلا في ثبات وإيماناً بالقضية:
“لبلادي شعري ولستُ أبالي … رفضته أم باركته السماءُ”.
وفي موطن آخر قال باكيا:
“يا وطني الحزين حولتني بلحظة من شاعر يكتبُ للحب والحنين إلى شاعر يكتبُ بالسكين”.
كانت نظرة الشاعر نزار للقصيدة بأنها عبارة عن جسر من الجمال يصل بين الشاعر والآخرين. والشاعر مطلوب منه أن يفتح قلبه للناس وأن يقيم جسوراً من الضوء والحرير بينه وبين الناس.
قال الشاعر الأول ومشعل الحرائق الأول نزار قباني معبرا عن حبه وثورته وقضيته:
أقاتل القبح في شعري وفي أدبي
حتى يفتح نوار … ….وأقداح
ما للعروبة تبدو مثل أرملة
أليس في كتب التاريخ أفراح
والشعرُ ماذا سيبقى من أصالته؟
إذا تولاه نصابُ….. ومداحُ
وكيف نكتبُ؟ والأقفالُ في فمنا
وكل ثانية يأتيك سفاحُ ..
دامت حياتكم نورها العلم وقوامها الحب
بقلم هيثم السحماوي