ماهر المهدي
(زمان التركية)- قد يحتاج المرء إلى بعض الوقت لتعتاد أذنه على صوت طلقات الرصاص وتمميزها، ولكنه سرعان ما يعتاد على ذلك، فهو صوت خطير ويحمل معان لا تقبل الهزل. ومع الأيام بدأت أعتاد ما حولي وألف الوجوه وانخرط في دائرة الأحداث حولي، وكان الجو دافئا مشحونًا بالاثارة مرهونا بتضامن الجميع وتماسكهم، الخطورة تفوح من كل مكان وتأتي مع كل عابر وتقرأها في كل الأخبار حولك.
فلا شىء يشير إلى تهدئة أو انفراجة عبقرية قريبة تحيل الحرب والرصاص والخلاف إلى وئام وسلام ورضا في بلد هو رمز للثراء في كل شىء : علما وثقافة و مواردا وتاريخا.
فكلما هدأ قلبك واذددت قراءة وتعمقا واطلاعا على الأمور اذددت خوفا، وكلما خالطت الواقع اذددت قلقا وتحسبًا مما قد يأتي في مقبل الأيام وأدركت بما لا يدع مجالا للشك، أن ما أوردته وسائل الإعلام من فزع ورعب ليس إلا بعض من كثير قد لا تصدقه، كما في أففلام الأكشن وأفلام الرعب، لكني أنا وزملائي كنا نحس ونجد ألفة في المجتمع العراقي ولا نحس بالغربة ولا يعرف أحد أننا مصريون، إلا اذا سمعنا نتحدث في الطريق أو في أحد المحال فيلتفت إليك مرحبا : الأخ مصري؟ فنتبادل بعضا من التحية وعلامات الود، ثم ينصرف كل إلى طريقه بشوشا متفائلا.
وكانت الشوارع تعج بالمارة، والمحال تمتلىء بالبضائع الجيدة المستوى مقبولة السعر والمطاعم ربما احتاجت حجزا مسبقا وانتظارا قبيل أن يجد المرء طاولة يجلس إليها.
كل شىء طبيعي الا الطائرات التي تحوم على ارتفاع أمتار فوق رؤوسنا كأنها تبحث عن موضع لهبوطها ولا تجد من كثرة المارة.
كل شىء طبيعي إلا هذه المتاريس التي تقطع الطرق تحت حراسة مسلحة مشددة، فكانت الحياة في بغداد حلوة، وإن غابت الخدمات -مثل الكهرباء- واضطر المرء إلى المولدات الكهربائية وصداعها المتصل بالتشغيل والصيانة والحصول على الديزل اللازم.
كان هناك لكل شىء سمسار يحمل إلى بيتك ما تريد، لأنك تريد الأمان ولا ترضى بمخاطرة الخروج والبحث عما تريد من احتياجات، وكان ممن عرفنا وتردد علينا ذلك الشاب قاسم العراقي الودود بائع الهواتف الخلوية الذي تجد لديه الحديث من أجهزة المحمول ومن ألوانها وماركاتها العديدة، وكان محل تجارة قاسم هى سيارته الخاصة. فكان من يرغب في طلب يتصل طارق ليزوره الشاب الطيب معززا بما هو مطلوب إرضاء للمشتري الكريم. وقد أحب الجميع طارق، وصعقنا جميعا صاعقة لن أنساها أبدا، حين سألنا عليه يوما رغبة في رؤيته، فقيل لنا أنه قد عثر على الشاب الطيب مقتولا مفصول الرأس.